المحكمة الدستورية العليا المصرية

 

قضية رقم 76 لسنة 22 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"

مبادئ الحكم:  دستور - دعوى دستورية - ضرائب - مبدأ المساواة - مبدأ تكافؤ الفرص

نص الحكم

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد 7 يوليه سنة 2002 م، الموافق 26 ربيع الآخر سنة 1423 هـ

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ محمد فتحي نجيب

رئيس المحكمة

والسادة المستشارين/ عبد الرحمن نصير وماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور وعلي عوض محمد صالح ومحمد عبد العزيز الشناوي

أعضاء

وحضور السيد المستشار/ سعيد مرعي عمرو

رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن

أمين السر

أصدرت الحكم الآتي

في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 76 لسنة 22 قضائية "دستورية".

المقامة من

السيد/ ...

ضد

1- السيد رئيس الجمهورية

2- السيد رئيس مجلس الشعب

3- السيد رئيس مجلس الوزراء

4- السيد وزير المالية

الإجراءات

بتاريخ الخامس عشر من شهر أبريل سنة 2000، أودع المدعي قلم كتاب المحكمة صحيفة الدعوى الماثلة، طالبا الحكم بعدم دستورية القرار بقانون رقم 168 لسنة 1998 المتضمن تعديل الفقرة الثالثة من المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا رقم 48 لسنة 1979.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.

وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها.

ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.

حيث إن الوقائع على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق تتحصل في أن المدعى كان قد أقام الدعوى رقم 457 لسنة 1999 مدني أمام محكمة بندر شبين الكوم بطلب الحكم برد مبلغ مقداره 40,765 جنيه قيمة ما أداه كضريبة على مرتبات العاملين بالخارج. وقال بيانا لدعواه أنه سدد خلال أعوام 1996، 1997، 1998 المبلغ المذكور ضريبة عن أجره الذي تقاضاه بدولة الإمارات العربية إبان فترة إعارته إليها، وعقب صدور حكم المحكمة الدستورية العليا بجلسة 2/1/1999 في الدعوى رقم 43 لسنة 17 قضائية بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون رقم 208 لسنة 1994 بفرض ضريبة على أجور ومرتبات العاملين المصريين في الخارج وبسقوط باقي نصوصه الأخرى، فإن تحصيل ذلك المبلغ يكون قد تم بدون وجه حق، بما يرتب أحقيته في استرداده. ولدى تداول الدعوى بالجلسات أمام محكمة الموضوع، طلبت هيئة قضايا الدولة الحكم برفض الدعوى إعمالا لما ورد بالقرار بقانون رقم 168 لسنة 1998 بتعديل حكم الفقرة الثالثة من المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا رقم 48 لسنة 1979، فدفع المدعى بعدم دستورية القرار بقانون المذكور، وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية، فقد أقام الدعوى الماثلة.

وحيث إن نص الفقرة الثالثة من المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، بعد تعديلها بالقرار بالقانون رقم 168 لسنة 1998 يجرى كالآتي: "ويترتب على الحكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة عدم جواز تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم ما لم يحدد الحكم لذلك تاريخا أسبق، على أن الحكم بعدم دستورية نص ضريبي لا يكون له في جميع الأحوال إلا أثر مباشر، وذلك دون إخلال باستفادة المدعي من الحكم الصادر بعدم دستورية هذا النص.".

وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة وهي شرط قبول الدعوى الدستورية مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية مؤثرا في الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. إذ كان ذلك، وكان النزاع الموضوعي المردد يدور حول أحقية المدعي في استرداد ما سدده من ضريبة على مرتبات المصريين العاملين في الخارج، فإن القضاء في شأن دستورية ما تضمنه القرار بقانون رقم 168 لسنة 1998 المطعون فيه من ترتيب أثر مباشر للحكم بعدم دستورية نص ضريبي، يوفر للمدعي مصلحة شخصية مباشرة في الدعوى الماثلة مما يتعين معه قبولها.

وحيث إن المدعي ينعى على القرار بقانون المطعون فيه، صدوره دون مراعاة الضوابط المحددة بالمادة 147 من الدستور، التي تجيز لرئيس الجمهورية إصدار قرارات لها قوة القانون إذا حدث أثناء غيبة مجلس الشعب ما يوجب الإسراع باتخاذ تدابير عاجلة، على أن تعرض تلك القرارات بقوانين على المجلس خلال خمسة عشر يوما من تاريخ صدورها أو في أول اجتماع له في حالة حله أو وقف جلساته، إلا أنه لم يتضح عرض القرار الطعين على مجلس الشعب في الموعد المحدد بما يصمه بمخالفة الدستور.

وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المستفاد من نص المادة 147 سالفة الذكر، أن الدستور وإن جعل لرئيس الجمهورية اختصاصا في إصدار قرارات تكون لها قوة القانون في غيبة مجلس الشعب، إلا أنه رسم لهذا الاختصاص الاستثنائي حدودا ضيقة تفرضها طبيعته، فأوجب لإعمال رخصة التشريع الاستثنائية أن يكون مجلس الشعب غائبا، وأن تعرض خلال هذه الغيبة ظروف تتوافر بها حالة تسوغ لرئيس الجمهورية سرعة مواجهتها بتدابير لا تحتمل التأخير إلى حين انعقاد مجلس الشعب باعتبار أن تلك الظروف هي مناط هذه الرخصة وعلة تقريرها، كما أوجبت الفقرة الثانية من المادة المذكورة عرض هذه القرارات بقوانين على مجلس الشعب خلال خمسة عشر يوما من تاريخ صدورها إذا كان قائما، أو في أول اجتماع له في حالة الحل أو وقف جلساته.

وحيث إن البين من المذكرة الإيضاحية للقرار بقانون المطعون فيه، أن تعديل الفقرة الثالثة من المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا رقم 48 لسنة 1979، تغيا مواجهة تداعيات إطلاق الأثر الرجعي لأحكام المحكمة الدستورية العليا في غير المسائل الجنائية، على ضوء ما تكشف من صعوبات متعددة في مجال التطبيق أبرزها الإخلال بمراكز قانونية طال استقرارها زمنا، وحرصا على تلافي هذه التداعيات وتحقيقا للموازنة بين متطلبات الشرعية الدستورية واعتبارات استقرار المراكز القانونية في المجتمع، فقد رؤي المبادرة بالتدخل التشريعي المذكور لمواجهة أية آثار تمس الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للبلاد، وتواكب هذا مع زيادة الحاجة إلى تخويل المحكمة الدستورية العليا سلطة تقرير الأثر الرجعى لبعض أحكامها تقريرا لظروف خاصة تحيط بطائفة مما تنظره من دعاوى دستورية. وإذا كان تقدير قيام الضرورة لا يخضع لمعيار ثابت، وإنما يتغير بتغير الظروف، وكانت الظروف قد اقتضت الإسراع بإصدار القرار بقانون رقم 168 لسنة 1998 لضرورات ملحة قوامها تحقيق توازن بين مصالح اقتصادية جوهرية للمجتمع واعتبارات العدالة، ومن ثم يكون رئيس الجمهورية إذ أصدر التشريع المذكور لم يجاوز سلطته في هذا الصدد. لما كان ذلك، وكانت الفقرة الثانية من المادة 147 من الدستور تقضي بعرض هذه القرارات بقوانين على مجلس الشعب، فإن الأمر يختلف بين ما إذا كان المجلس في عطلته السنوية العادية التي تتخلل دوري انعقاد متتابعين بذات الفصل التشريعي، أو إذا كان المجلس غير قائم سواء بالحل أو بوقف جلساته، ففي الحالة الأولى يتعين العرض خلال خمسة عشر يوما من تاريخ صدور القرارات بقوانين، وفي الحالة الثانية يجب عرضها في أول اجتماع للمجلس. متى كان ما تقدم، وكان القرار المطعون فيه قد صدر أثناء العطلة السنوية لمجلس الشعب، بما يقتضي عرضه على المجلس أثناء المدة المشار إليها، وهو العرض الذي يتم بإيداع القرارات بقوانين المجلس وإحالتها إلى اللجان المختصة لدراستها على أن تكون لها الأولوية على ما عداها من الأعمال وفقا لنص المادة 173 من اللائحة الداخلية للمجلس، وإذا كان الثابت من مضبطة الجلسة الثامنة لمجلس الشعب في دور الانعقاد العادي الرابع المعقودة يوم 5/12/1998 والتي تضمنت المناقشات الخاصة بالقرار بقانون الطعين، أن ذلك القرار بقانون قد صدر بتاريخ 10/7/1998 وأودع بمجلس الشعب في 11/7/1998 وأحيل إلى لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بذات التاريخ، وهو ما يتحقق به بدء العرض على المجلس، فإنه يكون قد استوفى أوضاعه التي يفرضها الدستور ويكون النعي في غير محله حريا بالرفض.

وحيث إن المدعي ينعى على القرار المطعون فيه إخلاله بمبدأ المساواة بعد أن استبعد من دائرة تطبيق الحكم الصادر بعدم دستورية أي نص ضريبي، جميع من أضيروا في الماضي، ورتب للحكم أثرا شخصيا يمتد إلى من طعن بعدم الدستورية دون سواه ممن يسري عليهم ذات النص، والذين يظلهم مركز قانونيا واحد، فضلا عن مخالفة العدالة الاجتماعية وهي أساس النظام الضريبي بما يناهض المواد 38 و40 و61 و119 من الدستور.

وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون المنصوص عليه في المادة 40 من الدستور وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة ليس مبدأ تلقينيا جامدا منافيا للضرورة العملية، ولا هو بقاعدة صماء تتأبى على صور التمييز المبرر، وإذ جاز للدولة أن تتخذ بنفسها ما تراه ملائما من تدابير لتنظيم موضوع محدد أو توقيا لخطر تقدر ضرورة رده، كان دفعها للضرر الأكبر بالضرر الأقل لازما، إلا أن ذلك لا ينبغي أن يكون مبررا لمسلك ينطوي على تمايز تعسفي بين المواطنين، ومن ثم يمكن أن تغاير السلطة التشريعية وفقا لمقاييس منطقية مبررة بين مراكز لا تتحدد معطياتها، أو تتباين فيما بينها في الأسس التي تقوم عليها. لما كان ذلك، وكان نص الفقرة الثالثة من المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا بعد تعديلها، جاء قاطعا في أن الحكم بعدم دستورية أي نص ضريبي يرتب أثرا مباشرا فقط، إلا أن النص المذكور قرن ذلك بعدم الإخلال باستفادة المدعي من الحكم الصادر بهذا الشأن، بما مؤداه إطلاق صفة المدعي لتشمل كل من اتصلت دعواه مستوفية أوضاعها القانونية بالمحكمة الدستورية العليا وقت صدور الحكم بعدم دستورية ذلك النص، وهو الإطلاق الذي يعصم النص من عدم الدستورية، وبذلك يكون المشرع قد مارس حقه في المغايرة بين مراكز اختلفت أسس قيامها، واتخذ ما يراه كفيلا بدرء أخطار تهدد مقومات المجتمع الاقتصادية، وإذا كان الدستور يؤسس النظام الضريبي على العدالة الاجتماعية وفقا للمادة 38، إلا أن هذه العدالة تتوخى بمضمونها التعبير عن القيم والمصالح الاجتماعية السائدة في مجتمع معين خلال فترة زمنية محددة، ومن ثم تتباين معانيها ومراميها تبعا لتغير الظروف والأوضاع، ويتعين بالتالي أن تتوازن علائق الأفراد ومصالحهم، بمصالح المجتمع في مجموعه، توصلا إلى عدالة حقيقية تتفاعل مع الواقع وتتجلى قوة دافعة لتقدمه، وإذا كان العدل مهيمنا على الضريبة التي توافرت لها قوالبها الشكلية وأسسها الموضوعية، فإن ذلك يشكل ضمانة توافر الحماية القانونية التي كفلها الدستور للمواطنين جميعا. وينبني على ما تقدم، أن ما أتخذه المشرع من تعديل للفقرة الثالثة من المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا كان سبيلا للحفاظ على مصالح الجماعة ومن ثم تنتفي عنه قالة مخالفة الدستور.

وحيث إن المدعي ينعى على القرار بقانون المطعون فيه مخالفة مفهوم العدل الذي يقوم عليه الأساس الاقتصادي للمجتمع، وإهدار مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين، وعدم حماية الحرية الشخصية والملكية الخاصة بما يخالف المواد 4 و8 و32 و34 و57 من الدستور.

وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن مفهوم العدل لا يمكن أن يبقى مطلقا ثابتا، ولكنه يتصف بالمرونة والتغير وفقا لمعايير الواقع الاجتماعي، وهو بذلك لا يعدو أن يكون نهجا منبسطا على أشكال الحياة، وازنا بالقسط الأعباء التي يفرضها المشرع على المواطنين، كما أن مبدأ تكافؤ الفرص الذي تكفله الدولة للمواطنين كافة وفقا لنص المادة 8 من الدستور يتصل في مضمونه على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة بالفرص التي تتعهد الدولة بتقديمها، فلا يثور إعماله إلا عند التزاحم عليها، وغاية الحماية الدستورية لتلك الفرص هي تقرير أولوية في مجال الانتفاع بها تتحدد وفقا لأسس موضوعية يقتضيها الصالح العام، بما مؤداه أن إعمال هذا المبدأ في نطاق تطبيق القرار بقانون المطعون فيه يكون منتفيا، إذ لا صلة له بفرص يجري التزاحم عليها. لما كان ذلك، وكانت الملكية الخاصة التي كفل الدستور صونها ليست حقا مطلقا وإنما تباشر وظيفة اجتماعية ينظم القانون أدائها، حتى تعمل في خدمة الاقتصاد القومي، وتلتزم بمراعاة المصلحة العامة عند مباشرة المكنات التي ينتجها حق الملكية. متى كان ما تقدم، وكان الاعتداء الذي يمنع الدستور وقوعه على الحرية الشخصية، هو كل ما من شأنه تقييدها أو المساس بها في غير الحالات التي يقرها القانون، فإن القرار بقانون الطعين إذ لم ينطو على إخلال بمفهوم العدل، أو إهدار لمبدأ تكافؤ الفرص، كما نأى عن التعدي على الحرية الشخصية أو الملكية الخاصة، فلا يعد للنعي عليه بخالفة الدستور أي أساس.

وإذا كان القرار بقانون المطعون عليه لا يخالف أي نص دستوري آخر، فإنه يتعين رفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى وبمصادرة الكفالة وألزمت المدعي المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

 

 

العودة للصفحة الرئيسية