اللجنة المعنية بالحقوق المدنية والسياسية
الدورة الثانية والخمسون (1994)

التعليق العام رقم 24
المسائل المتعلقة بالتحفظات التي تُبدى لدى التصديق على العهد أو البروتوكولين الاختياريين الملحقين بـه أو الانضمام إليها أو فيما يتعلق بالإعلانات التي تصدر في إطار المادة 41 من العهد

1- في 1 تشرين الثاني/نوفمبر 1994، كانت 46 دولة من الدول الأطراف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وعددها 127 دولة قد أدرجت، فيما بينها 150 تحفظا يتفاوت مغزاها فيما يتعلق بقبولها للالتزامات المنصوص عليها في العهد. ويستبعد بعض هذه التحفظات واجب توفير وضمان حقوق معينة محددة في العهد. وقد صيغ بعضها الآخر بعبارات أعم موجهة في أحيان كثيرة نحو ضمان استمرار سيادة أحكام معينة في القانون الداخلي. وثمة تحفظات أخرى أيضا تتصل باختصاص اللجنة. على أن عدد التحفظات ومضمونها ونطاقها قد تفضي إلى إضعاف تنفيذ العهد تنفيذاً فعالاً، وهي تنزع إلى الانتقاص من احترام التزامات الدول الأطراف. ومن المهم أن تعرف الدول الأطراف على وجه التحديد ما هي في الواقع الالتزامات التي تعهدت بها هي وسائر الدول الأطراف. ويجب على اللجنة، في أداء الواجبات الملقاة على عاتقها إما بموجب المادة 40 من العهد أو بمقتضى البروتوكولين الاختياريين، أن تعرف ما إذا كانت دولة من الدول ملزمة بالتزام معين أو إلى أي حد. وهذا يتطلب تحديد ما إذا كان الإعلان الذي يصدر من جانب واحد يشكل تحفظا أو إعلانا تفسيريا وتحديد مدى قبوله وما يترتب عليه من آثار.
2- ولهذه الأسباب رأت اللجنة انه من المفيد أن تتناول في تعليق عام القضايا الناشئة في مجال القانون الدولي والسياسة العامة بشأن حقوق الإنسان. ويحدد التعليق العام مبادئ القانون الدولي التي تنطبق على إدراج التحفظات والتي يتم بالرجوع إليها تحديد مدى مقبولية هذه التحفظات وتفسير المقصود بها ويتناول التعليق العام دور الدول الأطراف فيما يتعلق بتحفظات الدول الأخرى. كما يتناول دور اللجنة نفسها فيما يتصل بالتحفظات. ويتضمن بعض التوصيات إلى الدول الأطراف الحالية من أجل إجراء مراجعة للتحفظات وإلى الدول التي لم تصبح بعد أطرافا بشأن الاعتبارات القانونية واعتبارات السياسة العامة المتعلقة بحقوق الإنسان التي يجب ألا تغيب عن بالها إذا ما نظرت في التصديق أو الانضمام مع إبداء تحفظات معينة.
3- وليس من السهل دائماً تمييز التحفظ عن الإعلان فيما يتعلق بفهم الدولة لتفسير حكم من الأحكام أو عن بيان يحدد السياسة العامة. إذ إن الاعتبار يجب أن يولى إلى ما تقصده الدولة لا إلى الشكل الذي تتخذه الوثيقة. فإذا كان القصد من البيان، بصرف النظر عن تسميته أو عنوانه، هو استبعاد أو تعديل الأثر القانوني لمعاهدة ما في انطباقها على الدولة، فإنه يشكل تحفظا1. وعلى النقيض من ذلك، إذا كان ما يسمى تحفظا يقتصر على عرض تفسير الدولة لحكم معين ولكنه لا يستبعد أو يعدل ذلك الحكم في انطباقه على تلك الدولة، فإنه لا يشكل تحفظا في الواقع.
