اللجنة المعنية بحقوق الإنسان
الدورة الثانية والسبعون (2001)

التعليق العام رقم 29: المادة 4 (عدم التقيد بأحكام العهد أثناء حالات الطوارئ)


1- تتسم المادة 4 من العهد بأهمية قصوى بالنسبة لنظام حماية حقوق الإنسان بمقتضى العهد. ذلك أنها، من ناحية، تجيز للدولة الطرف عدم التقيد بصورة انفرادية ومؤقتة بجزء من التزاماتها بموجب العهد. ومن الناحية الأخرى، فإن المادة 4 تُخضع كلاً من تدبير عدم التقيد هذا ذاته وتبعاته المادية لنظام محدد من الضمانات. وإن استعادة الوضع الطبيعي الذي يمكن في ظله مرة أخرى ضمان الاحترام الكامل للعهد يجب أن يكون هو الهدف الرئيسي للدولة الطرف التي لا تتقيد بالعهد على هذا النحو. وفي هذا التعليق العام، تسعى اللجنة باستبدالها لتعليقها العام رقم 5 المعتمد في الدورة الثالثة عشرة (1981) إلى مساعدة الدول الأطراف على الالتزام بشروط المادة 4.
2- ويجب أن تكون تدابير عدم التقيد بأحكام العهد ذات طابع استثنائي ومؤقت. وقبل أن تقرر الدولة اللجوء إلى المادة 4، يجب أن يتوفر شرطان جوهريان هما: أن يكون الوضع بمثابة حالة طوارئ عامة تهدد حياة الأمة وأن تكون الدولة الطرف قد أعلنت رسمياً حالة الطوارئ. والشرط الأخير أساسي للحفاظ على مبدأي المشروعية وسيادة القانون في الأوقات التي تمس الحاجة إليهما. ويتعين على الدول، عند إعلانها حالة طوارئ تترتب عليها آثار يمكن أن تستتبع عدم التقيد بأي حكم من أحكام العهد، أن تتصرف في حدود أحكام قانونها الدستوري وغيرها من الأحكام المنظمة لإعلان الطوارئ ولممارسة السلطات الاستثنائية؛ وتتمثل مهمة اللجنة في رصد ما إذا كانت القوانين المعنية تمكن من الامتثال للمادة 4 وتكفله. ولكي يتسنى للجنة تأدية مهمتها، ينبغي للدول الأطراف في العهد أن تُضمِّن تقاريرها المقدمة بموجب المادة 40 معلومات كافية ودقيقة عن قوانينها وممارساتها الخاصة باستخدام السلطات الاستثنائية.
3- ولا يمكن وصف كل اضطراب أو كارثة بأنه حالة طوارئ عامة تهدد حياة الأمة، وفقاً لما تقتضيه الفقرة 1 من المادة 4. غير أن قواعد القانون الإنساني الدولي تصبح واجبة التطبيق أثناء الصراع المسلح، سواء أكان دولياً أو غير دولي، وتساعد، إلى جانب أحكام المادة 4 والفقرة 1 من المادة 5 من العهد، على منع إساءة استخدام الدولة للسلطات الاستثنائية. كما يشترط العهد، حتى في حالة الصراع المسلح، عدم جواز اتخاذ تدابير لا تتقيد بالعهد إلا إذا كانت هذه الحالة تشكل تهديداً على حياة الأمة وبقدر ما تشكل هذا التهديد. وإذا ما نظرت الدول الأطراف في مسألة اللجوء إلى المادة 4 في حالات غير حالة الصراع المسلح، يتعين عليها أن تدرس بعناية مسألة مبررات مثل هذا التدبير وسبب كونه أمراً ضرورياً ومشروعاً في هذه الظروف. وقد أعربت اللجنة في عدد من المناسبات عن قلقها إزاء الدول الأطراف التي يبدو أنها لم تتقيد بالحقوق التي يحميها العهد، أو التي يبدو أن قانونها المحلي يجيز عدم التقيد هذا في حالات لا تشملها المادة 4.1
