المحكمة الدستورية العليا المصرية

 

قضية رقم 73 لسنة 19 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"

مبادئ الحكم: الرقابة على دستورية القوانين - قانون

نص الحكم

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت 7 فبراير سنة 1998 م، الموافق 10 شوال سنة 1418 هـ

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر

رئيس المحكمة

والسادة المستشارين/ الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين ومحمد ولي الدين جلال ونهاد عبد الحميد خلاف وفاروق عبد الرحيم غنيم وحمدي محمد علي وعبد الرحمن نصير

أعضاء

وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي علي جبالي

رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد/ حمدي أنور صابر

أمين السر

أصدرت الحكم الآتي

في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 73 لسنة 19 قضائية "دستورية". بعد أن أحالت محكمة الإسكندرية الابتدائية ملف الدعوى رقم 1679 لسنة 1995.

المقامة من

1- السيد/ ...

2- السيد/ ...

ضد

1- السيد/ وزير الأوقاف بصفته الرئيس الأعلى لهيئة الأوقاف المصرية

2- السيد/ رئيس اللجنة القضائية بمنطقة الأوقاف بالإسكندرية

3- السيد/ رئيس مجلس الوزراء

4- السيد/ رئيس مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية

الإجراءات

بتاريخ الرابع عشر من إبريل سنة 1997 ورد إلى قلم كتاب المحكمة الحكم الصادر من محكمة الإسكندرية الابتدائية بجلسة 22 فبراير سنة 1997 في الدعوى رقم 1679 لسنة 1995 مدني كلي الإسكندرية والقاضي بوقف الدعوى وبإحالة أوراقها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في مدى دستورية نص المادة 12 من القانون رقم 43 لسنة 1982.

قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.

وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها.

ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.

حيث إن الوقائع - على ما يبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعيين كانا قد أقاما أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية دعواهما رقم 1679 لسنة 1995 ضد المدعى عليهم والتي طلبا فيها أصليا الحكم بإلغاء قرار اللجنة القضائية بمنطقة أوقاف الإسكندرية الصادر في 19/3/1995 واحتياطيا إعادة النظر في تقدير قيمة الأرض موضوع القرار التي صدر قرار اللجنة المشار إليها بقصد إنهاء الحكر عليها واستبدالها وندب خبير لتحقيق ذلك. وقالا شرحا لدعواهما أن التقدير المقرر من اللجنة لقيمة الأرض المحكرة يناقض مبدأ المعاملة بالمثل. وأثناء نظر هذه الدعوى دفع المدعيان بعدم دستورية نص المادة 12 من القانون رقم 43 لسنة 1982 في شأن إنهاء الأحكار على الأعيان الموقوفة. بيد أن محكمة الموضوع تراءى لها أن النص المطعون عليه صدر في شأن أحكار تقرر إنهاؤها قبل العمل بالقانون المشار إليه، وصار بذلك متضمنا أثرا رجعيا بما يناقض نص المادة 187 من الدستور مما يقتضي وقف الدعوى مع إحالة أوراقها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية المادة 12 المطعون عليها.

وحيث إن المادة 12 من القانون رقم 42 لسنة 1982 المطعون عليها تقضي بما يأتي: "يتبع في شأن الأحكار التي صدرت قرارات بإنهائها قبل العمل بهذا القانون، الإجراءات المنصوص عليها في المواد السابقة، وذلك فيما عدا الأحكار التي تمت إجراءاتها نهائيا وقام المحتكر بسداد الثمن أو معجلة، ويتم في هذه الحالة الاستبدال بعقد يوقعه وزير الأوقاف أو من ينيبه في ذلك".

وحيث إن الرقابة القضائية التي تباشرها هذه المحكمة في شأن الشرعية الدستورية، لا تستقيم موطئا لإبطال نصوص قانونية يحتمل مضمونها تأويلا يجنبها الوقوع في حمأة المخالفة الدستورية، ذلك أن هذه المحكمة إنما تباشر رقابتها لضرورة تقتضيها، وهي تكون كذلك كلما كانت النصوص المطعون عليها عصية على كل تفسير يوائم بين مضمونها وأحكام الدستور.