4- وإن إمكانية إبداء التحفظات قد تشجع الدول التي ترى أنها تواجه صعوبات في ضمان جميع الحقوق الواردة في العهد على أن تقبل مع ذلك الالتزامات الواردة فيه بمجملها. وقد تؤدي التحفظات وظيفة مفيدة لتمكين الدول من تكييف عناصر معينة في قوانينها مع الحقوق الأصيلة لكل شخص حسبما هي محددة في العهد. إلا انه من المستحسن، من حيث المبدأ، أن تقبل الدول مجموعة الالتزامات كاملة، لأن معايير حقوق الإنسان هي التعبير القانوني عن الحقوق الأساسية التي يحق لكل فرد التمتع بها بوصفه كائناً بشرياً.
5- والعهد لا يحظر إبداء التحفظات كما انه لا يذكر أي نوع من التحفظات المسموح بها. وهذا ينطبق أيضاً على البروتوكول الاختياري الأول. أما البروتوكول الاختياري الثاني فينص في الفقرة 1 من المادة 2 على انه "لا يسمح بأي تحفظ على هذا البروتوكول إلا بالنسبة لتحفظ يكون قد أعلن عند التصديق عليه أو الانضمام إليه وينص على تطبيق عقوبة الإعدام في وقت الحرب طبقاً لإدانة في جريمة بالغة الخطورة تكون ذات طبيعة عسكرية وترتكب في وقت الحرب" وتنص الفقرتان 2 و3 من هذه المادة على بعض الالتزامات الإجرائية.
6- غير أن عدم وجود حظر على إبداء التحفظات لا يعني جواز قبول أي تحفظ. فمسألة التحفظات في إطار العهد والبروتوكول الاختياري الأول مسألة يحكمها القانون الدولي. وتوفر المادة 19(3) من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات إرشادات ذات صلة بهذا الموضوع2. فهي تقضي بأن للدول أن تضع تحفظا إذا كانت المعاهدة لا تحظر التحفظات أو إذا كان التحفظ يندرج في فئة التحفظات المحددة المسموح بها وذلك بشرط ألا يكون هذا التحفظ متعارضا مع موضوع المعاهدة وهدفها. ومع أن العهد، بخلاف بعض المعاهدات الأخرى المتعلقة بحقوق الإنسان، لا يتضمن إشارة محددة إلى معيار الموضوع والهدف، فإن هذا المعيار يحكم مسألة تفسير التحفظات ومدى مقبوليتها.
7- وفي صك يحدد فيه عدد كبير جداً من الحقوق المدنية والسياسية، يكون في كل مادة من المواد العديدة، بل وفي التفاعل بين هذه المواد، ما يؤمن أهداف العهد. إذ إن موضوع العهد وهدفه يتمثلان في إرساء معايير ملزمة قانونا فيما يتعلق بحقوق الإنسان من خلال تعريف حقوق مدنية وسياسية معينة وإدراجها في إطار من الالتزامات التي تكون ملزمة من الناحية القانونية بالنسبة لتلك الدول التي تصدق عليها، وتوفير آلية فعالة للإشراف على الامتثـال للالتزامـات المتعهد بها.