4- وأحد الشروط الأساسية لاتخاذ أي تدبير من تدابير عدم التقيد بالعهد، وفقاً لما تنص عليه الفقرة 1 من المادة 4، هو أن تتخذ مثل هذه التدابير في أضيق الحدود التي تتطلبها مقتضيات الوضع. ويتعلق هذا الشرط بفترة حالة الطوارئ المعنية والمنطقة الجغرافية المشمولة بها ونطاقها الموضوعي وبأية تدابير عدم تقيّد يُلجأ إليها بسبب حالة الطوارئ. ويختلف عدم التقيد ببعض التزامات العهد في حالات الطوارئ اختلافاً واضحاً عن القيود أو الحدود التي تسمح بها أحكام عديدة من العهد حتى في الأوقات العادية.2 وعلى الرغم من ذلك، فإن الالتزام بأن تكون حالات عدم التقيد بالأحكام في أضيق الحدود التي تتطلبها مقتضيات الوضع، إنما يعكس مبدأ التناسب الذي يعد مألوفاً في حالة السلطات التي يجري بموجبها عدم التقيد بالأحكام وفرض القيود. وإضافة إلى ذلك، فإن مجرد كون جواز عدم التقيد بحكم محدد ما أمراً مبرراً في حد ذاته بحكم مقتضيات الوضع لا يبطل اشتراط إثبات أن التدابير المحددة المتخذة بموجب جواز عدم التقيد قد استوجبتها أيضاً مقتضيات الوضع. وهذا سيكفل عملياً أنه ليس هناك أي حكم من أحكام العهد، مهما كانت صحة عدم التقيد به، لا يسري كلياً على تصرف الدولة الطرف. وأعربت اللجنة عند النظر في تقارير الدول الأطراف عن قلقها لعدم إيلاء اهتمام كافٍ لمبدأ التناسب.3
5- ولا يمكن فصل القضايا المتعلقة بتوقيت ومدى عدم التقيد بالحقوق عن الحكم الوارد في الفقرة 1 من المادة 4 في العهد والذي ينص على أن أي تدابير لا تتقيد بالالتزامات المترتبة على الدولة الطرف بمقتضى العهد يجب اتخاذها في أضيق الحدود التي تتطلبها مقتضيات الوضع. ويُلزم هذا الشرط الدول الأطراف بأن تقدم تبريراً دقيقاً ليس فقط لقرارها بإعلان حالة الطوارئ ولكن أيضاً لأية تدابير محددة ترتكز على هذا الإعلان. وإذا ما ادعت الدول أنها لجأت إلى الحق في عدم التقيد بالعهد بسبب حدوث كارثة طبيعية مثلاً أو مظاهرات حاشدة تخللتها أعمال عنف أو حادث صناعي كبير، فإنها يجب أن تكون قادرة عندئذ على أن يبرّر ليس فقط أن هذه الحالة تشكل تهديداً لحياة الأمة ولكن أيضاً أن جميع تدابيرها التي لا تتقيد بالعهد قد اتخذتها في أضيق الحدود التي تتطلبها مقتضيات الوضع. وتعتقد اللجنة أن احتمال تقييد بعض حقوق العهد مثل حرية التنقل (المادة 12) أو حرية الاجتماع (المادة 21) يكفي بوجه عام في مثل هذه الحالات وأن مقتضيات الوضع لا تبرر أي حالة من حالات عدم التقيد بالأحكام المعنية.
6- وإن إدراج بعض أحكام العهد في الفقرة 2 من المادة 4، على أنها أحكام لا يسري عليها عدم التقيد، لا يعني أن المواد الأخرى الواردة في العهد يمكن أن يسري عليها عدم التقيد متى شاءت الدول، حتى في حالة وجود تهديد لحياة الأمة. وإن الالتزام القانوني بأن يكون اتخاذ تدابير عدم التقيد كافة في أضيق الحدود التي تتطلبها مقتضيات الوضع إنما يوجب على كل من الدول الأطراف واللجنة إجراء تحليل دقيق وفقاً لكل مادة من مواد العهد واستناداً إلى تقييم موضوعي للوضع الراهن.
