اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
الدورة الثامنة عشرة 1998

بيان بشأن العولمة وأثرها على التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية

1- يتعيَّن بالضرورة، عشية العيد الخمسين لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التفكير مليَّاً بأثر العولمة على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المعترف بها في الإعلان العالمي، والتي خضعت للمزيد من البلورة والتطوير في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ورغم ما يمكن إلصاقه بالعولمة من تعاريف كثيرة ومتنوعة، فإنها ظاهرة أحدثت تغيرات أساسية في كل مجتمع من المجتمعات.
2- وقد درجت العادة على تعريفها عموماً من حيث صلتها بالتطورات التي شهدتها مجالات التكنولوجيا والاتصالات وتجهيز المعلومات وغيرها من المجالات التي جعلت هذا العالم أصغر حجماً وأشد ترابطاً بطرق لا حصر لها. لكنها أخذت ترتبط بصورة وثيقة أيضا بمختلف الاتجاهات والسياسات المحددة، بما في ذلك تزايد الاعتماد على السوق الحرة، ونفوذ الأسواق والمؤسسات المالية الدولية الشديد في تحديد صلاحية أولويات السياسات العامة الوطنية، والحد من دور الدولة وحجم ميزانيتها، وخصخصة شتى الوظائف التي كانت تعتبر فيما مضى المجال الحصري للدولة، وإلغاء الضوابط التنظيمية على مجموعة من الأنشطة بهدف تيسير الاستثمار ومكافأة المبادرات الفردية، وما نجم عن ذلك من زيادة موازية لأهمية الدور، بل والمسؤوليات، المنوطة بالأفراد، وذلك في كل من قطاع الشركات الكبرى، ولا سيما الشركات عبر الوطنية منها، وفي المجتمع المدني على حد سواء.
3- ولا يتناقض أي من هذه التطورات بالضرورة بحد ذاته مع مبادئ العهد أو التزامات الحكومات بموجبه. لكن إذا نظرنا إليها مجتمعة، فإن العولمة، إن لم تستكمل بالسياسات الإضافية المناسبة، تنطوي على خطر الانتقاص من المكانة المركزية الممنوحة لحقوق الإنسان بموجب ميثاق الأمم المتحدة عموماً والشرعة الدولية لحقوق الإنسان على وجه الخصوص. وينطبق ذلك بصورة خاصة على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وبذا يتعرض على سبيل المثال احترام الحق في العمل والحق في ظروف عمل منصفة ومناسبة للخطر إذا ما ازداد التأكيد على التنافسية إلى حد يلحق الضرر باحترام حقوق العمال المنصوص عليها في العهد. وقد يتعرض الحق في تشكيل نقابات العمال والانضمام إليها للخطر بسبب القيود المفروضة على حرية تشكيل النقابات، والقيود التي يدعى بأنها "ضرورية" في الاقتصاد العالمي، أو بالاستبعاد الفعلي لإمكانات المساومة الجماعية أو بوقف العمل بحق مختلف المجموعات المهنية وسواها في الإضراب. وقد لا يضمن حق كل شخص بالضمان الاجتماعي بالترتيبات التي تعتمد اعتمادا كليا على المساهمات الخاصة وعلى المخططات الخاصة. وقد يتطلب احترام الأسرة وحقوق الأمهات والأطفال في عصر يشهد توسع أسواق العمل العالمية بالنسبة لمهن بعينها اتباع سياسات جديدة ومبتكرة بدلا من مجرد انتهاج سبيل عدم التدخل. ومن شأن اللجوء إلى سياسات تقاضي رسوم من المستفيدين، أو سياسات استعادة التكاليف، إذا لم تستكمل بالضمانات اللازمة، أن يؤدي عندما يتم تطبيق تلك السياسات على الخدمات الصحية والتعليمية الأساسية المقدمة للفقراء إلى تقييد سبل الوصول إلى الخدمات التي تعتبر أساسية للتمتع بالحقوق المعترف بها في العهد تقييداً شديداً. وينطوي الإصرار على تقاضي دفعات تتزايد باطراد لقاء الوصول إلى الأنشطة الفنية أو الثقافية أو ذات الصلة بالتراث على تهديد حق المشاركة في الحياة الثقافية بالنسبة لشرائح كبيرة من أي مجتمع من المجتمعات.
