اللجنة المعنية بالحقوق المدنية والسياسية
الدورة السابعة والثلاثون (1989)

التعليق العام رقم 18
عدم التمييز

1- يمثل عدم التمييز، مع المساواة أمام القانون والحماية المتساوية التي يكفلها القانون دون أي تمييز، مبدأ أساسيا وعاما يتعلق بحماية حقوق الإنسان. ومن ثم فإن الفقرة 1 من المادة 2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تلزم كل دولة طرف باحترام الحقوق المعترف بها في العهد وبضمان هذه الحقوق لجميع الأفراد الموجودين في إقليمها والخاضعين لولايتها دون أي تمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو غير السياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الثروة أو النسب أو غير ذلك من الأسباب. والمادة 26 لا تخول جميع الأفراد التمتع بالمساواة أمام القانون والتمتع بحماية القانون على قدم المساواة فحسب، وإنما تحظر أيضا أي نوع من أنواع التمييز بمقتضى القانون وتكفل لجميع الأفراد حماية واحدة وفعالة ضد التمييز القائم على أي أساس مثل العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو غير السياسي أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو النسب أو غير ذلك من الأسباب.
2- والواقع أن مبدأ عدم التمييز هو مبدأ أساسي إلى حد أن المادة 3 تلزم كل دولة طرف بضمان تساوي الرجل والمرأة في التمتع بالحقوق المبينة في العهد. وإن سمحت الفقرة 1 من المادة 4 للدول الأطراف بأن تتخذ تدابير لا تتقيد فيها ببعض التزاماتها بمقتضى العهد في أوقات الطوارئ العامة، فإن المادة ذاتها تقضي، في جملة أمور، بأنه لا يجوز أن تشمل هذه التدابير التمييز الذي يكون مبرره الوحيد هو العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الأصل الاجتماعي. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الفقرة 2 من المادة 20 تلزم الدول الأطراف بأن تحظر بالقانون أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضا على التمييز.
3- وبسبب الطابع الأساسي والعام لمبدأي عدم التمييز والمساواة أمام القانون والحماية المتساوية التي يكفلها القانون، فإنه يشار إليهما أحيانا صراحة في مواد تتعلق بفئات محددة من حقوق الإنسان. وتنص الفقرة 1 من المادة 14 على أن الناس جميعا سواء أمام القضاء، وتنص الفقرة 3 من المادة نفسها على أنه يحق لأي شخص، لدى تحديد أية تهمة جنائية ضده، أن يتمتع، على قدم المساواة التامة بالضمانات الدنيا المسرودة في الفقرات الفرعية (أ) إلى (ز) من الفقرة 3. وبالمثل، فإن المادة 25 تنص على تساوي جميع المواطنين في المشاركة في الحياة العامة دون أي نوع من أنواع التمييز المشار إليها في المادة 2.
4- وللدول الأطراف أن تبت في نوع التدابير التي تراها مناسبة لتنفيذ الأحكام ذات الصلة. بيد أن اللجنة ترغب في أن تبلغ بطبيعة هذه التدابير ومطابقتها لمبادئ عدم التمييز والمساواة أمام القانون والحماية المتساوية التي يكفلها القانون.
5- وتود اللجنة أن تسترعي انتباه الدول الأطراف إلى أن العهد قد يتطلب منها صراحة أن تتخذ تدابير تكفل للأشخاص المعنيين المساواة في الحقوق. وعلى سبيل المثال، فإن الفقرة 4 من المادة 23 تنص على أن تتخذ الدول الأطراف خطوات ملائمة تكفل المساواة في حقوق ومسؤوليات الزوجين لدى الزواج وخلاله وعند انحلاله. ويجوز أن تتخذ هذه الخطوات صورة تدابير تشريعية أو إدارية أو غيرهما، إلا أن من الواجبات المؤكدة على الدول الأطراف أن تتيقن من مساواة الزوجين في الحقوق كما يتطلب العهد ذلك. وفيما يتعلق بالأطفال، فإن المادة 24 تنص على أن للأطفال جميعا، دون أي تمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو النسب، الحق في أن توفر لهم أسرهم ومجتمعهم ودولتهم تدابير الحماية هذه طبقا لما يتطلبه وضعهم كقصّر.
6- وتلاحظ اللجنة أن العهد لا يُعَرِّف تعبير "التمييز" ولا يشير إلى الأفعال التي تشكل تمييزا. بيد أن المادة 1 من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، تنص على أن تعبير "التمييز العنصري" يعني أي تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفضيل يقوم على أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الإثني ويستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها، على قدم المساواة، في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو في أي ميدان آخر من ميادين الحياة العامة. وبالمثل، تنص المادة 1 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة على أن "التمييز ضد المرأة" يعني أي تفرقة أو استبعاد أو تقييد يتم على أساس الجنس ويكون من آثاره أو أغراضه توهين أو إحباط الاعتراف للمرأة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية أو في أي ميدان آخر، أو توهين أو إحباط تمتعها بهذه الحقوق أو ممارستها لها، وبصرف النظر عن حالتها الزوجية وعلى أساس المساواة بينها وبين الرجل.