8- أما التحفظات التي تخل بالقواعد القطعية فلا تتفق مع موضوع العهد وهدفه. وعلى الرغم من أن المعاهدات التي تشكل مجرد تبادلات للالتزامات بين الدول تسمح لها بأن تتحفظ فيما بينها على تطبيق قواعد القانون الدولي العام، فإن الأمر يختلف عن ذلك في معاهدات حقوق الإنسان التي هي لصالح الأشخاص الذين يدخلون في نطاق ولايتها. وبالتالي فإن الأحكام الواردة في العهد والتي هي من قواعد القانون الدولي العرفي (ولا سيما عندما يكون لها طابع القواعد القطعية) لا يجوز أن تكون موضوعا للتحفظات. وبناء على ذلك، لا يجوز لدولة أن تحتفظ بحق في ممارسة الرق أو التعذيب أو إخضاع الأشخاص لمعاملة أو عقوبة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة أو حرمانهم من الحياة تعسفاً أو اعتقالهم واحتجازهم بشكل تعسفي أو حرمانهم من حرية الفكر والوجدان والدين، أو افتراض أن الشخص مذنب ما لم يثبت براءته، أو إعدام النساء الحوامل أو الأطفال، أو السماح بالدعوة إلى الكراهية لاعتبارات قومية أو عنصرية أو دينية، أو إنكار حق الأشخاص الذين بلغوا سن الزواج في أن يتزوجوا، أو إنكار حق الأقليات في التمتع بثقافتها الخاصة بها أو ممارسة شعائر دينها أو استخدام لغتها. وفي حين أن إبداء التحفظات على أحكام معينة من المادة 14 قد يكون مقبولاً، فلا يجوز إبداء أي تحفظ عام على الحق في محاكمة عادلة.
9- وبتطبيق معيار الموضوع والهدف تطبيقا أعم على العهد، تلاحظ اللجنة مثلاً أن التحفظ على المادة 1 الذي ينكر على الشعوب الحق في تقرير وضعها السياسي وفي السعي إلى تحقيق تنميتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية إنما يتعارض مع موضوع وهدف العهد. وبالمثل فإن التحفظ على الالتزام باحترام وكفالة الحقوق، وعلى أساس غير تمييزي (المادة 2(1)) يعتبر غير مقبول. كما انه لا يجوز لدولة أن تحتفظ بحق عدم اتخاذ التدابير اللازمة على المستوى الداخلي لإعمال الحقوق المنصوص عليها في العهد (المادة 2(2)).
10- وبحثت اللجنة كذلك مسألة ما إذا كانت فئات من التحفظات تخل بمعيار "الموضوع والهدف". ويتعين النظر بصفة خاصة فيما إذا كانت التحفظات على أحكام العهد التي لا يجوز تقييدها تتمشى مع موضوع العهد وهدفه. وفي حين انه ليس هناك أي تدرج في أهمية الحقوق في إطار العهد، فإنه لا يجوز تعليق إعمال بعض الحقوق حتى في أوقات الطوارئ الوطنية. وهذا يبرز الأهمية العظيمة التي تتسم بها الحقوق التي لا يجوز تقييدها. ولكن الحقوق ذات الأهمية الأساسية، مثل تلك المحددة في المادتين 9 و27 من العهد، لم تجعل جميعها في الواقع حقوقاً لا يجوز تقييدها. ومن الأسباب التي تجعل حقوقاً معينة غير قابلة للتقييد هو أن تعليق إعمالها يكون غير ذي صلة بالمراقبة المشروعة لحالة الطوارئ الوطنية (ومن ذلك مثلاً عدم جواز السجن بسبب العجز عن الوفاء بدين المنصوص عليه في المادة 11). وثمة سبب آخر هو أن التقييد قد يكون في الواقع مستحيلاً (كما في حالة حرية الوجدان). وفي الوقت نفسه، لا يجوز تقييد بعض الأحكام وذلك لسبب محدد هو أنه بدونها لا تكون هناك سيادة للقانون. فالتحفظ على أحكام المادة 4 التي تنص تحديداً على التوازن الذي يجب إقامته بين مصالح الدولة وحقوق الأفراد في أوقات الطوارئ يندرج في هذه الفئة. ويتسم بهذا الطابع أيضا بعض الحقوق غير القابلة للتقييد والتي لا يمكن بأي حال من الأحوال التحفظ عليها لأنها من القواعد القطعية - ومن الأمثلة على ذلك حظر التعذيب والحرمان من الحياة تعسفياً3. وفي حين انه ليس هناك ترابط تلقائي بين التحفظات على أحكام لا يجوز تقييدها والتحفظات التي تتنافى مع موضوع العهد وهدفه، فإنه يقع على عاتق الدولة عبء ثقيل لتبرير مثل هذه التحفظات.
