المحكمة الدستورية العليا المصرية

 

الدعوى رقم 77 لسنة 19 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"

مبادئ الحكم

 

اختصاص المحكمة الدستورية

حيث إن الرقابة القضائية التي تباشرها المحكمة الدستورية العليا في شأن الشرعية الدستورية، مناطها كل قاعدة قانونية يدعى مخالفتها للدستور، ويتم الطعن عليها وفق قانون هذه المحكمة، وذلك أيا كان موضعها أو مضمونها أو نطاق سريانها أو السلطة التي أقرتها أو أصدرتها، وهو ما يعني انصرافها إلى القانون بالمعنى الموضوعي محددا على ضوء كل قاعدة عامة مجردة تتولد عنها مراكز قانونية من طبيعتها، فلا يكون تطبيقها متعلقا بواقعة بذاتها أو بشخص محدد، بل مستنفدا موضوعها بمجرد سريانها في شأن أيهما.

أن القاعدة القانونية لا تتوافر خصائصها بالنظر إلى اتساع دائرة من تشملهم بحكمها أو محدوديتها، وإنما بإقرارها أو إصدارها من الجهة التي أولاها الدستور أو القانون اختصاص فرضها، وبشرط ألا يتعلق مجال سريانها بأشخاص محددين بذاوتهم، أو بواقعة بعينها تصاغ القاعدة لضبطها، بما يدل على انتفاء تخصيصها.

وحيث إن نطاق الدعوى الدستورية يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية المثار أمام محكمة الموضوع، وبالقدر وفى الحدود التي تقدر فيها جديته وكانت المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها ارتباطها عقلا بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الحكم في المسائل الدستورية لازما للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها.

 

الحق في التنظيم النقابي

حيث إن حق العمال في تكوين تنظيمهم النقابي، وكذلك حرية النقابات ذاتها في إدارتها لشئونها، بما في ذلك إقرار القواعد التي تنظم من خلالها اجتماعاتها وطرائق عملها وتشكيل أجهزتها الداخلية وأحوال اندماجها في غيرها، ومساءلتها لأعضائها عما يقع منهم مخالفا لنظمها، لا ينفصلان عن انتهاجها الديموقراطية أسلوبا وحيدا ينبسط على نشاطها ويكفل بناء تشكيلاتها وفق الإرادة الحرة للعمال المنضمين إليها، بغض النظر عن آرائهم ومعتقداتهم أو توجهاتهم فلا يجوز بوجه خاص إرهاقها بقيود تعطل مباشرتها لوظائفها ولا أن يكون تمتعها بالشخصية الاعتبارية معلقا على قبولها الحد من ممارستها ولا أن يكون تأسيسها موقوفا على إذن من الجهة الإدارية ولا أن تُحِلَّ هذه نفسها محل المنظمة النقابية فيما تراه أكفل لتأمين مصالح أعضائها والنضال من أجلها.

وحيث إن ذلك مؤداه أن التنظيم النقابي يتمحض تصرفا حرا لا تهيمن عليه سلطة الإدارة، بل يستقل عنها ليظل بعيدا عن سيطرتها وكان الدستور بما نص عليه في المادة 56 من قيام النقابات واتحاداتها على أساس ديموقراطي، قد دل على أن حكمها جاء عاما مطلقا، منصرفا إلى كل تنظيم نقابي - مهنيا كان أم عماليا - ممتدا إلى تشكيلاتها جميعا على تباين مستوياتها وكان الاتحاد العام لنقابات العمال - وبالنظر إلى طبيعته وكيفية تكوينه - من أشخاص القانون الخاص، فإن القرار المطعون فيه الصادر عن رئيس هذا الاتحاد برقم 35 لسنة 1996، لا يعتبر تنظيما لائحيا مما يستنهض ولاية هذه المحكمة للفصل فيه، ولو تعلق مجال سريانه بالعمال في مجموعهم.

 

حرية التعبير

حيث إن حرية التعبير - وكلما كان نبضها فاعلا وتأثيرها عريضا - هي الطريق لبناء نظم ديموقراطية تتعدد معها مراكز اتخاذ القرار تتسم بتسامحها مع خصومها، ومسئوليتها قبل مواطنيها وبرفضها لكل قيد يخل بمصداقيتها واستجابتها بالإقناع لإرادة التغيير، وطرحها من خلال الحوار لبدائل يفاضلون بينها لاختيار أصلحها، أيا كان مضمونها.

وحيث إن ما تقدم مؤداه، أن الآراء على اختلافها لا يجوز إجهاضها ولا مصادرة أدواتها أو فصلها عن غاياتها ولو كان الآخرون لا يرضون بها، أو يناهضونها أو يرونها منافية لقيم محدودة أهميتها يروجونها أو يحيطون ذيوعها بمخاطر يدعونها، ولا يكون لها من وضوحها وواقعها، ما يبرر القول بوجودها.