7- وتنص الفقرة 2 من المادة 4 بوضوح على أنه لا يجوز عدم التقيد بالمواد التالية: المادة 6 (الحق في الحياة) والمادة 7 (تحريم التعذيب أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، أو الإخضاع للتجارب الطبية أو العلمية دون الموافقة) والفقرتان 1 و2 من المادة 8 (حظر الرق والاتجار بالرقيق والعبودية)، والمادة 11 (حظر سجن أي إنسان لمجرد عجزه عن الوفاء بالتزام تعاقدي)، والمادة 15 (مبدأ المساواة في مجال القانون الجنائي، أي اشتراط أن يقتصر الاستناد في تقرير كل من المسؤولية عن ارتكاب الجريمة والعقاب عليها على أحكام واضحة ودقيقة في القانون الذي كان موجوداً وساري المفعول وقت حدوث الفعل أو الامتناع عنه، باستثناء الحالات التي يصدر فيها قانون ينص على عقوبة أخف)، والمادة 16 (لكل إنسان الحق بأن يعترف لـه بالشخصية القانونية)، والمادة 18 (حرية الفكر والوجدان والدين). فهذه الحقوق المنصوص عليها في تلك الأحكام هي حقوق لا يجوز عدم التقيد بها بفضل كونها مدرجة في الفقرة 2 من المادة 4. وينطبق الأمر ذاته، فيما يتعلق بالدول الأطراف في البروتوكول الاختياري الثاني للعهد، على التعهد بإلغاء عقوبة الإعدام، وفقاً لما نصت عليه الفقرة 6 من البروتوكول. ومن الجانب المفاهيمي، فإن وصف أي حكم من أحكام العهد بأنه حكم لا يجوز تقييده لا يعني عدم إمكانية تبرير فرض أية قيود أو حدود بشأنه على الإطلاق. وتبين الإشارة الواردة في الفقرة 2 من المادة 4 إلى المادة 18، وهي حكم يتضمن نصاً محدداً بشأن القيود الواردة في فقرتها 3، أن جواز فرض القيود لا علاقة له بمسألة عدم التقيد. وحتى في الأوقات التي تحدث فيها أشد حالات الطوارئ العامة خطورة، يجب على الدول التي تتدخل في حرية الفرد في المجاهرة بدينه أو معتقده أن تبرر أفعالها بالرجوع إلى الاشتراطات المحددة في الفقرة 3 من المادة 18. وقد أعربت اللجنة في مناسبات عديدة عن قلقلها إزاء الحقوق التي لا يجوز تقييدها وفقاً للفقرة 2 من المادة 4، ذلك إما لأنه لم يتم التقيد بها أو لوجود خطر عدم التقيد بها بسبب أوجه القصور في النظام القانوني للدولة الطرف.4
8- وحسب الفقرة 1 من المادة 4، فإن أحد الشروط لتوفر إمكانية تبرير أية حالة من حالات عدم التقيد بالعهد هو ألا تنطوي التدابير المتخذة على تمييز يكون مبرره الوحيد هو العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الأصل الاجتماعي. ورغم أن المادة 26 أو غيرها من أحكام العهد المتصلة بعدم التمييز (المواد 2 و3 والفقرة 1 من المادة 14، والفقرة 4 من المادة 23، والفقرة 1 من المادة 24، والمادة 25) لم ترد ضمن الأحكام التي لا يجوز تقييدها والمدرجة في الفقرة 2 من المادة 4، فثمة عناصر أو أبعاد للحق في عدم التعرض للتمييز لا يمكن تقييدها أياً كانت الظروف. ويتعين، بصورة خاصة، الامتثال لنص الفقرة 1 من المادة 4 عند حدوث أي تمييز بين الأشخاص وقت اللجوء إلى تدابير لا تتقيد بالعهد.
9- وعلاوة على ذلك، تشترط الفقرة 1 من المادة 4 عدم تعارض أي من التدابير التي لا تتقيد بأحكام العهد مع الالتزامات الأخرى الواقعة على الدولة الطرف بمقتضى القانون الدولي، لا سيما قواعد القانون الإنساني الدولي. ولا يمكن اعتبار المادة 4 من العهد بمثابة تبرير لعدم التقيد بالعهد في حال انطواء عدم التقيد المذكور على خرق للالتزامات الدولية الأخرى الواقعة على الدولة، سواء أكانت هذه الالتزامات قد فرضت بموجب معاهدة أو القانون الدولي العام. ويتجلى ذلك أيضاً في الفقرة 2 من المادة 5 من العهد التي تنص على عدم جواز فرض أي قيود أو تضييق على أي من حقوق الإنسان الأساسية المعترف بها في صكوك أخرى بذريعة أن العهد لا يعترف بهذه الحقوق أو لكون اعترافه بها أضيق مدى.