وحيث إن الأصل في النصوص القانونية هو سريانها بأثر مباشر، تقديرا لخطورة الآثار التي تحدثها رجعيتها - وهي لا تجوز في غير المسائل الجنائية - في محيط التعامل، وإخلالها باستقراره، وبما نشأ متصلا به من الحقوق. ومن ثم كان تقرير الأثر الرجعي لعمل تشريعي استثناء من السريان المباشر للقواعد القانونية. يتقيد بالضرورة بالحدود الضيقة للمسائل التي انبسط عليها، ويعتبر مشروطا بموافقة أغلبية أعضاء السلطة التشريعية في مجموعهم - لا أغلبية الحاضرين منهم - عليه، وذلك بعد إدراكهم لأبعاده، ووقوفهم على فحواه، فلا يكون قبولهم بالأثر الرجعي مظنونا، بل ثابتا على وجه قطعي.

وحيث إن المشرع كان قد أصدر عدة قوانين في شأن إنهاء الأحكار على الأعيان الموقوفة، متوخيا تصفية آثارها، بالنظر إلى وطأة القيود التي تفرضها على الأعيان موضوعها كي تعود إلى من يملكون رقبتها، عناصر الملكية التي مزقتها هذه الأحكار، والتي تتمثل في استحواذ المحتكرين على الأعيان محلها، وتسلطهم على مختلف أوجه الانتفاع بها، وانفرادهم بثمارها لآماد تمتد زمنا بعيدا، تظل خلالها عملا وقانونا في أيديهم مع توارثها، غير مقيدين في ذلك كله إلا بأداء أجر مثلها، وبشرط أن تكون الأعمال التي يجرونها فيها - سواء بالبناء أو الغراس بها - من شأنها إصلاحها أو تحسينها بعد تخربها.

وليس أدل على ثقل القيود التي تفرضها الأحكار على الملكية، من أن القانون المدني اعتبرها حقا عينيا أصليا. بل إن البعض وصفها بأنها ملكية فوق الملكية الأصلية تتداخل معها وتعطلها.

وحيث إن الأحكار مأخوذة أحكامها أصلا من الشريعة الإسلامية التي شرعتها لتعمير أعيان تم وقفها، وليس بيد ناظرها من غلتها ما يكفي لإصلاحها؛ وكان استبدالها متعثرا كذلك؛ ولا يوجد من يطلبها بأجرة تغلها للإنفاق منها على ما يعمرها.

إلا أن تطور الأوضاع الاقتصادية، أسفر عن إمكان تعمير هذه الأعيان، ويسر استبدالها، خلال مدة أقصر من تلك التي كانت الأحكار تمتد إليها قبل صدور القانون المدني، مما حمل المشرع على أن يقرر في شأن الأحكار، قواعد قانونية تقلص من دورها حدا من انتشارها · فلم يجز أن يكون الحكر بأقل من أجرة المثل، ولا دائميا، بل حده بمدة لا تزيد على ستين سنة، ولضرورة أو مصلحة، وبإذن من المحكمة الابتدائية التي تقع في دائرتها الأعيان كلها أو أكثرها قيمة. وشرط ألا ينعقد عقد الحكر، إلا إذا كان موثقا بصورة رسمية، وجعل شهره من خلال التسجيل لازما سواء فيما بين المتعاقدين أو في مواجهة الأغيار. وحظر القانون المدني كذلك - واعتبارا من تاريخ العمل به - تقرير أحكار على أعيان غير موقوفة، مقلصا بذلك من دائرتها. بل إنه إمعانا في التضييق من حق الحكر قدر الإمكان، نص هذا القانون كذلك، على أن لمالك الرقبة في الحكر، حق الأخذ بالشفعة إذا بيع حق الحكر، ويثبت حق الأخذ بها كذلك، لكل مستحكر عند بيع الرقبة، توصلا لإنهاء حق الحكر عن طريق اتحاد الذمة.

وحيث إن من المقرر، أن القواعد القانونية التي صاغها القانون المدني في شأن الأحكار، لم تكن إلا تعبيرا عن السياسة التشريعية التي اختطها للحد منها أو إنهاء وجودها، وهو اتجاه عززه المشرع بقوانين متعاقبة، بدأها بالمرسوم القانون رقم 180 لسنة 1952 بإلغاء نظام الوقف على غير الخيرات، ناصا في مادته الأولى،على أن يعتبر منتهيا كل وقف لا يكون مصرفه في الحال خالصا لجهة من جهات البر، ومنهيا في مادته السابعة، ما يكون من الأحكار مرتبا على أرض انتهى وقفها وفقا لأحكام هذا القانون. وهو ما آل إلى حصر معظم الأحكار فيما يكون منها مقررا على أرض تعد وقفا خيريا. بيد أن بقاء الأحكار حتى في هذا النطاق - وما تفرضه على أعيانها من قيود خطيرة - حال دون استغلالها فيما يعود بالفائدة على أشكال وصور الخير التي يمكن أن ترصد عليها.