وحيث إن المشرع، وكلما تدخل بلا ضرورة، لتقييد عرض آراء بذواتها بقصد طمسها أو التجهيل بها بالنظر إلى مضمونها، كان ذلك إصماتا مفروضا بقوة القانون في شأن موضوع محدد انتقاه المشرع انحيازا، مائلا بالقيم التي تحتضنها حرية التعبير عن متطلباتها التي تكفل تدفق الآراء وانسيابها بغض النظر عن مصدرها أو محتواها، ودون ما اعتداد بمن يتلقونها أو يطرحونها، وبمراعاة أن الحق في الحوار العام، يفترض تساويها في مجال عرضها وتسويقها.

وحيث إن إكراه البعض على القبول بآراء يعارضونها أو تبنيها، لا يقل سوءاً عن منعهم من التعبير عن آراء يؤمنون بها أو يدعون إليها، وهو ما يعنى أن الحمل على اعتناق بعض الآراء، أو إقماع غيرها، سوءتان تناقضان مفهوم حوار يقوم على عرض الأفكار وتبادلها والإقناع بها. كذلك فإن موضوعية الحوار - وعلى الأخص كلما كان بناء - شرطها شفافية العناصر التي يدور الجدل حولها، بما يحول دون حجبها أو تشويهها أو تزييفها.

وتعلق مفهوم الحوار بالقبول بآراء أو برفضها بعد موازنتها ببعض، وعلى ضوء حقائقها وحكم العقل بشأنها، مؤداه أن كل أقوال يكون بها الحوار منتفيا، كتلك التي تحرض على استعمال القوة استثارة لنوازع العدوان عند من يتلقونها، وإضرارا بالآخرين، لا يجوز أن تتخذ من حرية التعبير سندا، تقديرا بأن مفهوم عرض الآراء والأفكار من أجل تقييمها - على ضوء صحتها أو بهتانها - منحسر عنها، فضلا عن اقترانها بمضار لا يجوز القبول بها.

 

الترابط بين حق الاقتراع وحرية التعبير

حيث إن حق الاقتراع، يعتبر كذلك صورة من صور التعبير عن الآراء من خلال إدلاء من ينضمون إلى تنظيم معين - سواء كان شكل تجمعهم سياسيا أو نقابيا - بأصواتهم التي يبلورون بها إرادة اختيار ممثليهم، فلا يكون لأيهم إلا صوتا واحدا، متكافئا ثقلا مع غيره، كافلا الصفة التمثيلية للمنظمة التي ينتمون إليها، مؤثرا في تكوينها وطرائق عملها، محددا رسالتها والقائمين على تنفيذها.

 

الترابط بين حق الاجتماع وحرية التعبير

حيث إن حرية التعبير - في مضمونها الحق - تفقد قيمتها إذا جحد المشرع حق من يلوذون بها في الاجتماع المنظم، وحجب بذلك تبادل الآراء في دائرة أعرض، بما يحول دون تفاعلها وتصحيح بعضها البعض، ويعطل تدفق الحقائق التي تتصل باتخاذ القرار، وكذلك تشكيل روافد الشخصية الإنسانية التي لا يمكن تنميتها إلا في شكل من أشكال الاجتماع. بل إن حرية القول والصحافة والعقيدة وتقديم العرائض، لا يمكن ضمانها ضماناً كافيا، إلا عن طريق اجتماع تتكتل فيه الجهود للدفاع عن مصالح بذاوتها، يكون صونها لازما لإثراء ملامح من الحياة يراد تطويرها اجتماعيا أو اقتصاديا أو سياسيا، بما يكفل تنوع مظاهرها واتساع دائرتها من خلال تعدد الآراء التي تطرح على مسرحها.

 

حق الاقتراع

حيث إن الدستور كفل لكل مواطن حق الاقتراع وفقا للشروط التي يحددها المشرع بما لا يجاوز فحواه. ويفترض ذلك ألا يكون هذا الحق مثقلا بقيود يفقد معها الناخبون أصواتهم من خلال تشويهها، أو إبدالها، أو التأثير في تساويها وزنا، وتعادلها أثرا ولا أن تكون الحملة الانتخابية محدودة آفاقها ولا أن تعاق قنواتها إلى الحقائق التي تريد النفاذ إليها، ولا أن يحد المشرع من اتساع قاعدة الاختيار بين من يرشحون أنفسهم لخوضها، فلا ينقل المبعدون عنها رسالتهم إلى من يعنيهم أمرها من الناخبين، بما يقلص من فرص الاختيار التي يحددون بها من يكون - في تقديرهم - أجدر بالدفاع عن مصالحهم، وأدنى إلى الظفر بثقتهم.

 

ارتباط حق المرشحين بحق الناخبين

أن حق المرشحين في الفوز بعضوية المجالس التي كفل الدستور والقانون صفتها التمثيلية، لا ينفصل عن حق الناخبين في الإدلاء بأصواتهم لاختيار من يثقون فيه من بينهم. إذ هما حقان مرتبطان يتبادلان التأثير فيما بينهما. ولا يجوز بالتالي أن تفرض على مباشرة أيهما تلك القيود التي لا تتصل بتكامل العملية الانتخابية وضمان مصداقيتها أو بما يكون كافلا إنصافها، وتدفق الحقائق الموضوعية المتعلقة بها، بل يجب أن تتوافر لها بوجه عام أسس ضبطها، بما يصون حيدتها.