10- وعلى الرغم من أن مراجعة تصرف الدولة الطرف بموجب معاهدات أخرى ليس من مهام اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، تملك اللجنة لدى اضطلاعها بمهامها المناطة بها بموجب العهد صلاحية أن تضع في الحسبان التزامات دولية أخرى واقعة على الدولة الطرف عندما تنظر اللجنة في مسألة ما إذا كان العهد يجيز للدولة الطرف عدم التقيد بأحكام محددة منه. وعليه ينبغي للدول الأطراف، عندما تلجأ إلى الفقرة 1 من المادة 4 أو عندما تقدم تقارير بموجب المادة 40 عن الإطار القانوني المتصل بحالات الطوارئ، أن تقدم معلومات بشأن التزاماتها الدولية الأخر ذات الصلة بحماية الحقوق المعنية، ولا سيما الالتزامات الواجبة التطبيق في أوقات الطوارئ.5 وفي هذا الصدد، ينبغي للدول الأطراف أن تأخذ في الاعتبار على النحو الواجب التطورات الحادثة في إطار القانون الدولي فيما يتعلق بمعايير حقوق الإنسان الواجبة التطبيق في حالات الطوارئ.6
11- وتتعلق قائمة الأحكام التي يجوز تقييدها والمدرجة في المادة 4 بمسألة ما إذا كان لبعض التزامات حقوق الإنسان طابع القواعد الآمرة في القانون الدولي ولكنها ليست مماثلة لها. ويتعين النظر إلى الإعلان عن بعض أحكام العهد الواردة في الفقرة 2 من المادة 4 على أنه جزئياً بمثابة إقرار بالطابع الآمر لبعض الحقوق الأساسية المكفولة في شكل تعاهدي في العهد (مثال ذلك، المادتان 6 و7). غير أن من الواضح أن بعض أحكام العهد الأخرى قد أُدرجت في قائمة الأحكام التي لا يجوز تقييدها لأن عدم التقيد بهذه الحقوق في حالة الطوارئ لا يمكن أن يكون ضرورياً على الإطلاق (مثال ذلك، المادتان 11 و18). وإضافة إلى ذلك، فإن نطاق فئة القواعد الآمرة يذهب إلى أبعد من قائمة الأحكام التي لا يجوز تقييدها والواردة في الفقرة 2 من المادة 4. إذ لا يجوز للدول الأطراف أن تلجأ تحت أي ظرف إلى المادة 4 من العهد لتبرير تصرف ينتهك القانون الإنساني أو القواعد الآمرة للقانون الدولي، مثل اختطاف الرهائن أو فرض عقوبات جماعية أو الحرمان التعسفي من الحرية أو الخروج عن المبادئ الأساسية للمحاكمة العادلة، بما في ذلك افتراض البراءة.
12- وعند تقييم النطاق المشروع لعدم التقيد بالعهد، يمكن العثور على معيار واحد في تعريف بعض انتهاكات حقوق الإنسان على أنها جرائم ضد الإنسانية. وإذا كان الفعل المرتكب تحت سلطة الدولة يشكل أساساً للمسؤولية الجنائية الفردية عن جريمة ضد الإنسانية ارتكبها أشخاص تورطوا في هذا الفعل، فلا يمكن عندئذ استخدام المادة 4 من العهد كتبرير لأن تعفي حالة الطوارئ الدولة المعنية من مسؤوليتها المتصلة بالتصرف ذاته. وعليه، فإن ما حدث مؤخراً من تدوين للجرائم المرتكبة ضد الإنسانية في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، لأغراض تتعلق بالولاية، له أهميته في تفسير المادة 4 من العهد.7
13- ويوجد في أحكام العهد غير المدرجة في الفقرة 2 من المادة 4 عناصر تعتقد اللجنة أنه لا يمكن إخضاعها لعدم التقيد المشروع بموجب المادة 4. وتُعرض أدناه بعض الأمثلة التوضيحية بهذا الشأن:
(أ) يُعامل جميع المحرومين من حريتهم معاملة إنسانية مع احترام الكرامة الأصيلة للشخص الإنساني. وعلى الرغم من أن هذا الحق، الذي تنص عليه المادة 10 من العهد، هو حق لم يُذكر على حدة في قائمة الحقوق التي لا يجوز تقييدها والمذكورة في الفقرة 2 من المادة 4، فإن اللجنة تعتقد أن العهد يعبر هنا عن قاعدة من قواعد القانون الدولي العام التي لا تخضع لعدم التقيد. والإشارة إلى الكرامة الأصيلة للشخص الإنساني في ديباجة العهد والصلة الوثيقة بين المادتين 7 و10 تؤيدان ذلك.
