موريتانيا

تعليقات موريتانيا على الملاحظات الختامية للجنة القضاء على التمييز العنصري على التقارير الدورية من الأول إلى الخامس


الملاحظات الختامية للجنة مختلة التوازن لأنها تعتمد أساسا على ادعاءات المقرر، السيد رجيس دي غوت، وذلك على الرغم من الأجوبة الصريحة والوافية التي قدمها الوفد الموريتاني أثناء الجلسة 1341 للجنة المعقودة يوم 6 آب/أغسطس 1999.
ومن ذلك فإن المقرر لم يفعل سوى تكرار ادعاءات مستمدة من تقرير الخارجية الأمريكية ومن مصادر أخرى أكثر شبهة. وهذه الادعاءات لم تدعمها قط أدلة موثقة ولو كانت هناك أدلة موثقة لأسرعت السلطات الموريتانية إلى دراستها والرد عليها.
ولكن موريتانيا هدف مناسب لكل من لا يستطيعون تصور مجتمع متعدد الثقافات والأعراق في أفريقيا بدون خصومات عرقية، حتى وإن لم تكن تلك الخصومات قط جزءا من تاريخ البلاد، كما هي الحال بالفعل في موريتانيا.
وقد أثبت الوفد هذه الحقيقة إلى حد كبير، في الأجوبة التي قدمها عن طريق حقائق وأمثلة دقيقة وملموسة لكن ذلك لم يمنع اللجنة من الثناء في الفقرة 323 على الجهود التي بذلتها الدولة لحماية أضعف "المجموعات العرقية".
والذين يعرفون موريتانيا أقل المعرفة لا يخفى عليهم أنه لا توجد فيها "مجموعات عرقية ضعيفة" بل طبقات ضعيفة في كل الطوائف (العرب، الفلانة، السوننكي والولوف). وهذه المجتمعات العربية وغير العربية كان لها نفس التكوين الطبقي الاجتماعي في الاقتصاد التقليدي، وكما أن تطورها الاجتماعي كان متطابقا: وهي تشمل اليوم طبقات ميسورة وطبقات متوسطة وطبقات محرومة.
وفي الفقرة 329 تلاحظ اللجنة "وجود ادعاءات تفيد بأن بعض المجموعات من السكان، وخصوصا مجتمعات السود، لا تزال تعاني من مختلف أشكال الاستبعاد والتمييز ولا سيما فيما يتعلق بالوصول إلى الخدمات العامة والعمالة.
وببساطة لم يوجد هذا النوع من الممارسات أبدا في المجتمع الموريتاني بحيث يمكن الحديث اليوم عن بقائها.
كان المجتمع الموريتاني قبل الاستعمار يتكون من قبائل وممالك وإمارات وقرى يسيطر كل منها على منطقة محددة نسبيا وتربطها بالفعل شبكة من العلاقات، ولكن هذه العلاقات لم تتخذ قط طابع الهيمنة أو التمييز.
وقد أنشأت سلطة الاستعمار إدارة فرضت نفسها على جميع هذه الكيانات، ولا يمكن الظن بأنها أدامت علاقات "استبعاد وتمييز" ضد مجتمعات السود لأن هذه النوع من العلاقات لم يكن له وجود على الإطلاق من ناحية، ومن ناحية أخرى تمتعت هذه المجتمعات أكثر من غيرها بالفوائد القليلة التي أتاحها النظام الاستعماري.
أما الدولة الموريتانية الحديثة، فقد عملت على تمتين أسس التماسك والوحدة الوطنيين، واليوم تضمن إرساء الديمقراطية في الحياة العامة لكل شخص حقوقه الأساسية في أن يكون ممثلا أو في أن يمثله آخرون بفضل الاقتراع العام، الذي يشكل نموذجا فعالا لتنظيم المؤسسات والحيز الاجتماعي.
ولقد رسخ دستور 20 تموز/يوليه 1991 هذه الحقوق وخلق الإطار المؤسسي المناسب لها: دولة القانون.
وتتجسد دولة القانون هذه في حوالي عشرين حزبا سياسيا، وأكثر من 500 جمعية غير حكومية وثلاثة اتحادات نقابية وحوالي عشرين صحيفة مستقلة.
وتوفر السلطة القضائية وأمين المظالم بالجمهورية ومفوضة حقوق الإنسان والكفاح ضد الفقر والدمج، للمواطنين سبل انتصاف عديدة في حالات الظلم.
ويصبح الادعاء الذي تكرره اللجنة خطيرا عندما تتحدث عن "الاستبعاد فيما يتعلق بالوصول إلى العمالة والخدمات العامة" إن لم يدل على جهل تام بالأوضاع في موريتانيا.
وعلي عكس الرؤية الازدواجية - العرب من ناحية والمجتمعات غير الناطقة بالعربية من ناحية أخرى- فإن أواصر التكامل العريقة والتمازج الكبير توحد مختلف الفئات الموريتانية وهذه الأواصر قد ازدادت وثاقة بفعل الدين المشترك والكفاح من أجل مصير مشترك.
وعبر التاريخ انعقدت تحالفات بين أحزاب وعشائر تمثل جميع هذه الفئات لمحاربة ائتلافات مماثلة. ومن جهة أخرى فإن لون البشرة لم يشكل قط معيارا ما في المجتمع الموريتاني، حيث أن بعض العائلات السوداء منحدرة من الطبقات العربية النبيلة القديمة، بينما أجزاء كبيرة من فئة الفلانة ذات بشرة فاتحة.
ولا توجد في موريتانيا مناطق أو أقاليم أو حتى حارات تسكنها فئة واحدة فقط، ومن المثير للسخرية الادعاء بأن المدرسة أو المصلحة في القرية أو المخيم أو الحارة تعطي أولوية للأطفال أو الأشخاص من هذه الفئة أو تلك.