 

تنظيم حق الترشيح والانتخاب

إن النظم الانتخابية جميعها، غايتها أن يكون التمثيل وفقا لأحكامها متكافئا وعرض المرشحين لأرائهم والدفاع عنها متوازنا وانتسابهم إلى منظمة بذاتها مؤشرا على افتراض دعمهم لأهدافها وإعلانهم مصادر تمويل حملتهم الانتخابية، ومعدل الإنفاق فيها أمينا مؤكدا مشروعيتها وتنظيم المشرع زمن حملتهم هذه ومكان إجرائها، مقصورا على ضبطها، وبعيدا عن حرمانهم من التعبير عن آرائهم أو تقييد مضمونها.

وحيث إن كل تنظيم تشريعي ينال من فرص الناخبين في الإدلاء بأصواتهم لا يقل سوءا عن حرمان بعضهم أصلا - ودون مسوغ - من حق الاقتراع. كذلك فإن الشروط التي يفرضها المشرع محددا على ضوئها - ودون أسس موضوعية - من يكون مقبولا من المرشحين الذين يخوضون الحملة الانتخابية، تنعكس سلبا على فرص تعبير الناخبين عن رغباتهم من خلال أصواتهم، فلا يكون لها فعاليتها في شأن اختيار من يطمئنون إليهم، وعلى الأخص في إطار نظم نقابية تتعدد حلقاتها، وتتدرج مستوياتها، وتكفل اتصال بعضها ببعض بما يصون ترابطها.

 

ديمقراطية العمل النقابي

ديموقراطية العمل النقابي هي التي تطرح - بوسائلها وتوجهاتها - نطاقا للحماية يكفل للقوى العاملة مصالحها الرئيسية، ويبلور إرادتها، وينفض عنها عوامل الجمود التي تعطل حيويتها، وبها تستقل الحركة النقابية بذاتيتها ومناحي نشاطها وكان تعدد الآراء داخل كل منظمة نقابية وتفاعلها، قاعدة لكل تنظيم ديموقراطي، لا يقوم إلا بها، ولا يتم الحوار المفتوح إلا في نطاقها وبدونها يفقد الحق في الاجتماع مغزاه وكان الشرط المطعون عليه يقيد من حرية تبادل الآراء، ومن فرص اختيار العمال لمرشحيهم من دائرة أعرض، ومن الأسس الديموقراطية للعمل النقابي، ويحيل حق الاجتماع عبثا.

 

 

الدعوى رقم 77 لسنة 19 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"

نص الحكم

 

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت 7 فبراير سنة 1998م الموافق 10 شوال سنة 1418هـ.

برئاسة السيد المستشار الدكتور عوض محمد عوض المر

رئيس المحكمة

وحضور السادة المستشارين: سامي فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض وماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله.

أعضاء

وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي علي جبالي

رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد/ حمدي أنور صابر

أمين السر

أصدرت الحكم الآتي

في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 77 لسنة 19 قضائية "دستورية".

المقامة من

السيد/ ...

السيدة/ ...

ضد

1- السيد/ رئيس مجلس الوزراء

2- السيد/ وزير القوى العاملة

3- النقابة العامة للعاملين بالصحافة والطباعة والنشر

الإجراءات

بتاريخ الثاني والعشرين من إبريل سنة 1997، أودع المدعيان صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طلبا للحكم بعدم دستورية المادة الرابعة من قانون إصدار قانون النقابات العمالية الصادر بالقانون رقم 35 لسنة 1976، وكذلك المواد 4 و7 فقرة أولى و19 و20 و22 و23 و25 و26 و28 و29 و30 و31 و32 و35 و36 و41 و61 من قانون النقابات العمالية بعد تعديلها بالقانون رقم 12 لسنة 1995 وكذلك قرارات وزير القوى العاملة أرقام 117 و118 و146 و147 لسنة 1996 وقرار رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر رقم 35 لسنة 1996.

قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة اختتمتها بطلب الحكم أصليا بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى، واحتياطيا بعدم قبولها أو برفضها.

وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.

ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.

حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعيين وآخرين، كانوا قد أقاموا الدعوى رقم 897 لسنة 1996 عمال جزئي القاهرة ضد المدعى عليهما الثاني والثالث ابتغاء القضاء بصفة مستعجلة بإلزام أولهما بمنحهم شهادة القيد بالنقابة وسداد الاشتراك، وإلزام ثانيهما بقبول أوراق ترشيحهم، ثم بإحالة الدعوى إلى محكمة الموضوع لنظر طلب التعويض قولا منهم بأنهم من العاملين بالصحافة والطباعة والنشر والإعلام وإذ رغبوا في الترشيح لانتخابات اللجنة النقابية فقد تقدموا إلى النقابة العامة التي ينتمون إليها بطلب شهادة تفيد عضويتهم بها وسدادهم الاشتراكات وذلك إعمالا للقرار الوزاري الصادر في هذا الشأن إلا أن طلبهم قوبل بالرفض، مما دعاهم إلى إقامة تلك الدعوى، ثم عدل المدعيان طلباتهما إلى القضاء بصفة مستعجلة بعدم الاعتداد بالنتيجة المعلنة للانتخابات العمالية النقابية للعاملين بأكاديمية الفنون، وفي الموضوع ببطلان الانتخابات وما ترتب عليها من آثار وبالتعويض. وبجلسة 12/3/1997 - المحددة لنظرها - دفع رافعوها بعدم دستورية قرار رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر رقم 35 لسنة 1996، وكذلك الفقرة الأولى من المادة 24، والفقرتين الثالثة والرابعة من المادة 41، والأولى والثالثة من المادة 45، والأخيرة من المادة 50، والثانية من المادة 53، والفقرة الأولى من كل من المادتين 61 و62، والثانية من المادة 66 من قانون النقابات العمالية الصادر بالقانون رقم 35 لسنة 1976. وبعد تقديرها لجدية دفعهم صرحت محكمة الموضوع بإقامة الدعوى الدستورية، فأقامها المدعيان.