7- وفي حين أن هاتين الاتفاقيتين تعالجان فقط حالات للتمييز لأسباب محددة، فإن اللجنة ترى أن تعبير "التمييز" المستخدم في العهد ينبغي أن يفهم على أنه يتضمن أي تفرقة أو استبعاد أو تقييد أو تفضيل يقوم على أساس أي سبب كالعرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو غير السياسي أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو النسب أو غير ذلك مما يستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف لجميع الأشخاص، على قدم المساواة، بجميع الحقوق والحريات أو التمتع بها أو ممارستها.
8- غير أن التمتع بالحقوق والحريات على قدم المساواة لا يعني المعاملة المماثلة في كل حالة من الحالات. وفي هذا الصدد، فإن أحكام العهد صريحة. وعلى سبيل المثال، تحظر الفقرة 5 من المادة 6 فرض حكم الإعدام على أشخاص تقل أعمارهم عن 18 عاما. وتحظر الفقرة ذاتها تنفيذ هذا الحكم على الحوامل. وبالمثل، فإن الفقرة 3 من المادة 10 تقضي بفصل المجرمين من الأحداث عن البالغين. وعلاوة على ذلك، تكفل المادة 25 بعض الحقوق السياسية، مع التمييز على أساس المواطنة.
9- ويتضمن العديد من تقارير الدول الأطراف معلومات عن التدابير التشريعية والتدابير الإدارية وقرارات المحاكم المتعلقة بالحماية من التمييز في القانون، ولكنها تفتقر في كثير من الأحيان إلى معلومات تكشف عن التمييز الواقع عمليا. واعتادت دول أطراف عند تقديم تقاريرها عن المواد 2(1) و3 و26 من العهد أن تستشهد بنصوص في دساتيرها أو بقوانينها الخاصة بتكافؤ الفرص فيما يتعلق بالمساواة بين الأشخاص. ومع أن هذه المعلومات مفيدة بالطبع، فإن اللجنة ترغب في معرفة ما إذا كانت هناك أي مشاكل تتعلق بتمييز يقع بالفعل تمارسه السلطات العامة أو المجتمع أو أفراد أو هيئات من القطاع الخاص، وتود اللجنة أن تطلع على الأحكام القانونية والتدابير الإدارية الرامية إلى تقليل هذا التمييز أو القضاء عليه.
10- وترغب اللجنة أيضا في الإشارة إلى أن مبدأ المساواة يتطلب أحيانا من الدول الأطراف أن تتخذ إجراءات إيجابية للتقليل من الظروف التي تتسبب أو تساعد في إدامة التمييز الذي يحظره العهد أو للقضاء على تلك الظروف. وعلى سبيل المثال، فإذا حدث في دولة ما أن كانت الظروف العامة لجزء معين من السكان تمنع أو تعوق تمتعهم بحقوق الإنسان فإنه ينبغي للدولة أن تتخذ إجراءات محددة لتصحيح هذه الظروف. ويجوز أن تنطوي هذه الإجراءات على منح الجزء المعني من السكان نوعا من المعاملة التفضيلية في مسائل محددة لفترة ما بالمقارنة ببقية السكان. ومع ذلك، فطالما دعت الحاجة إلى هذه الإجراءات لتصحيح التمييز في الواقع، فإن التفريق هنا مشروع بمقتضى العهد.
11- والفقرة 1 من المادة 2، وكذلك المادة 26 تعددان كلاهما أسباب التمييز على أنها العرق واللون والجنس واللغة والدين والرأي السياسي أو غير السياسي والأصل القومي أو الاجتماعي والثروة والنسب وغير ذلك. وتلاحظ اللجنة أن عددا من الدساتير والقوانين لا يعدد جميع الأسباب التي يحظر من أجلها التمييز كما وردت في الفقرة 1 من المادة 2. لذا فإن اللجنة تود أن تتلقى معلومات من الدول الأطراف عن مغزى إغفال هذه الأسباب.
12- وإذا كانت المادة 2 تقصر نطاق الحقوق التي يتعين حمايتها من التمييز على تلك الحقوق المنصوص عليها في العهد، فإن المادة 26 لا تعين هذه الحدود. وبعبارة أخرى، فإن المادة 26 تنص على أن جميع الأشخاص متساوون أمام القانون ولهم الحق في الحماية المتساوية التي يكفلها القانون دون تمييز، وأنه يتعين أن تكفل القوانين لجميع الأشخاص حماية متساوية وفعالة من التمييز لأي من الأسباب المذكورة. وترى اللجنة أن المادة 26 ليست ترديدا وحسب للضمانة المنصوص عليها من قبل في المادة 2؛ وإنما هي تنص في صلبها على حق مستقل. فهي تحظر التمييز أمام القانون أو، في الواقع، في أي ميدان تحكمه وتحميه سلطات عامة. ولذا فإن المادة 26 تتعلق بالالتزامات المفروضة على الدول الأطراف فيما يتعلق بتشريعاتها وبتطبيق هذه التشريعات. ومن ثم، فعندما تعتمد دولة طرف تشريعا معينا يجب أن يكون هذا التشريع متمشيا مع متطلبات المادة 26 بمعنى ألا يكون محتواه تمييزياً. وبعبارة أخرى، فإن تطبيق مبدأ عدم التمييز الوارد في المادة 26 لا يقتصر على الحقوق المنصوص عليها في العهد.
13- وأخيراً، تلاحظ اللجنة أنه ما كل تفريق في المعاملة يشكل تمييزا إذا كانت معايير التفريق معقولة وموضوعية وإذا كان الهدف هو تحقيق غرض مشروع بموجب العهد.
_______________________
* وثيقة الأمم المتحدة A/45/40.

العودة للصفحة الرئيسية