ترجمة نص لائحة المجلس العالي


بسم الله
لما كانت هذه الأمة الناجية قد نشأت على أن تسير شئونها – صورة ومعنى – على مقتضى ما ورد في معجز الذكر من قوله تعالي "وشاورهم في الأمر" وكانت مأمورة بالرجوع إلى أهل النظر تخاطبهم وتداولهم الرأي فيما اختصوا بعلمه من الأمور التي لا تفتأ تعرض لها وتطرأ عليها – فإن صاحب الدولة مولانا والى النعمة المطبوع على الخير والرحمة، قد رأى وقاية للنظام والتدبير الواجب اتخاذهما تبعاً للظروف والملابسات فيما يعن لدولته من الأمور المهمة، أن ينعقد مجلس خاص يكون واجبه إيضاح جميع التفصيلات وتفهيمها، بحيث إذا حررت مضبطة مداولته للشئون والمواد المقدمة إليه مع القرار الذي يتفق رأيه عليه، ثم عرضت هذه المضبطة على أنظار دولته، كانت المناقشة كأنها قد دارت على مسمع من ذاته العلية وبين يدي حضرته السنية، لذلك صدرت إرادته الحافلة بالمفاخر الشاملة للمكارم والمآثر بانعقاد هذا المجلس الخاص. وها هي ذي لائحته المتعلقة بالأصول الواجبة رعايتها فيه:
هنالك ثلاثة موارد للمسائل التي تستوجب الحال مناقشتها في المجلس لاتصالها بالأعمال والمصالح:
فأما المورد الأول، فهو أن يسنح خاطر مولانا صاحب الدولة ولي النعم برأي سديد ذي صلة بمصلحة من المصالح المهمة. فإن صدر نطقه العالي بشأن هذه المصلحة، فعلى عبده المأمور أن يدون هذا النطق ويشعر به المجلس في صورة تقرير.
وأما الثاني، فهو ما يقدمه عبده صاحب العطوفة البيك الكتخدا أو عبد غيره من عبيده النظار وسائر المأمورين، من إفادات متصلة بتنظيم المصالح وتسويتها مما ينطوي على جلب منفعة أو دفع مضرة.
وأما الثالث، فهو أن تقوم في وجه ولاة الأعمال مشكلة متعلقة بالمصالح الموكول إليهم تصريفها، فلا يستطيعوا إلى حلها سبيلاً، وينبغي بالطبع رجوعهم فيها إلى المجلس، وحينئذ يتعين عليهم هم الآخرين أن يدرجوا كل مسألة يعتزمون بسطها في تقرير يسطره الواحد منهم بالتركية أو العربية. ويسلمه إلى خادمه كاتب المجلس ثم يختار يوم مخصوص من أيام الأسبوع يحضر في صباحه الذين يلزم حضورهم فيجتمعون في قاعة المجلس، حيث يبادرون إلى الأعمال المتراكمة، فيزيلون ركامها ويفضون زحامها، بتقديمهم ما كان مهماً بحثه من الأعمال والمصالح على غيره حتى إذا خلصوا إلى تلك التقارير واطلعوا عليها تقريراً تقريراً، متبينيين مغزاها والمقصود منها، شرعوا عندئذ في مناقشة الأهم والإلزام من بين المسائل المذكورة متوخية تجزئة كل مسألة وتفريعها بحسب عدد الفروع التي ينبغي بحثها ومعرفة جوابها، ثم يردون المسألة إلى مراجعها التي تقتضيها هذه الفروع، فإن رأوها متصلة بمصلحة ما، بادروا إلى المأمور المختص بهذه المصلحة فسألوه عنها، وإن رأوها غير متصلة بالمصالح المتفرقة، بل متعلقة بالأمور المهمة العامة، استفتوا فيها من كان على تمام الخبرة بهذه الأمور، حتى إذا أبدى المأمور المختص أو ذو الخبرة رأيه وسجل هذا الرأي نظر إليه، فإن وجد مطابقاً للمراد، وكانت البراهين العقلية والأدلة المقنعة التي قام عليها موافقة لحسن تسوية المسألة المذكورة فلابد من تدوين هذه البراهين العقلية والأدلة بنصها، متى وقعت من جميع الحاضرين موقع الإقرار والاستحسان، على أن يراعى في ذلك حق كل حاضر بالمجلس، وذلك بسؤاله على حدة عن الحل الذي يراه ملائماً للمسألة، أما إذا أقر نفر من الحاضرين هذا الرأي واستحسنوه وراح فريق يعارضه ويؤثر غيره من الآراء، فحينئذ ينبغي على رجال المجلس أن يزنوا الرأيين، ويميزوا أسباب الخلاف بينهما، ثم يرجحوا أصوبها ويختارونه.