(ب) ولا تخضع الأحكام التي تحظر أخذ الرهائن أو أعمال الاختطاف أو الاحتجاز في أماكن لا يُعلن عنها لعدم التقيد. والطبيعة المطلقة لهذا الحظر، حتى في أوقات الطوارئ، تبررها وضعية هذه القواعد باعتبارها من قواعد القانون الدولي العام.
(ج) ومن رأي اللجنة أن الحماية الدولية لحقوق الأشخاص المنتمين إلى الأقليات تشمل عناصر يجب احترامها في جميع الظروف. وينعكس ذلك في تحريم الإبادة الجماعية في القانون الدولي، وفي إدراج شرط عدم التمييز في المادة 4 ذاتها (الفقرة 1)، وكذلك في طابع المادة 18 الذي لا يجوز عدم التقيد به.
(د) ووفقاً لما أكده نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فإن الإبعاد أو الترحيل القسري للسكان من المنطقة التي يتواجدون فيها شرعاً، والذي يتخذ شكل التشريد القسري بالطرد أو باتباع أساليب قسرية أخرى، دون الاستناد في ذلك إلى أُسس يجيزها القانون الدولي، هو أمر يشكل جريمة ضد الإنسانية.8 ولا يمكن أبداً القبول بالحق المشروع بعدم التقيد بالمادة 12 من العهد، أثناء حالة الطوارئ، كمبرر لهذه التدابير.
(ه‍ـ) كما أن إعلان حالة الطوارئ عملاً بالفقرة 1 من المادة 4 لا يجوز الاحتجاج به لتبرير قيام الدولة الطرف، بما يتنافى مع المادة 20، بالدعاية للحرب أو بالدعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية التي تشكل تحريضاً على التمييز أو العداوة أو العنف.
14- وإن الفقرة 3 من المادة 2 من العهد تقتضي من الدولة الطرف في العهد أن توفر سبل الانتصاف من أي انتهاك لأحكام العهد. ولا يرد هذا الشرط في قائمة الأحكام غير الجائز تقييدها التي تنص عليها الفقرة 2 من المادة 4، ولكنه يشكل التزاماً تعاهدياً يرد في صلب العهد برمته. بل وحتى إذا جاز للدولة الطرف أن تقوم، أثناء حالة طوارئ ما، بإدخال تعديلات على الأداء العملي لإجراءاتها المنظمة لسُبل الانتصاف القضائية أو سبل الانتصاف الأخرى، وأن تتخذ هذه التدابير في أضيق الحدود التي تتطلبها مقتضيات الوضع، فإنه يتعين عليها أن تمتثل بمقتضى الفقرة 3 من المادة 2 من العهد للالتزام الأساسي بتوفير سبيل انتصاف فعال.
15- ومن الخصائص المتأصلة في حماية الحقوق المعترف صراحة في الفقرة 2 من المادة 4 بأنها حقوق لا يجوز تقييدها، أنه يجب كفالتها بضمانات إجرائية كثيراً ما تشمل ضمانات قضائية. وقد لا تخضع أبداً أحكام العهد المتصلة بالضمانات الإجرائية لتدابير من شأنها أن تقوض حماية الحقوق غير الجائز تقييدها. وقد لا يُلجأ إلى المادة 4 بطريقة يمكن أن تؤدي إلى عدم التقيد بالحقوق التي لا يجوز تقييدها. وبالتالي، فإن المادة 6 من العهد، على سبيل المثال، هي برمتها مادة من غير الجائز تقييدها، وإن أية محاكمة تفضي إلى فرض عقوبة الإعدام أثناء فترة الطوارئ يجب أن تتفق مع أحكام العهد، بما في ذلك جميع متطلبات المادتين 14 و15.