وحيث إن الرقابة القضائية التي تباشرها المحكمة الدستورية العليا في شأن الشرعية الدستورية، مناطها كل قاعدة قانونية يدعى مخالفتها للدستور، ويتم الطعن عليها وفق قانون هذه المحكمة، وذلك أيا كان موضعها أو مضمونها أو نطاق سريانها أو السلطة التي أقرتها أو أصدرتها، وهو ما يعني انصرافها إلى القانون بالمعنى الموضوعي محددا على ضوء كل قاعدة عامة مجردة تتولد عنها مراكز قانونية من طبيعتها، فلا يكون تطبيقها متعلقا بواقعة بذاتها أو بشخص محدد، بل مستنفدا موضوعها بمجرد سريانها في شأن أيهما.

وحيث إن المادة 7 من قانون النقابات العمالية الصادر بالقانون رقم 35 لسنة 1976 تقيم البنيان النقابي على شكل هرمي، بمراعاة وحدة الحركة النقابية، وعلى أساس أن المنظمات النقابية تتعدد مستوياتها، وأن الاتحاد العام لنقابات العمال يتصدرها وأن غايتها - وعملا بنص المادة 8 من هذا القانون - تتمثل في الدفاع عن حقوق أعضائها وحماية مصالحهم وتأمين أوضاع وشروط عملهم وتحسينها، والارتقاء بكفايتهم مهنيا، وكذلك بمستوياتهم الصحية والاقتصادية والاجتماعية.

وحيث إن حق العمال في تكوين تنظيمهم النقابي، وكذلك حرية النقابات ذاتها في إدارتها لشئونها، بما في ذلك إقرار القواعد التي تنظم من خلالها اجتماعاتها وطرائق عملها وتشكيل أجهزتها الداخلية وأحوال اندماجها في غيرها، ومساءلتها لأعضائها عما يقع منهم مخالفا لنظمها، لا ينفصلان عن انتهاجها الديموقراطية أسلوبا وحيدا ينبسط على نشاطها ويكفل بناء تشكيلاتها وفق الإرادة الحرة للعمال المنضمين إليها، بغض النظر عن آرائهم ومعتقداتهم أو توجهاتهم فلا يجوز بوجه خاص إرهاقها بقيود تعطل مباشرتها لوظائفها ولا أن يكون تمتعها بالشخصية الاعتبارية معلقا على قبولها الحد من ممارستها ولا أن يكون تأسيسها موقوفا على إذن من الجهة الإدارية ولا أن تُحِلَّ هذه نفسها محل المنظمة النقابية فيما تراه أكفل لتأمين مصالح أعضائها والنضال من أجلها.

وحيث إن ذلك مؤداه أن التنظيم النقابي يتمحض تصرفا حرا لا تهيمن عليه سلطة الإدارة، بل يستقل عنها ليظل بعيدا عن سيطرتها وكان الدستور بما نص عليه في المادة 56 من قيام النقابات واتحاداتها على أساس ديموقراطي، قد دل على أن حكمها جاء عاما مطلقا، منصرفا إلى كل تنظيم نقابي - مهنيا كان أم عماليا - ممتدا إلى تشكيلاتها جميعا على تباين مستوياتها وكان الاتحاد العام لنقابات العمال - وبالنظر إلى طبيعته وكيفية تكوينه - من أشخاص القانون الخاص، فإن القرار المطعون فيه الصادر عن رئيس هذا الاتحاد برقم 35 لسنة 1996، لا يعتبر تنظيما لائحيا مما يستنهض ولاية هذه المحكمة للفصل فيه، ولو تعلق مجال سريانه بالعمال في مجموعهم، ذلك أن القاعدة القانونية لا تتوافر خصائصها بالنظر إلى اتساع دائرة من تشملهم بحكمها أو محدوديتها، وإنما بإقرارها أو إصدارها من الجهة التي أولاها الدستور أو القانون اختصاص فرضها، وبشرط ألا يتعلق مجال سريانها بأشخاص محددين بذاوتهم، أو بواقعة بعينها تصاغ القاعدة لضبطها، بما يدل على انتفاء تخصيصها.