11- والعهد لا يتألف من الحقوق المحددة فيه فحسب بل إنه يشمل أيضا ضمانات داعمة هامة. وتوفر هذه الضمانات الإطار اللازم لتأمين الحقوق المنصوص عليها في العهد وبالتالي فإنها تتسم بأهمية أساسية بالنسبة لموضوع العهد وهدفه. وينطبق بعض هذه الضمانات على المستوى الوطني وبعضها الآخر على المستوى الدولي. ولذلك فإن التحفظات التي يراد بها إزالة هذه الضمانات لا تكون مقبولة. وهكذا فإنه لا يمكن لأية دولة أن تضع تحفظا على الفقرة 3 من المادة 2 تذكر فيه أنها لا تعتزم توفير أي سبل انتصاف من انتهاكات حقوق الإنسان. فمثل هذه الضمانات تشكل جزءا لا يتجزأ من بنية العهد وتدعم فعاليته. كما أن العهد يتوخى، من أجل تعزيز بلوغ أهدافه المحددة، أن يسند إلى اللجنة دور الرصد. والتحفظات التي ترمي إلى تجنب هذا العنصر الأساسي في تصميم العهد، وهو عنصر موجه أيضاً نحو تأمين التمتع بالحقوق، إنما تتنافى أيضا مع موضوع العهد وهدفه. فلا يجوز لدولة أن تحتفظ بحق عدم تقديم تقرير تبحثه اللجنة. إذ إن دور اللجنة في إطار العهد، سواء بمقتضى المادة 40 أو بمقتضى البروتوكولين الاختياريين، يستتبع بالضرورة تفسير نصوص العهد وإرساء أحكام يستند إليها. وبالتالي فإن أي تحفظ يرفض اختصاص اللجنة في تفسير مقتضيات أي أحكام في العهد يكون أيضاً منافياً لموضوع هذه المعاهدة وهدفها.
12- إن المقصود بالعهد هو أن الحقوق الواردة فيه ينبغي أن تكون مكفولة لجميع الأشخاص الخاضعين لولاية دولة طرف. ولهذه الغاية، قد يكون من الضروري تلبية بعض المتطلبات القائمة. فقد يستلزم الأمر تعديل القوانين الوطنية على النحو المناسب لكي تراعي متطلبات العهد، وإنشاء آليات على المستوى المحلي من أجل إتاحة إمكانية إنفاذ الحقوق المنصوص عليها في العهد على هذا المستوى. وكثيراً ما تكشف التحفظات عن نزوع الدول إلى العزوف عن تغيير قانون معين. وفي بعض الأحيان يصل هذا الاتجاه إلى مستوى السياسة العامة. ومما يثير القلق بصفة خاصة التحفظات ذات الصيغة الواسعة التي تؤدي أساساً إلى إبطال مفعول جميع الحقوق المنصوص عليها في العهد والتي تتطلب إحداث أي تغيير في القانون الوطني من أجل ضمان الامتثال للالتزامات المحددة بموجب العهد. وبذلك لا تقبل أية حقوق أو التزامات دولية حقيقية. وعندما لا يكون هناك وجود لأحكام تضمن المطالبة بإعمال الحقوق المنصوص عليها في العهد أمام المحاكم المحلية، وعندما لا تكون هناك كذلك إمكانية متاحة لتقديم الشكاوى الفردية إلى اللجنة في إطار البروتوكول الاختياري الأول، تكون جميع العناصر الأساسية للضمانات المنصوص عليها في العهد قد أزيلت.