16- وتقوم الضمانات المتصلة بعدم التقيد، كما هي مجسدة في المادة 4 في العهد، على أساس مبدأي المشروعية وسيادة القانون المتأصلين في العهد بأكمله. وبما أن بعض عناصر الحق في محاكمة عادلة هي عناصر يكفلها صراحة القانون الإنساني الدولي أثناء النزاع المسلح، لا ترى اللجنة مبرراً لعدم التقيد بهذه الضمانات في حالات الطوارئ الأخرى. وترى اللجنة أن مبدأي المشروعية وسيادة القانون يستتبعان احترام المتطلبات الأساسية للمحاكمة العادلة أثناء حالة الطوارئ. ولا يجوز إلا لمحكمة قانونية أن تُحاكم وتُدين أي فرد لارتكابه جريمة جنائية. ويجب احترام افتراض البراءة. ولحماية الحقوق غير الجائز تقييدها، فإن الحق في عرض الدعوى أمام المحكمة لتبت دون إبطاء في مشروعية الاحتجاز يجب عدم الانتقاص منه بقرار الدولة الطرف عدم التقيد بالعهد.9
17- أما في الفقرة 3 من المادة 4، فعندما تلجأ الدول الأطراف إلى استخدام سلطة عدم التقيد بموجب المادة 4 فإنها تلزم نفسها بنظام للإخطار الدولي. فالدولة الطرف التي تستخدم الحق في عدم التقيد يجب أن تُعلم الدول الأطراف الأخرى فوراً، عن طريق الأمين العام للأمم المتحدة، بالأحكام التي لا تتقيد بها وبالأسباب التي دفعتها إلى اتخاذ هذه التدابير. وهذا الإخطار أساسي لا لتأدية مهام اللجنة فحسب، ولا سيما في تقييم ما إذا كانت الدولة الطرف قد اتخذت التدابير في أضيق الحدود التي تتطلبها مقتضيات الوضع، ولكن لتمكّن أيضاً الدول الأطراف الأخرى من رصد الامتثال لأحكام العهد. ونظراً للطابع الموجز لإخطارات كثيرة وردت في الماضي، تؤكد اللجنة على أنه ينبغي أن يتضمن الإخطار المقدم من الدول الأطراف معلومات كاملة بشأن التدابير المتخذة وتفسيراً واضحاًً للأسباب التي دفعتها إلى ذلك، مشفوعة بوثائق كاملة تتعلق بقوانينها. ويكون مطلوباً من الدولة الطرف تقديم إخطارات إضافية إذا اتخذت فيما بعد تدابير أخرى بموجب المادة 4، كأن تُمدد مثلاً فترة حالة الطوارئ. وينطبق بالمثل اشتراط الإخطار الفوري فيما يتصل بإنهاء حالة عدم التقيد. غير أن هذه الالتزامات لم تُحترم دائماً: فلم تخطر الدول الأطراف غيرها من الدول الأطراف، عن طريق الأمين العام، بإعلانها حالة من حالات الطوارئ وبالتدابير الناجمة عنها والمتمثلة في عدم التقيد بحكم أو أكثر من أحكام العهد؛ وقد أهملت في بعض الأحيان الدول الأطراف مسألة تقديم إخطار بتغييرات إقليمية أو بتغييرات أخرى أثناء ممارستها لسلطات الطوارئ.10 وقد نما في بعض الأحيان إلى علم اللجنة بطريقة عرضية وأثناء نظرها في تقرير الدولة الطرف وجود حالة طوارئ ومسألة ما إذا كانت الدولة الطرف لم تتقيد بأحكام العهد. وتؤكد اللجنة على الالتزام بالإخطار الدولي الفوري كلما اتخذت الدولة الطرف تدابير بمقتضاها لا تتقيد بالتزاماتها بموجب العهد. وإن واجب اللجنة بشأن رصد قوانين وممارسات الدولة الطرف لتقرير مدى امتثالها للمادة 4 لا يتوقف على ما إذا كانت الدولة الطرف قدمت إخطاراً أم لا.