وحيث إن نطاق الدعوى الدستورية يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية المثار أمام محكمة الموضوع، وبالقدر وفي الحدود التي تقدر فيها جديته وكانت المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها ارتباطها عقلا بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الحكم في المسائل الدستورية لازما للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها. وكان النزاع الموضوعي مبناه إنكار حق المدعيين في الترشيح لعضوية اللجنة النقابية للعاملين بأكاديمية الفنون قولا بأنهما لم يتمكنا من استكمال أوراق ترشيحهما بعد أن رفض رئيس النقابة العامة المختصة منحهما الشهادة المعتمدة التي تدل على استيفائهما لشروط الترشيح التي يجب إرفاقها بالطلب المقدم منهما في هذا الشأن فإن القواعد التي نظم بها المشرع هذا الترشيح - سواء في ذلك تلك التي تضمنها قانون النقابات العمالية أو التي صدر بها قرارا وزير القوى العاملة رقما 146 و147 لسنة 1996 تنفيذا لهذا القانون - هي التي يقوم بها موضوع الخصومة الدستورية، وفي الحدود التي تضمنها الدفع المثار بشأنها أمام محكمة الموضوع.

وحيث إن المدعيين ضمنا صحيفة دعواهما الدستورية الطعن على نصوص قانونية لم يشملها دفعهما المثار أمام محكمة الموضوع، هي تلك التي تضمنتها المواد 4 و7/1 و19 و20 و22 و23 و25 و26 و28 و29 و30 و31 و32 و35 من قانون النقابات العمالية والمادة الرابعة من قانون إصداره وكذلك تلك التي اشتمل عليها قرارا وزير القوى العاملة رقما 117 و118/96 فإن نطاق الدعوى الدستورية لا يمتد إليها لانتفاء اتصالها بهذه المحكمة وفقا للأوضاع المنصوص عليها في قانونها، ومن ثم يكون الحكم بعدم قبول نظرها متعينا.

وحيث إن المدعيين لم يضمنا كذلك دعواهما الدستورية كل النصوص التي ردداها بدفعهما أمام محكمة الموضوع، وإنما قصرا دعواهما هذه على الفقرتين الثالثة والرابعة من المادة 41، فضلا عن حكم المادة 61 من قانون النقابات العمالية، وما تضمنه كذلك قرار وزير القوى العاملة رقم 146 لسنة 1996 خاصا بشروط الترشيح لمجالس إدارة المنظمات النقابية.

وحيث إنه على ضوء ما تقدم، تكون النصوص المطعون عليها، وما يرتبط بها ارتباطا لا يقبل التجزئة من الأحكام التي تضمنها قرار وزير القوى العاملة رقم 146/1996 هي:

أولا المادة 41 من قانون النقابات العمالية ونصها الآتي: "مدة الدورة النقابية لمستويات المنظمات النقابية خمس سنوات ميلادية تبدأ من تاريخ نشر نتيجة انتخاب مجالس إدارة المنظمات النقابية بكافة مستوياتها في الوقائع المصرية.

ويجب إجراء الانتخابات لتجديد هذه المجالس بالاقتراع السري المباشر خلال الستين يوما الأخيرة من الدورة النقابية على الأكثر، ويراعى توحيد مواعيد إجراء الانتخابات بالنسبة لكل مستوى من مستويات البنيان النقابي. ويتم الترشيح والانتخاب تحت إشراف لجان يرأسها أعضاء من الهيئات القضائية بدرجة قاض أو ما يعادلها على الأقل يرشحهم وزير العدل بناء على طلب الوزير المختص. وتحدد مواعيد وإجراءات الترشيح والانتخابات لمجالس إدارة المنظمات النقابية بقرار من الوزير المختص بعد موافقة الاتحاد العام لنقابات العمال".

ثانيا: مادة 61 من قانون النقابات العمالية ونصها الآتي: "يضع الاتحاد العام لنقابات العمال نظاما نموذجيا للمنظمات النقابية المختلفة، تتخذه هذه المنظمات أساسا لوضع لوائحها. وتصدر هذه اللائحة النموذجية بقرار من الوزير المختص.

ويجب أن يشمل النظام الأساسي للمنظمة النقابية ما يلي: 1- اسم المنظمة ومقرها وممثلها القانوني 2- أغراض المنظمة النقابية 3- قواعد إجراءات قبول الأعضاء وانسحابهم من عضوية المنظمة النقابية.

4- شروط الحصول على المزايا والخدمات التي تقدمها المنظمة النقابية وشروط وإجراءات الحرمان منها كليا أو جزئيا 5- ... 6- ... 7- ... 8- ... 9- ...10- ... 11- ... 12- ...13- ...

ثالثا: قرار وزير القوى العاملة رقم 146/1996 بشأن إجراءات الترشيح والانتخاب لتشكيلات المنظمات النقابية العمالية:

مادة 6 ونصها الآتي: "يجب على المرشح أن يرفق بطلب الترشيح، المستندات الآتية:

1- ... 2- شهادة معتمدة من النقابة العامة التي ينتمي إليها بانقضاء سنة على عضويته بها وأنه مسددا اشتراكه بانتظام حتى تاريخ فتح باب الترشيح. 3- ... 4- ... 5- ..."