4- ويمكن اتقاء كل هذه المخاطر، أو التعويض عنها، إذا ما وُضعت السياسات المناسبة لها. لكن مما يبعث على قلق اللجنة أنه في الوقت الذي كرست فيه الحكومات قدراً كبيراً من الطاقة والموارد لتعزيز الاتجاهات والسياسات المرتبطة بالعولمة، فإنه لم تبذل جهود كافية لاستحداث نهج جديدة أو تكميلية من شأنها أن تعزز التوافق بين هذه الاتجاهات والسياسات وبين الاحترام التام للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ويتعين عدم السماح للتنافسية والكفاءة والمنطق الاقتصادي بأن تصبح المعايير الأولى أو الحصرية التي يتم تقييم السياسات الحكومية والحكومية الدولية على أساسها.
5- ولدى الدعوة إلى الالتزام من جديد باحترام الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ترغب اللجنة في التأكيد على أن المنظمات الدولية، وكذلك الحكومات التي أوجدت هذه الحقوق وتشرف على تطبيقها إنما تتحمل مسؤولية كبيرة ومستمرة باتخاذ أية تدابير ممكنة لمساعدة الحكومات على التصرف بطريقة تتفق مع التزاماتها في مجال حقوق الإنسان والسعي إلى استحداث سياسات وبرامج تعزز احترام تلك الحقوق. ومن الأهمية بمكان التشديد على أن مجالات التجارة والمال والاستثمار ليست مستثناة بأي طريقة من الطرق من هذه المبادئ العامة وأن على المنظمات الدولية التي تضطلع بمسؤوليات محددة في هذه الميادين أن تلعب دوراً إيجابياً وبناءً فيما يتصل بحقوق الإنسان.
6- وعليه، فإن اللجنة ترحب على سبيل المثال بتزايد الأهمية الممنوحة لحقوق الإنسان في أنشطة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وتأمل أن تُمنَح أهمية مناسبة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وهي ترحب أيضا بالمبادرات التي اتخذها الأمين العام لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية لتوسيع نطاق استكشاف الروابط بين بواعث القلق الرئيسية للمنظمة واحترام كامل مجموعة حقوق الإنسان استكشافاً أكثر شمولاً.
7- وتدعو اللجنة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي إلى إيلاء المزيد من الاهتمام في أنشطتهما لاحترام الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، من خلال تشجيع الاعتراف الصريح بهذه الحقوق، والمساعدة على تحديد المعالم الخاصة بالبلدان لتسهيل النهوض بها وتطوير سبل الانتصاف المناسبة فيما يتعلق بالانتهاكات الموازية لها. ويتعين إقامة شبكات أمان اجتماعي بالرجوع إلى هذه الحقوق وزيادة الاهتمام بهذه السبل لحماية الفقراء والضعفاء في سياق برامج التكيف الهيكلي. ويتعين أن يكون الرصد الاجتماعي الفعال جزءاً لا يتجزأ من سياسات المراقبة والرصد المالي المربوطة بالقروض والائتمانات الممنوحة لأغراض التكيف. وبالمثل يتعين أن تستحدث منظمة التجارة العالمية طرقاً مناسبة لتسهيل النظر على نحو أكثر انتظاماً في أثر السياسات التجارية والاستثمارية على حقوق الإنسان. وتحث اللجنة في هذا الصدد الأمين العام على إجراء دراسة دقيقة، بالتعاون مع منظمة التجارة العالمية إن أمكن، للأثر المحتمل على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الناجم عن مشروع الاتفاق المتعدد الأطراف بشأن الاستثمار الذي تم التفاوض عليه ضمن منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.
8- وأخيراً تؤكد اللجنة على ضرورة قيام مكتب مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان بتطوير وتعزيز قدرته على رصد وتحليل الاتجاهات المتصلة بهذه القضايا. وينبغي توفير معلومات منتظمة للجنة لتمكينها من أخذ السياسات والاتجاهات ذات الصلة في اعتبارها الكامل عند اضطلاعها بمسؤولياتها في رصد امتثال الدول الأطراف لالتزاماتها المنصوص عليها في العقد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية".
_______________________
* وثيقة الأمم المتحدة E/1999/22، الفصل السادس.
- اعتمدت اللجنة هذا البيان استنادا إلى تبادل الآراء بهذا الخصوص الذي تم خلال يوم المناقشة العامة في 11 أيار/مايو 1998.

العودة للصفحة الرئيسية