إن الجهود المكثفة للحكومة الموريتانية في مجالات مكافحة الفقر والتربية ومحو الأمية والصحة والعمالة والإسكان والنهوض بالمرأة وما إليها تبذل في وضح النهار وبالتعاون مع الوكالات والهيئات المختصة لمنظومة الأمم المتحدة.
وكان ينبغي أن تعتمد اللجنة على تقارير هذه الوكالات والهيئات بدلا من نقل ادعاءات ظالمة لا أساس لها من الصحة.
وفي نفس الفقرة لاحظت اللجنة أنه "قد لا تزال توجد، في بعض أنحاء البلد، بقايا ممارسات الرق والعبودية القسرية" وبالتأكيد فقد أخذت اللجنة جانب الحيطة بوضع هذه الجملة في أسلوب شرطي، ولكن الوفد كان قد تناول المسألة بإطناب إلى حد جعله يعتقد أنه قد أوضح كل مواطن اللبس في هذا الموضوع.
وينبغي على اللجنة بكل بساطة أن تلاحظ أنه لا توجد مناطق لا ينطبق عليها القانون في موريتانيا حيث يمكن أن تستمر وتزدهر بلا عقاب مخلفات ممارسة شنيعة مثل الرق.
إن موريتانيا تنتمي إلى منطقة كان الرق قد مورس فيها فعلا بالأشكال التي وصفها الوفد في رده الشفوي في 6 آب/أغسطس، ومع ذلك لم تترك هذه الظاهرة وصمات أبرز في موريتانيا منها في أماكن أخرى، ومن الإجحاف إفراد المجتمع الموريتاني لمجرد أنه ثنائي الأعراق. هذا وقد أثبتت بعثة التحقيق التابعة للجنة الفرعية لمناهضة الإجراءات التمييزية وحماية الأقليات التي نظمت في عام 1984 - بمبادرة من الحكومة الموريتانية- من ناحية أن هذه الظاهرة لم تكن لها قط طبيعة عرقية في هذا المجتمع لأنها مورست في جميع مكونات المجتمع، ومن ناحية أخرى أن الظاهرة كمؤسسة قد اختفت.
والمخلفات التي يروق لبعض كبار المسؤولين السابقين أن يجعلوا منها رصيدا تجاريا، لأنهم لم يعودوا في الحكم، هي مجرد تعبير عن شبكة من العلاقات نتجت عن مجموعة من العوامل من بينها الولاء والتحالفات ووشائج القربى والجيرة أو علاقات التأجير من الطراز الحديث. وهذا النوع من العلاقات لا ينفرد به المجتمع الموريتاني بل هو - على العكس- منتشر في أقطار أخرى.
وفيما يتعلق بموريتانيا - كما هو الحال في أي قطر آخر- فإنه لا توجد طريقة أكثر فعالية للقضاء على مخلفات التنظيم الاجتماعي القديم من نشر التربية، خاصة عن طريق تعميم التعليم، وهو ما أوشكت موريتانيا على تحقيقه كما تشهد على ذلك نسبة التعليم العالية فيها (أكثر من 87 في المائة).
وأهداف البرنامج الوطني لمكافحة الفقر الذي عرضه الوفد، وبالخصوص تلبية الاحتياجات الاجتماعية الأساسية وتشجيع الأنشطة المولدة للوظائف والمدرة للدخل وتعزيز دولة القانون، والاستراتيجية الوطنية لتعزيز حقوق الإنسان نابعة كلها من نفس إرادة تعجيل التقدم الاجتماعي وتحرير طبقات المجتمع الأكثر حرمانا.
وفي الفقرة 333 تشجع اللجنة الدولة الموريتانية على تكثيف جهودها لتعزيز مختلف اللغات القومية.
وتؤدي موريتانيا دورا رائدا في هذا المجال على الرغم من أن هذه اللغات سائدة في أقطار أخرى من المنطقة دون الإقليمية.
هذا، وستواصل الحكومة الموريتانية بذل جهودها في نفس الاتجاه وفقا للأحكام الدستورية التي تعترف بالحقوق الثقافية للأقليات غير الناطقة بالعربية.
وهذا الخيار دليل على إرادة سياسية حقيقية للحفاظ على الوحدة الوطنية وتعزيزها على أسس مستدامة تقوم على صيانة حقوق الجميع في إطار العدل والإنصاف.
ولم تعكس استنتاجات اللجنة كل الجهود ولا هذه الحقائق الملموسة.
بل هي لا تعكس حتى النقاش الذي أعقب عرض التقرير، وتعطي الانطباع بأن الحوار المثمر والنقاش الخصب الذين دارا يومي 5 و6 آب/أغسطس (الفقرة 322)، لم يؤخذا بعين الاعتبار كما يجب، وأن اللجنة اعتمدت على تقرير السيد دي غوث فحسب.
وعلي الرغم من هذه الحقيقة، فإن التزام موريتانيا بالاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري يظل كاملا، كما يظل تصميمها الدائم على زيادة ترسيخ دولة القانون وتعزيز التقدم الاقتصادي والاجتماعي لجميع مواطنيها دون تمييز على أساس الأصل أو العرق أو الجنس أو الوضع الاجتماعي.
______________________________
* وثيقة الأمم المتحدة A/54/18، المرفق الحادي عشر. وقد وردت الملاحظات الختامية بالفقرات من 321-336 من نفس الوثيقة.

العودة للصفحة الرئيسية