وحيث إن المدعيين ينعيان على النصوص المطعون عليها مخالفتها للدستور من الأوجه الآتية:

1- أن الحرية النقابية التي تنص عليها المادة 56 من الدستور، قاعدة أولية في التنظيم النقابي تمنحها بعض الدول قيمة دستورية في ذاتها، كافلة بمقتضاها حق كل عامل في الانضمام إلى المنظمة النقابية التي يختارها، أو ينعزل عنها فلا يلج أبوابها، أو يعدل من بعد عن البقاء فيها، فينهي عضويته بها.

2- أن حرية التعبير التي كفلتها المادة 47 من الدستور، قاعدة في كل تنظيم ديموقراطي لا يقوم إلا بها، وقد ضمنها الدستور بوصفها الحرية الأصل التي لا يتم الحوار المفتوح إلا في نطاقها. وبدونها تفقد حرية الاجتماع - التي تنظمها المادتان 54 و55 من الدستور - مغزاها.

3- مخالفتها نص المادة 8 من الدستور التي تكفل تكافؤ الفرص فيما بين المواطنين بعضهم البعض، وكذلك نص المادة 40 من الدستور التي تصون تساويهم أمام القانون.

4- فرضها لنوع من الوصاية الإدارية على الحرية النقابية، وإرهاقها حق الترشيح بما يناقضها، ويعارض أحكام المواد 47 و56 و62 و65 من الدستور.

وحيث إن حرية التعبير تمثل في ذاتها قيمة عليا لا تنفصل الديموقراطية عنها، وإنما تؤسس الدول على ضوئها مجتمعاتها صونا لتفاعل مواطنيها معها، بما يكفل تطوير بنيانها وتعميق حرياتها، وإن جاز القول بأن لحرية التعبير أهدافها التي يتصدرها بناء دائرة للحوار العام لا تنحصر آفاقها ولا أدواتها تُدْنِى الحقائق إليها، فلا يكون التعبير عن الآراء حائلا دون مقابلتها ببعض وتقييمها ولا مناهضتها لآراء قبلها آخرون، مؤديا إلى تهميشها؛ ولا تلقيها عن غيرهم مانعا من ترويجها أو مقصورا على بعض جوانبها ولا تدفقها من مصادر نزدريها مستوجبا إعاقتها أو تقييدها. كذلك فإن إنمائها للشخصية الفردية وضمان تحقيقها لذاتها، إنما يدعم إسهامها في أشكال من الحياة تتعدد ملامحها بما يكفل حيويتها وترابطها، فلا يكون تنظيمها مقتضيا إلا أقل القيود التي تفرضها الضرورة.

وحيث إن حرية التعبير - وكلما كان نبضها فاعلا وتأثيرها عريضا - هي الطريق لبناء نظم ديموقراطية تتعدد معها مراكز اتخاذ القرار تتسم بتسامحها مع خصومها، ومسئوليتها قبل مواطنيها وبرفضها لكل قيد يخل بمصداقيتها واستجابتها بالإقناع لإرادة التغيير، وطرحها من خلال الحوار لبدائل يفاضلون بينها لاختيار أصلحها، أيا كان مضمونها.

وحيث إن ما تقدم مؤداه، أن الآراء على اختلافها لا يجوز إجهاضها ولا مصادرة أدواتها أو فصلها عن غاياتها ولو كان الآخرون لا يرضون بها، أو يناهضونها أو يرونها منافية لقيم محدودة أهميتها يروجونها أو يحيطون ذيوعها بمخاطر يدعونها، ولا يكون لها من وضوحها وواقعها، ما يبرر القول بوجودها.

وحيث إن المشرع، وكلما تدخل بلا ضرورة، لتقييد عرض آراء بذواتها بقصد طمسها أو التجهيل بها بالنظر إلى مضمونها Content - based abridgments، كان ذلك إصماتا مفروضا بقوة القانون في شأن موضوع محدد انتقاه المشرع انحيازا، مائلا بالقيم التي تحتضنها حرية التعبير عن متطلباتها التي تكفل تدفق الآراء وانسيابها بغض النظر عن مصدرها أو محتواها، ودون ما اعتداد بمن يتلقونها أو يطرحونها، وبمراعاة أن الحق في الحوار العام، يفترض تساويها في مجال عرضها وتسويقها.

وحيث إن إكراه البعض على القبول بآراء يعارضونها أو تبنيها، لا يقل سوءاً عن منعهم من التعبير عن آراء يؤمنون بها أو يدعون إليها، وهو ما يعنى أن الحمل على اعتناق بعض الآراء، أو إقماع غيرها، سوءتان تناقضان مفهوم حوار يقوم على عرض الأفكار وتبادلها والإقناع بها. كذلك فإن موضوعية الحوار - وعلى الأخص كلما كان بناء - شرطها شفافية العناصر التي يدور الجدل حولها، بما يحول دون حجبها أو تشويهها أو تزييفها.

وتعلق مفهوم الحوار بالقبول بآراء أو برفضها بعد موازنتها ببعض، وعلى ضوء حقائقها وحكم العقل بشأنها، مؤداه أن كل أقوال يكون بها الحوار منتفيا، كتلك التي تحرض على استعمال القوة استثارة لنوازع العدوان عند من يتلقونها، وإضرارا بالآخرين، لا يجوز أن تتخذ من حرية التعبير سندا، تقديرا بأن مفهوم عرض الآراء والأفكار من أجل تقييمها - على ضوء صحتها أو بهتانها - منحسر عنها، فضلا عن اقترانها بمضار لا يجوز القبول بها.