وأما إذا اقتضت الحال أن يجتمع المجلس في غير اليوم المخصوص لبحث أمر جلل من الأمور المهمة العظيمة، فيخطر كل عضو بتذكرة تؤذنه بانعقاد المجلس في اليوم التالي، ليحضر الأعضاء في صباح ذلك اليوم، وبعد اجتماعهم وتبادلهم الأقوال في تنظيم هذا الأمر وتسويته، ينظر إلى ما استقرت عليه أفكارهم بصدده، فإذا كانوا كلهم مجتمعين على رأي واحد فبها ونعمت، وإن رأى فريق منهم رأياً وذهب فريق آخر إلى رأي يخالفه وشوهد أن لكل فريق وجهاً لأرجحية قوله ومذهبه، فينبغي في مثل هذا الاختلاف أن تسطر أقوال الفريقين، وتعرض على العتبات الخديوية، فما تتعلق الإرادة السامية به، فهو الذي يجب التزامه والعمل بموجبه، وكذلك الحال في المسائل المتعلقة بأمور الحكومة، مهما تكن النتيجة التي يؤول إليها بحثها والقرار الذي يتخذ بشأنها فإن الواجب يقضي بأن تناط بصدور إرادة ولي النعم، فلا تعلن ولا تذاع قبل رفعها إلى عتبات عنايته والاستئذان فيها من على سدته.
ومما تستلزمه المصلحة أن يكون الذهن، عند بحث إحدى المسائل على المنوال السالف شرحه، منصرفاً إلى ما يتناوله الكلام فيها من المواد، فليس لأحد أن يقول: خطر ببالي كيت وكيت من المواد المتعلقة بمسألة أخرى ولا أن يسلك سبيلاً غير سبيل الإصغاء التام إلى كل صغيرة وكبيرة من الكلمات الملقاة في المسألة المطروحة على بساط البحث، ولا أن يخرج من الجلسة لغير ضرورة ماسة، حتى تفضي المباحثة إلى نتيجة، وتنتهي إلى اتخاذ قرار معلوم، لأن الأمر العظيم إذا تقحمت عليه المواد الأخرى، وهو وشيك الوصول إلى القرار المستمد من مناقشته، حال ذلك دون بلوغ غايته وحسن نتاجه، وبات الأمر في حاجة إلى اجتماع آخر، وفي هذا ما فيه من ضياع الوقت. وليفتح باب – على الوجه المشروح بعاليه – لكل فرع من فروع المسألة المشروع في بحثها ومتى تمت كتابة الباب وفرغ من مناقشته، فلتقرأ مسودته في مواجهة الجميع وليعلم على أي وجه أثبتت أقوال كل قائل، تم تبيض مضبطة المسألة ويختمها رجال المجلس ويودعونها عبدهم الأفندي كاتب المجلس الذي يحفظها عنده ويقيدها بدفتره، لأجل التتبع والافتقاد، ثم تحرر منها صورة تقدم إلى عتبات ولي النعم.
وأما إذا كانت المسألة المطروحة على بساط البحث قد طرحت منذ الصباح ولم يتم بحثها حتى الظهر، فحينئذ يؤتي الجميع فاصلة استراحة، قدرها ساعة من الزمان لأجل الغذاء. ثم يجمعون مرة أخرى ويبادرون إلى استئناف البحث. فإذا فهم أن المسألة لن يفرغ منها حتى المساء فلا ينبغي التزام الاستعجال، بل يرجأ البحث إلى الجلسة القادمة، لتستكمل المسألة صفحات مناقشتها، ويعنى بتنظيم مقتضياتها.
هذا. ومتى كثر عديد رجال المجلس، فإن الوقت يضيق عن متابعة تحرير الآراء التي تقدم أو الرأي الذي ينطق به كل عضو على التوالي، وهذا من شأنه أن يعوق ما يصدره المجلس من نتيجة أو قرار، فضلاً عن أن البشرية من دأبها السهو، وتصحيح السهو من شأنه تأخير المباحثة، فإن لم يكن من الحكمة اتقاء هذا العوق، والتأخير بإيتاء الأفندي كاتب المجلس مساعداً يشد أزره، فإن هذا الأمر سوف يبرز واضحاً عند مباشرة الكتابة، فمتى علم به ورئي وجوب إنفاذه، فيومئذ يندب عبد مناسب من عبيدكم لتأدية هذا العمل على المنوال المتقدم بيانه.
وبعد، فإذا حظى هذا الترتيب بموافقته لرأي ولي النعم، وتفضل جنابه العالي فزانه بلطف استحسانه، اتخذ دستوراً للعمل واجتنب تسويغ كل سلوك يخالفه.
_______________________

العودة للصفحة الرئيسية