13- وتنشأ هنا مسألة ما إذا كانت التحفظات جائزة في إطار البروتوكول الاختياري الأول، وإذا كان الأمر كذلك، ما إذا كان أي تحفظ من هذا القبيل يتنافى مع موضوع وهدف العهد أو مع موضوع وهدف البروتوكول الاختياري الأول ذاته. ومن الواضح أن البروتوكول الاختياري الأول يمثل بحد ذاته معاهدة دولية متميزة عن العهد ولكنها مرتبطة به ارتباطا وثيقا. ويتمثل موضوع هذا البروتوكول وهدفه في الاعتراف باختصاص اللجنة في أن تتلقى وتبحث البلاغات التي ترد من الأفراد الذين يزعمون أنهم ضحايا لانتهاك ارتكبته دولة من الدول الأطراف لأي حق من الحقوق المنصوص عليها في العهد والدول تقبل الحقوق الأساسية للأفراد على أساس العهد وليس على أساس البروتوكول الاختياري الأول. وتتمثل وظيفة هذا البروتوكول في تمكين اللجنة من اختيار صحة الادعاءات المتعلقة بتلك الحقوق. وبالتالي فإن أي تحفظ على التزام للدولة باحترام وضمان حق من الحقوق الواردة في العهد يدرج في إطار البروتوكول الاختياري الأول ولا يكون قد سبق إدراجه فيما يتعلق بنفس الحقوق في إطار العهد لا يؤثر على واجب تلك الدولة بالامتثال لالتزامها الأساسي. إذ لا يمكن إبداء تحفظ على العهد من خلال إدراجه في إطار البروتوكول الاختياري، ولكنه يمكن استخدام مثل هذا التحفظ لضمان عدم قيام اللجنة بفحص مدى امتثال الدولة لذلك الالتزام في إطار البروتوكول الاختياري الأول. وبالنظر إلى أن موضوع وهدف البروتوكول الاختياري الأول يتمثلان في إتاحة قيام اللجنة بفحص الحقوق الملزمة بالنسبة للدولة بمقتضى العهد، فإن أي تحفظ يراد به استبعاد اختصاص اللجنة في هذا الشأن يكون منافيا لموضوع وهدف البروتوكول الاختياري الأول حتى إذا لم يكن منافيا للعهد ذاته. إذ إن التحفظ الذي يدرج لأول مرة، في إطار البروتوكول الاختياري الأول، على التزام أساسي يوحي بأن ما تقصده الدولة المعنية بذلك هو منع اللجنة من إبداء آرائها فيما يتعلق بمادة معينة من مواد العهد في حالة فردية معينة.
14- وترى اللجنة أن التحفظات المتعلقة بالإجراءات المطلوبة في إطار البروتوكول الاختياري الأول لا تتفق مع موضوعه وهدفه. فاللجنة يجب أن تكون هي صاحبة الرأي في إجراءاتها الخاصة حسبما هو محدد في البروتوكول الاختياري وفي نظامها الداخلي. ومع ذلك فقد أبديت تحفظات تهدف إلى حصر اختصاص اللجنة في الأفعال والأحداث التي تقع بعد سريان البروتوكول الاختياري الأول بالنسبة للدولة. وفي رأي اللجنة أن هذا لا يشكل تحفظاً بل إنه يمثل في الغالب بيانا يتفق مع الاختصاص العادي للجنة من حيث النطاق الزمني. وفي الوقت نفسه، تصر اللجنة على اختصاصها حتى في مواجهة مثل هذه البيانات أو الملاحظات حينما تكون الأحداث أو الأفعال التي وقعت قبل تاريخ بدء نفاذ البروتوكول الاختياري الأول قد ظلت تؤثر على حقوق أحد الضحايا بعد ذلك التاريخ. وقد أدرجت تحفظات تؤدي من الناحية الفعلية إلى إضافة مبرر آخر لعدم جواز قيام اللجنة، بمقتضى الفقرة 2 من المادة 5، بالنظر في بلاغ ما حينما يكون نفس الموضوع قد سبق أن بحث في إطار إجراء مماثل آخر. وإذا كان الالتزام الأساسي يتمثل هنا في ضمان استعراض حقوق الإنسان المقررة للأفراد من قبل طرف ثالث مستقل، فإن اللجنة ترى أنه حيثما يكون الحق القانوني والموضوع متطابقين بموجب العهد وأي صك دولي آخر، لا يكون في هذا التحفظ إخلال بموضوع البروتوكول الاختياري الأول والهدف منه.