وحيث إن حق الاقتراع، يعتبر كذلك صورة من صور التعبير عن الآراء من خلال إدلاء من ينضمون إلى تنظيم معين - سواء كان شكل تجمعهم سياسيا أو نقابيا - بأصواتهم التي يبلورون بها إرادة اختيار ممثليهم، فلا يكون لأيهم إلا صوتا واحدا، متكافئا ثقلا مع غيره، كافلا الصفة التمثيلية للمنظمة التي ينتمون إليها، مؤثرا في تكوينها وطرائق عملها، محددا رسالتها والقائمين على تنفيذها.

وحيث إن حرية التعبير - في مضمونها الحق - تفقد قيمتها إذا جحد المشرع حق من يلوذون بها في الاجتماع المنظم، وحجب بذلك تبادل الآراء في دائرة أعرض، بما يحول دون تفاعلها وتصحيح بعضها البعض، ويعطل تدفق الحقائق التي تتصل باتخاذ القرار، وكذلك تشكيل روافد الشخصية الإنسانية التي لا يمكن تنميتها إلا في شكل من أشكال الاجتماع. بل إن حرية القول والصحافة والعقيدة وتقديم العرائض، لا يمكن ضمانها ضماناً كافيا، إلا عن طريق اجتماع تتكتل فيه الجهود للدفاع عن مصالح بذاوتها، يكون صونها لازما لإثراء ملامح من الحياة يراد تطويرها اجتماعيا أو اقتصاديا أو سياسيا، بما يكفل تنوع مظاهرها واتساع دائرتها من خلال تعدد الآراء التي تطرح على مسرحها.

وحيث إن الدستور كفل لكل مواطن حق الاقتراع وفقا للشروط التي يحددها المشرع بما لا يجاوز فحواه. ويفترض ذلك ألا يكون هذا الحق مثقلا بقيود يفقد معها الناخبون أصواتهم من خلال تشويهها، أو إبدالها، أو التأثير في تساويها وزنا، وتعادلها أثرا ولا أن تكون الحملة الانتخابية محدودة آفاقها ولا أن تعاق قنواتها إلى الحقائق التي تريد النفاذ إليها، ولا أن يحد المشرع من اتساع قاعدة الاختيار بين من يرشحون أنفسهم لخوضها، فلا ينقل المبعدون عنها رسالتهم إلى من يعنيهم أمرها من الناخبين، بما يقلص من فرص الاختيار التي يحددون بها من يكون - في تقديرهم - أجدر بالدفاع عن مصالحهم، وأدنى إلى الظفر بثقتهم.

وحيث إن من المقرر كذلك، أن حق المرشحين في الفوز بعضوية المجالس التي كفل الدستور والقانون صفتها التمثيلية، لا ينفصل عن حق الناخبين في الإدلاء بأصواتهم لاختيار من يثقون فيه من بينهم. إذ هما حقان مرتبطان يتبادلان التأثير فيما بينهما. ولا يجوز بالتالي أن تفرض على مباشرة أيهما تلك القيود التي لا تتصل بتكامل العملية الانتخابية وضمان مصداقيتها أو بما يكون كافلا إنصافها، وتدفق الحقائق الموضوعية المتعلقة بها، بل يجب أن تتوافر لها بوجه عام أسس ضبطها، بما يصون حيدتها.

وحيث إن النظم الانتخابية جميعها، غايتها أن يكون التمثيل وفقا لأحكامها متكافئا وعرض المرشحين لأرائهم والدفاع عنها متوازنا وانتسابهم إلى منظمة بذاتها مؤشرا على افتراض دعمهم لأهدافها وإعلانهم مصادر تمويل حملتهم الانتخابية، ومعدل الإنفاق فيها أمينا مؤكدا مشروعيتها وتنظيم المشرع زمن حملتهم هذه ومكان إجرائها، مقصورا على ضبطها، وبعيدا عن حرمانهم من التعبير عن آرائهم أو تقييد مضمونها.

وحيث إن كل تنظيم تشريعي ينال من فرص الناخبين في الإدلاء بأصواتهم لا يقل سوءا عن حرمان بعضهم أصلا - ودون مسوغ - من حق الاقتراع. كذلك فإن الشروط التي يفرضها المشرع محددا على ضوئها - ودون أسس موضوعية - من يكون مقبولا من المرشحين الذين يخوضون الحملة الانتخابية، تنعكس سلبا على فرص تعبير الناخبين عن رغباتهم من خلال أصواتهم، فلا يكون لها فعاليتها في شأن اختيار من يطمئنون إليهم، وعلى الأخص في إطار نظم نقابية تتعدد حلقاتها، وتتدرج مستوياتها، وتكفل اتصال بعضها ببعض بما يصون ترابطها.