_______________________
- وثيقة الأمم المتحدة HRI/GEN/1/Rev.8، وقد اعتمد هذا التعليق في جلسة اللجنة رقم 1950 المعقودة في 24 تموز/يوليه 2001.
1- انظر التعليقات/الملاحظات الختاميـة التاليـة: جمهورية تنزانيا المتحدة (1992)، CCPR/C/79/Add.12؛ الفقرة 7؛ والجمهورية الدومينيكية (1993)، CCPR/C/79/Add.18؛ الفقرة 4؛ والمملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وآيرلندا الشمالية (1995)، CCPR/C/79/Add.55، الفقـرة 23؛ وبيرو (1996)، CCPR/C/79/Add.67؛ الفقـرة 11؛ وبوليفيا (1997)، CCPR/C/79/Add.74، الفقرة 14؛ وكولومبيا (1997) CCPR/C/79/Add.76، الفقرة 25؛ ولبنـان (1997) CCPR/C/79/Add.78، الفقرة 10؛ وأوروغـواي (1998) CCPR/C/79/Add.90، الفقـرة 8؛ وإسرائيــل (1998)، CCPR/C/79/Add.93، الفقرة 11.
2- انظر على سبيل المثال المادتين 12 و19 من العهد.
3- انظر على سبيل المثال الملاحظات الختامية المتعلقة بإسرائيل (1998)، CCPR/C/79/Add.93، الفقرة 11.
4- انظر التعليقات/الملاحظات الختامية التالية: الجمهورية الدومينيكية (1993)، CCPR/C/79/Add.18، الفقرة 4؛ الأردن (1994)، CCPR/C/79/Add.35، الفقرة 6؛ نيبال (1994)، CCPR/.C/79/Add.42، الفقرة 9؛ الاتحاد الروسي (1995)، CCPR/C/79/Add.54، الفقرة 27؛ زامبيا (1996)، CCPR/C/79/Add.62، الفقرة 11؛ غابون (1996)، CCPR/C/79/Add.71، الفقرة 10؛ كولومبيا (1997)، CCPR/C/79/Add.76، الفقرة 25؛ إسرائيل (1998)، CCPR/C/79/Add.93، الفقرة 11؛ العراق، (1997) CCPR/C/79/Add.84، الفقرة 9؛ أوروغواي (1998)، CCPR/C/79/Add.90، الفقرة 8؛ أرمينيا (1998)، CCPR/C/79/Add.100، الفقرة 7؛ منغوليا (2000)، CCPR/C/79/Add.120، الفقرة 14؛ قيرغيزستان (2000) CCPR/CO/69/KGZ، الفقرة 12.
5- يُشار هنا إلى اتفاقية حقوق الطفل التي صدقت عليها الدول الأطراف في العهد جميعها تقريباً ولا تتضمن نصاً بشأن عدم التقيد. وهذه الاتفاقية واجبة التطبيق في حالات الطوارئ، كما هو مبين بوضوح في المادة 38 من الاتفاقية. 6- يُشار هنا إلى تقارير الأمين العام المقدمة إلى لجنة حقوق الإنسان، عملاً بقراراتهـا 1998/29 و1999/65 و2000/69، المتعلقة بالمعايير الإنسانية الدنيا (التي سُميت فيما بعد: المعايير الإنسانية الأساسية)، E/CN.4/1999/92 وE/CN.4/2000/94 وE/CN.4/2001/91، وإلى جهود بُذلت في السابق لتحديد الحقوق الأساسية الواجبة التطبيق في جميع الظروف، ومثال ذلك معايير باريس الدنيا لقواعد حقوق الإنسان في حالات الطوارئ (رابطة القانون الدول، 1984)، ومبادئ سيراكيوزا المتعلقة بالأحكام الواردة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والتي تجيز فرض حدود أو قيود، والتقرير النهائي المقدم مـن السيد لياندرو ديسبوي، المقرر الخاص للجنة الفرعية بشأن مسألة حماية حقوق الإنسان وحالات الطوارئ (E/CN.4/Sub.2/1997/19 و(Add.1 والمبادئ التوجيهية المتعلقة بالتشرد الداخلي (E/CN.4/1998/53/Add.2)، وإعلان توركو (آبو) للمعايير الإنسانية الدنيا (1990) (E/CN.4/1995/116). ويشار أيضاً إلى قرار المؤتمر الدولي السادس والعشرين للصليب الأحمر والهلال الأحمر (1995) بتكليف لجنة الصليب الأحمر الدولية، كميدان للعمل المتواصل، بمهمة إعداد تقرير عن القواعد العرفية للقانون الإنساني الدولي الواجبة التطبيق أثناء المنازعات المسلحة الدولية وغير الدولية.