15- إن الهدف الأساسي للبروتوكول الاختياري الثاني هو توسيع نطاق الالتزامات الأساسية المتعهد بها في إطار العهد، من حيث صلتها بالحق في الحياة، من خلال حظر الإعدام وإلغاء عقوبة الإعدام4. ويتضمن هذا البروتوكول نصاً يتعلق بالتحفظات يحدد ما هو مسموح به. فالفقرة 1 من المادة 2 من البروتوكول تنص على قبول نوع واحد من التحفظات وهو أن تحتفظ الدولة بحق تطبيق عقوبة الإعدام في وقت الحرب طبقاً لإدانة في جريمة بالغة الخطورة تكون ذات طبيعة عسكرية وترتكب في وقت الحرب. وثمة التزامان إجرائيان يقعان على عاتق الدول الأطراف الراغبة في إبداء هذا التحفظ. فالفقرة 1 من المادة 2 تلزم مثل هذه الدولة بإبلاغ الأمين العام، عند التصديق على البروتوكول أو الانضمام إليه، بالأحكام ذات الصلة من تشريعاتها الوطنية التي تطبق في زمن الحرب. ومن الواضح أن الغرض من ذلك هو تحقيق هدفي التحديد والشفافية. وترى اللجنة أن التحفظ الذي لا يقترن بهذا الإبلاغ لا يكون له أثر قانوني. وتقتضي الفقرة 3 من المادة 2 أن تقوم الدولة الطرف التي تعلن مثل هذا التحفظ بإخطار الأمين العام ببداية أو نهاية أي حالة حرب تكون منطبقة على أراضيها. وترى اللجنة أنه لا يجوز للدولة السعي إلى الاستفادة من هذا التحفظ (أي اعتبار الإعدام مشروعا في زمن الحرب) ما لم تمتثل للالتزام الإجرائي المنصوص عليه في الفقرة 3 من المادة 2.
16- وترى اللجنة أن من المهم تحديد الهيئة التي لها السلطة القانونية للبت فيما إذا كانت تحفظات محددة متفقة مع موضوع العهد وهدفه. وفيما يتعلق بالمعاهدات الدولية بصورة عامة، أوضحت محكمة العدل الدولية في قضية التحفظات على اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية (1951) أن الدولة التي تعترض على تحفظ على أساس تعارضه مع موضوع وهدف المعاهدة، يمكنها من خلال هذا الاعتراض، أن تعتبر المعاهدة غير سارية بينها وبين الدولة المتحفظة. وتتضمن الفقرة 4 من المادة 20 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969 أحكام أكثر اتصالا بهذه الحالة فيما يتعلق بقبول التحفظات والاعتراض عليها. وهي تتيح للدولة إمكانية الاعتراض على تحفظ تبديه دولة أخرى. وتتناول المادة 21 الآثار القانونية لاعتراضات الدول على التحفظات التي تبديها دول أخرى. فالتحفظ أساسا يستبعد إعمال الأحكام المتحفظ عليها بين الدولة المتحفظة والدول الأخرى. ويؤدي الاعتراض على ذلك إلى عدم إعمال التحفظ بين الدولة المتحفظة والدولة المعترضة إلا في الحدود التي لم يشملها الاعتراض.