وحيث إن المادتين 33 و34 من قانون النقابات العمالية تدلان على أن كل منظمة نقابية وإن كان لها كيانها الخاص، إلا أن اتصالها ببعضها تؤكد تكامل بنيانها جميعا فالجمعية العمومية للنقابة العامة تتكون من ممثلي اللجان النقابية لمجموعات المهن أو الصناعات التي تضمها هذه النقابة على مستوى الجمهورية. وتتكون الجمعية العمومية للاتحاد العام لنقابات العمال من ممثلي النقابات العامة المشار إليهم في المادة 32 من هذا القانون، بما مؤداه اتصال فرص الفوز بعضوية اللجنة النقابية - وهي قاعدة البنيان النقابي - بالتمثيل أو التأثير في المنظمة النقابية التي تعلوها.

وحيث إن المادة 36 "ج" من قانون النقابات العمالية، تشترط فيمن يرشح نفسه لعضوية مجلس إدارة منظمة نقابية، انقضاء سنة على عضويته بالنقابة وكان هذا الشرط مرددا كذلك بالبند الثاني من المادة 6 من قرار وزير القوى العاملة رقم 146/1996 بشأن إجراءات الترشيح والانتخاب لتشكيلات المنظمات النقابية العمالية - المطعون عليه - ولا يندرج تحت الشروط التي تطلبتها المادة 19 من القانون ذاته فيمن يكون عضوا بالمنظمة النقابية وكان حق العامل في مباشرة الحقوق التي تقتضيها ديموقراطية العمل النقابي - اقتراعا وترشيحا - يرتبط أصلا بتوافر شروط عضويته في المنظمة النقابية التي ينتمي إليها، إذ يعتبر باستكمال هذه الشروط منتسبا إليها، ومسهما في مباشرة نشاطها وتحقيق أهدافها وكانت ديموقراطية العمل النقابي هي التي تطرح - بوسائلها وتوجهاتها - نطاقا للحماية يكفل للقوى العاملة مصالحها الرئيسية، ويبلور إرادتها، وينفض عنها عوامل الجمود التي تعطل حيويتها، وبها تستقل الحركة النقابية بذاتيتها ومناحي نشاطها وكان تعدد الآراء داخل كل منظمة نقابية وتفاعلها، قاعدة لكل تنظيم ديموقراطي، لا يقوم إلا بها، ولا يتم الحوار المفتوح إلا في نطاقها وبدونها يفقد الحق في الاجتماع مغزاه وكان الشرط المطعون عليه يقيد من حرية تبادل الآراء، ومن فرص اختيار العمال لمرشحيهم من دائرة أعرض، ومن الأسس الديموقراطية للعمل النقابي، ويحيل حق الاجتماع عبثا، فإنه بذلك يكون مخالفا لأحكام المواد 47 و54 و56 من الدستور.

وحيث إن ما ينعاه المدعيان من مخالفة المادة 41 من قانون النقابات العمالية للدستور، مردود أولا: بأن حكمها يتعلق بتنظيم العملية الانتخابية من جهة زمنها وإجراءاتها، بما لا ينال من الحقوق التي تتصل بالمنظمة النقابية، أو تلك التي ترتبط بإدلاء أعضائها بأصواتهم، وعلى الأخص في مجال تحديد المنظمة النقابية لأهدافها، واختيار من تراه أجدر بالدفاع عنها.

ومردود ثانيا: بأن حكمها في شأن تنظيم العملية الانتخابية، كافل لحيدتها وموضوعيتها، ذلك أن اختيار عمال المنظمة النقابية - من خلال أصواتهم - لمن يتوسمون فيه النضال من أجلهم، إنما يتم من خلال لجان يرأسها أعضاء من الهيئات القضائية من درجة قاض أو ما يعادلها، فلا يكون إشرافهم عليها بعيدا عن مراقبة صحة إجراءاتها، على ضوء حكم الدستور والقانون بشأنها.

ومردود ثالثا: بأن الاتحاد العام لنقابات العمال يمثل قمة البنيان النقابي، وقد أسند إليه المشرع - وباعتباره كذلك - الاختصاص بتحديد زمن العملية الانتخابية وإجراءاتها، فلا يعكس قرار الوزير المختص غير هذا التحديد بالصورة التي وافق عليها الاتحاد.

وحيث إن اختصاص الاتحاد العام لنقابات العمال - وعلى ما تنص عليه المادة 61 من قانونها - في شأن إقراره نظاما نموذجيا تتخذه المنظمات النقابية أساسا لوضع لوائحها التي تصدر بعدئذ بقرار من الوزير المختص، لا مخالفة فيه كذلك للدستور، ذلك أن الوزير المختص لا يقيد المنظمة النقابية في شأن يتعلق بمضمون لوائحها، وإنما يصادق على القواعد التي تحتويها دون تعديل لها، وهو بذلك لا يحل محلها فيما تراه أفضل لإدارة شئونها.

وحيث إن المادتين 41 و61 من قانون النقابات العمالية لا تتعارضان مع الدستور من أوجه أخرى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية البند ج من المادة 36 من قانون النقابات العمالية الصادر بالقانون رقم 35 لسنة 1976 وبسقوط ما يقابله من الأحكام التي نص عليها البند الثاني من المادة السادسة من قرار وزير القوى العاملة رقم 146 لسنة 1996 بشأن إجراءات الترشيح والانتخاب لتشكيلات المنظمات النقابية العمالية، ورفضت ماعدا ذلك من الطلبات، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

 

العودة للصفحة الرئيسية