7- انظر المادة 6 (الإبادة الجماعية) والمادة 7 (الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية) من النظام الأساسي الذي صدقت عليه 35 دولة حتى 1 تموز/يوليه 2001، ورغم أن أشكالا كثيرة محددة من التصرف المدرجة في المادة 7 من النظام الأساسي ترتبط ارتباطا مباشراً بانتهاكات لحقوق الإنسان المدرجة، كأحكام لا يجوز تقييدها، في الفقرة 2 من المادة 4 من العهد، فإن فئة الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية كما عُرِّفت في هذا الحكم تشمل كذلك انتهاكات لبعض أحكام العهد التي لم تُذكر في الحكم المذكور من العهد. ومثال ذلك بعض الانتهاكات الخطيرة للمادة 27 التي يمكن أن تشكل في الوقت ذاته جريمة إبادة جماعية بموجب المادة 6 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية؛ كما أن المادة 7 من هذا النظام بدورها تشمل ممارسات تتصل كذلك بالمواد 9 و12 و26 و27 بالإضافة إلى اتصالها بالمواد 6 و7 و8 من العهد.
8- انظر المادة 7 (1) (د) والمادة 7 (2) (د) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
9- انظر الملاحظات الختامية للجنة المتعلقة بإسرائيل (1998) (CCPR/C/79/Add.93)، الفقرة 21: "ترى اللجنة أن التطبيق الحالي للحبس الإداري يتنافى مع المادتين 7 و16 من العهد، وهما مادتان لا يبيح العهد عدم التقيد بالالتزامات المترتبة عليهما في أوقات الطوارئ العامة... غير أن اللجنة تشدد على أنه لا يجوز لأي دولة طرف أن تحيد عن القاعدة التي تستلزم وجود المراجعة القضائية الفعالة لحالات الحبس". وانظر كذلك توصية اللجنة الفرعية لمنع التمييز وحماية الأقليات بشأن إعداد مشروع بروتوكول اختياري ثالث للعهد: "تشعر اللجنة بالارتياح إذ إن الدول الأطراف تفهم عادة أن الحق في المثول أمام المحكمة وفي إنفاذ الحقوق الدستورية ينبغي عدم تقييده أثناء حالات الطوارئ. ومن رأي اللجنة أيضاً أن سبل الانتصاف المنصوص عليها في الفقرتين 3 و4 من المادة 9، التي ينبغي قراءتها مقترنة بالمادة 2، تدخل في صميم العهد ككل". الوثائق الرسمية للجمعية العامة، الدورة التاسعة والأربعون، الملحق رقم 40 (A/49/40)، المجلد الأول، المرفق الحادي عشر، الفقرة 2.
10- انظر التعليقات/الملاحظات الختامية المتعلقة ببيرو (1992) CCPR/C/97/Add.8، الفقرة 10؛ آيرلندا (1993) CCPR/C/79/Add.21، الفقرة 11؛ مصر (1993) CCPR/C/79/Add.23، الفقرة 7؛ الكاميرون (1994) CCPR/C/79/Add.33، الفقرة 7؛ الاتحاد الروسي (1995) CCPR/C/79/Add.54، الفقرة 27؛ زامبيا (1996) CCPR/C/79/Add.62، الفقرة 11؛ لبنان (1997) CCPR/C/79/Add.78، الفقرة 10؛ الهند (1997) CCPR/C/79/Add.81، الفقرة 19؛ المكسيك (1999) CCPR/C/79/Add.109، الفقرة 12.

العودة للصفحة الرئيسية