17- وكما هو مبين أعلاه، فإن اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات هي التي تقدم تعريفا للتحفظات وكذلك لتطبيق معيار الموضوع والهدف في حالة عدم وجود أية أحكام محددة أخرى. ولكن اللجنة تعتقد أن أحكام هذه الاتفاقية بشأن دور اعتراضات الدول فيما يتعلق بالتحفظات ليست مناسبة لمعالجة مشكلة التحفظات على معاهدات حقوق الإنسان. فهذه المعاهدات، ومنها العهد على وجه التحديد، لا تشكل مجموعة من عمليات تبادل الالتزامات فيما بين الدول، بل هي تعنى بتمتع الأفراد بحقوقهم. فمبدأ المعاملة بالمثل فيما بين الدول ليس له مكان هنا، لربما باستثناء السياق المحدود للتحفظات على الإعلانات بشأن اختصاص اللجنة بمقتضى المادة 41. وبالنظر إلى أن إعمال القواعد التقليدية بشأن التحفظات ليس ملائماً بالنسبة للعهد، فان الدول كثيرا ما لا تجد أية أهمية قانونية أو حاجة للاعتراض على التحفظات. ولا يمكن أن يستدل من عدم وجود احتجاج من قبل الدول أن التحفظ يتفق أو لا يتفق مع موضوع وهدف العهد. وقد كانت الاعتراضات المثارة عارضة، وقد أبديت من قبل بعض الدول دون غيرها وعلى أسس لا تكون محددة دائماً وعندما يتم إبداء اعتراض، فإنه كثيرا ما لا يحدد أي أثر قانوني بل إنه يوضح أحيانا أن الطرف المعترض لا يعتبر مع ذلك أن العهد غير سار بين الأطراف المعنية. وباختصار فإن هذا النمط غير واضح إلى حد يجعل من غير المأمون أن يفترض أن الدولة التي لم تعترض على تحفظ معين ترى أن هذا التحفظ مقبول. وفي رأي اللجنة أنه بالنظر إلى المميزات الخاصة للعهد بوصفه معاهدة من معاهدات حقوق الإنسان، فإن مسألة ما يترتب على الاعتراضات من آثار فيما بين الدول تظل موضع تساؤل. إلا أن الاعتراض على تحفظ ما من جانب الدول يمكن أن يوفر بعض الإرشادات للجنة في تفسيرها لمدى اتفاق التحفظ مع موضوع العهد والهدف منه.
18- ويقع على عاتق اللجنة بالضرورة أن تحدد ما إذا كان تحفظ معين يتفق مع موضوع وهدف العهد وهذا يرجع إلى أسباب منها أن هذه ليست، كما ذكر أعلاه، مهمة من المناسب أن تقوم بها الدول الأطراف فيما يتعلق بمعاهدات حقوق الإنسان، وهي من ناحية أخرى مهمة لا يمكن للجنة أن تتجنبها في أداء وظائفها. ولكي تعرف اللجنة نطاق واجبها في بحث مدى امتثال دولة ما بموجب المادة 40 أو النظر في بلاغ يقدم في إطار البروتوكول الاختياري الأول، فإن عليها بالضرورة أن تعتمد رأياً بشأن مدى اتفاق أو عدم اتفاق التحفظ مع موضوع وهدف العهد ومع القانون الدولي العام. وبالنظر إلى الطابع الخاص الذي تتسم به معاهدات حقوق الإنسان، فإن مدى توافق تحفظ ما مع موضوع وهدف العهد يجب أن يحدد بصورة موضوعية على أساس الرجوع إلى المبادئ القانونية، واللجنة مؤهلة بصفة خاصة لأداء هذه المهمة. وإن النتيجة التي تترتب عادة على عدم قبول التحفظ لا تتمثل في عدم سريان العهد إطلاقاً بالنسبة للطرف المتحفظ بل إن مثل هذا التحفظ يكون بصورة عامة قابلاً للفصل بمعنى أن العهد يكون نافذاً بالنسبة للطرف المتحفظ دون استفادته من التحفظ.