ومن ثم عنى المشرع بإصدار قوانين متعاقبة تتوخى تصفيتها خلال أجل معين. بيد أن الإخفاق حالفها بالنظر إلى تعدد اللجان التي تتولى عملية إنهاء الأحكار (لجنة التثمين، ثم لجنة الأحكار، ثم اللجنة العليا للأحكار) مما حمل المشرع على دمجها جميعا في لجنة واحدة هي اللجنة القضائية المنصوص عليها في المادة 5 من القانون رقم 43 لسنة 1982 المشار إليه، والتي اختصها بالفصل في جميع المنازعات الناشئة عن هذا القانون، مع جواز الطعن في قراراتها أمام المحكمة الابتدائية التي يقع في دائرتها العقار محل النزاع. وهو ما يؤكد حقيقة أن الأحكار بطبيعتها تتمحض عبئا ثقيلا على الملكية، وأن المشرع حرص على التخلص منها من خلال تنظيم خاص، وعلى ضوء قواعد ميسرة ارتآها كافية للفصل في الحقوق المتعلقة بها، وتسويتها بصفة نهائية.

وحيث إن الأصل في القواعد القانونية الإجرائية التي يسنها المشرع محددا بها وسائل اقتضاء الحقوق المتنازع عليها، أنها تتصل في عمومها بمراكز قانونية تقبل بطبيعتها التعديل والتغيير دون أن يرمى عمل المشرع بشأنها برجعية الأثر. ومن ثم كان سريانها بأثر مباشر في المسائل التي تناولتها.

وهذه هي القاعدة التي رددتها المادة الأولى من قانون المرافعات بنصها على سريان أحكام هذا القانون على ما لم يكن قد فصل فيه من الدعاوى أو تم من إجراءاتها قبل العمل به. لا استثناء من هذه القاعدة إلا في أحوال حددتها هذه المادة حصرا، هي تلك التي يكون فيها القانون الجديد معدلا لميعاد كان قد بدأ قبل العمل به؛ أو كان ملغيا أو منشئا لطريق طعن في شأن حكم صدر قبل نفاذه؛ أو كان معدلا لاختصاص قائم، وبدأ العمل به بعد استواء الخصومة للفصل في موضوعها.

وحيث إن قرار إنهاء الأحكار على الأعيان الموقوفة - وعلى ما جاء بالمذكرة الإيضاحية لمشروع القانون المطعون على مادته الثانية عشر - لا يعتبر متضمنا تحديدا نهائيا لمراكز من يملكون رقبتها، وكذلك من يحتكرونها، وإنما بداية لأعمال إجرائية تتصل حلقاتها بقصد الوصول في نهايتها إلى تقدير لثمن هذه الأعيان، وكذلك لقيمة ما عليها من بناء وغراس شغلها محتكروها بها تمهيدا لتحديد ما يستحقون من التعويض وفق الأحكام التي نص عليها هذا القانون، وكذلك إجراء الاستبدال في الحدود التي كفلها؛ وكان ذلك القانون قد صدر بعد أن ظهر أن عددا غير قليل من الأحكار لازال قائما، وأن تصفيتها لن تصل إلى منتهاها إلا في إطار قواعد إجرائية ميسرة تحيطها، هي تلك التي أتى بها هذا القانون بالنصوص التي تضمنها، والتي قرر سريانها بأثر مباشر في شأن الأحكار التي لم تستكمل بعد - ونهائيا - إجراءاتها، دون تلك التي أتمتها على ما جرى به النص المطعون فيه؛ وكان ذلك مؤداه أن ما قرره هذا النص من سريان التنظيم الإجرائي الجديد في شأن الأحكار التي لم تكتمل إجراءاتها دون غيرها بقصد الإسراع في تصفيتها بعد التخلص من الأوضاع الإجرائية السقيمة التي قارنتها من قبل، لا يتصل بحقوق موضوعية استقر أمرها، ولا بنزاع كان يدور حولها وصار منقضيا، وإنما بقواعد إجرائية ضبط المشرع بها استئداء هذه الحقوق، أحلها محل قواعد من جنسها لم تكتمل حلقاتها في شأن النزاع المتصل بها، فلا يكون تطبيق القواعد الإجرائية الجديدة في شأنها متضمنا أثرا رجعيا، بل متعلقا محلا بمراكز قانونية تقبل بطبيعتها التعديل والتغيير، بما لا مخالفة فيه لنص المادة 187 من الدستور.

وحيث إن النص المطعون فيه لا يتعارض مع حكم آخر في الدستور.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى.

 

 

العودة للصفحة الرئيسية