19- ويجب أن تكون التحفظات محددة وشفافة بحيث تكون اللجنة وكذلك الخاضعون لولاية الدولة المتحفظة والدول الأطراف الأخرى على علم بالالتزامات التي تم أو لم يتم عقدها فيما يتعلق بحقوق الإنسان. وبذلك لا يجوز أن تكون التحفظات عامة بل يجب أن تشير إلى حكم معين من أحكام العهد وأن تبين بعبارات محددة نطاق تحفظها. وعند النظر في مدى توافق التحفظات المحتملة مع موضوع وهدف العهد، ينبغي للدول أن تأخذ في الاعتبار أيضاً الأثر الإجمالي لمجموعة من التحفظات وكذلك تأثير كل تحفظ منها على سلامة العهد التي تظل تمثل اعتبارا أساسياً. ولا ينبغي للدول أن تبدي عدداً مفرطاً من التحفظات بحيث ينصب قبولها في الواقع على عدد محدود من التزامات حقوق الإنسان وليس على العهد في حد ذاته. ولكي لا تفضي التحفظات إلى حالة مستديمة لا تطبق فيها المعايير الدولية لحقوق الإنسان، فإنها ينبغي ألا تؤدي بصورة منتظمة إلى التقليل من الالتزامات المتعهد بها بحيث تقتصر على تلك القائمة حاليا في معايير القانون الداخلي الأقل تشددا. كما ينبغي ألا تسعى الإعلانات التفسيرية أو التحفظات إلى تجريد الالتزامات المحددة بموجب العهد من دلالاتها المستقلة بالإشارة إلى مطابقتها للأحكام القائمة في القانون المحلي أو إلى عدم قبولها إلا بقدر ما تكون مطابقة لهذه الأحكام. وينبغي للدول ألا تحاول، من خلال التحفظات أو الإعلانات التفسيرية، أن تقرر أن معنى نص من نصوص العهد مطابق لذلك المعنى الذي فسرته به أية هيئة أخرى منشأة بموجب معاهدة دولية.
20- وينبغي للدول أن تستحدث إجراءات لضمان اتفاق كل تحفظ مع موضوع العهد والهدف منه. ومن المرغوب فيه أن تقوم الدولة التي تبدي تحفظاً بالإشارة في عبارات محددة إلى التشريعات أو الممارسات المحلية التي تعتقد أنها غير متوافقة مع التزامات العهد المتحفظ عليها وبيان الفترة الزمنية التي تحتاج إليها لجعل قوانينها وممارساتها الخاصة متوافقة مع العهد أو الأسباب التي تجعلها غير قادرة على جعل قوانينها وممارساتها متوافقة مع العهد. وينبغي للدول أيضاً أن تكفل إعادة النظر في ضرورة الإبقاء على التحفظات بصورة دورية واضعة في اعتبارها أي ملاحظات وتوصيات تقدمها اللجنة أثناء النظر في تقاريرها. وينبغي سحب التحفظات في أقرب وقت ممكن. كما ينبغي أن تتضمن التقارير المقدمة إلى اللجنة معلومات عن الإجراءات المتخذة لمراجعة التحفظات أو إعادة النظر فيها أو سحبها.
_______________________
* وثيقة الأمم المتحدة A/50/40، المرفق الخامس.
1- المادة 2(1)(د) من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969.
2- على الرغم من أن اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات قد عُقدت في عام 1969 وبدأ سريانها في عام 1980- أي بعد سريان العهد - فإن أحكامها تعبر عن القانون الدولي العام في هذا الشأن حسبما سبق أن أكدته محكمة العدل الدولية في قضية التحفظات على اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1951.
3- أبديت تحفظات على المادتين 6 و7 ولكن ليس بعبارات تعني الاحتفاظ بالحق في التعذيب أو بالحرمان من الحياة تعسفا.
4- إن اختصاص اللجنة فيما يتعلق بهذا الالتزام الموسع منصوص عليه في المادة 5 التي هي نفسها موضوع شكل من أشكال التحفظ على أساس أن المنح التلقائي لهذا الاختصاص يمكن أن يتحفظ عليه من خلال بيان يفيد بعكس ذلك ويتم إصداره وقت التصديق على البروتوكول أو الانضمام إليه.

العودة للصفحة الرئيسية