المحكمة الدستورية العليا المصرية

 

قضية رقم 39 لسنة 15 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"

مبادئ الحكم: حق التقاضي - دعوى دستورية - قانون - مبدأ المساواة

نص الحكم

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة في يوم السبت 4 فبراير سنة 1995 م، الموافق 4 رمضان 1415 هـ

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر

رئيس المحكمة

والسادة المستشارين/ الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير والدكتور عبد المجيد فياض ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور

أعضاء

وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي علي جبالي

رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد/ رأفت محمد عبد الواحد

أمين السر

أصدرت الحكم الآتي

في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 39 لسنة 15 قضائية "دستورية".

المقامة من

1- السيد/ محمد عامر حمدي الكاشف

2- السيد/ محسن عامر حمدي الكاشف

3- السيدة/ محاسن عامر حمدي الكاشف

ضد

1- السيد/ رئيس الوزراء

2- السيدة/ سنية ناصر عقيل زعيتر

الإجراءات

بتاريخ 23 ديسمبر سنة 1993 أودع المدعون صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالبين الحكم بعدم دستورية نص المادة السابعة من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية الصادرة بالمرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت في ختامها الحكم برفض الدعوى.

وبعد تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها.

وقد نظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمة

حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعى عليها الثانية أقامت الدعوى رقم 49 لسنة 1993 أمام محكمة العريش الجزئية للأحوال الشخصية "نفس" بطلب إشهاد وضبط وفاة زوجها مع تحديد نصيب كل وارث، قولا منها بأنها كانت زوجة للمرحوم/ عامر حمدي عمر الكاشف بموجب عقد شرعي والذي توفي بتاريخ 28 فبراير 1992 خلال فترة عدتها إثر تطليقها منه طلاقا رجعيا. وبتاريخ 27 يوليو سنة 1993 قضت تلك المحكمة في الدعوى المذكورة بتعديل الاعلام الشرعي الصادر في المادة 25 لسنة 1993 وراثات العريش، ليكون بتحقق وفاة المرحوم/ عامر حمدي عمر الكاشف بتاريخ 28 فبراير سنة 1992 وانحصار إرثه الشرعي في زوجته المطلقة المدعى عليها الثانية وفي المدعين "أولاده البلغ" كل بحسب نصيبه المحدد في هذا الحكم. وقد طعن المدعون على هذا الحكم بالتماس إعادة النظر رقم 64 لسنة 1993 أمام محكمة الموضوع ذاتها بطلب إلغاء الحكم موضوع الالتماس لما تضمنه من قضاء بأكثر مما طلبه الخصوم. وأثناء نظر الالتماس، دفع المدعون بعدم دستورية نص المادة السابعة من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع بعدم الدستورية، وصرحت للمدعين بإقامة دعواهم الدستورية، فقد أقاموا الدعوى الماثلة.

وحيث إن لائحة ترتيب المحاكم الشرعية والإجراءات المتعلقة بها الصادر بها المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931، قد بينت في مادتيها الخامسة والسادسة المنازعات التي تختص المحاكم الشرعية الجزئية بالحكم النهائي فيها، وكذلك تلك التي تختص بالفصل فيها بصفة ابتدائية، ثم اتبعتها بمادتها السابعة التي جرى نصها كالآتي:

"تختص المحاكم الشرعية الجزئية في سيوة والعريش والقصير والواحات الثلاث بالحكم في جميع المواد المنصوص عليها في المادتين السابقتين وفي جميع المواد الشرعية الأخرى التي هي من اختصاص المحاكم الابتدائية كما هو مبين في المادة الثامنة. ويكون حكمها في جميع ما ذكر غير قابل للطعن إلا بطريق المعارضة في الأحوال المنصوص عليها في الباب الرابع من الكتاب الرابع من هذه اللائحة".

وحيث إن القانون رقم 462 لسنة 1955 بإلغاء المحاكم الشرعية والمحاكم الملية وإحالة الدعاوى التي تكون منظورة أمامها إلى المحاكم الوطنية، وإن نص في مادته الثالثة عشرة على إلغاء بعض المواد التي تضمنتها لائحة ترتيب المحاكم الشرعية المشار إليها، إلا أن هذا الالغاء لم يشمل مادتها السابعة التي ظل حكمها قائما ونافذا إلى أن صدر القانون رقم 214 لسنة 1994 الذي نصت مادته الأولى على أن "تلغى المادة السابعة من المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 بشأن لائحة ترتيب المحاكم الشرعية والإجراءات المتعلقة بها، وعلى المحاكم الجزئية أن تحيل بدون رسوم ومن تلقاء نفسها ما يوجد لديها من دعاوى أصبحت من اختصاص المحاكم الابتدائية المختصة بمقتضى حكم الفقرة السابقة، وذلك بالحالة التي تكون عليها...".

وحيث إن من المقرر وعلى ما جرى به قضاء المحكمة الدستورية العليا أن مناط المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية وهي شرط قبولها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازما للفصل في الطلبات المرتبطة بها المطروحة على محكمة الموضوع.

وحيث إن إلغاء المشرع لقاعدة قانونية بذاتها، لا يحول دون الطعن عليها بعدم الدستورية من قبل من طبقت عليه خلال فترة نفاذها، وترتبت بمقتضاها آثار قانونية بالنسبة إليه تتحقق بإبطالها مصلحته الشخصية المباشرة. ذلك أن الأصل في تطبيق القاعدة القانونية هو سريانها على الوقائع التي تتم خلال الفترة من تاريخ العمل بها وحتى إلغائها. فإذا استعيض عنها بقاعدة قانونية أخرى، فإن القاعدة الجديدة تسري من الوقت المحدد لنفاذها ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها. وبذلك يتحدد النطاق الزمني لسريان كل من هاتين القاعدتين فما نشأ في ظل القاعدة القانونية القديمة من المراكز القانونية وجرت آثارها خلال فترة نفاذها يظل خاضعا لحكمها وحدها. إذ كان ذلك، وكان الطعن المقدم من المدعين بعدم دستورية المادة السابعة من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية السالف بيانها، قد توخى إبطال ما قررته من عدم جواز الطعن في الحكم الصادر من محكمة العريش الجزئية في الدعوى رقم 49 لسنة 1993 إلا بطريق المعارضة كي ينفتح أمامهم طريق الطعن في هذا الحكم استئنافيا، فإن مصلحتهم الشخصية المباشرة تنحصر في هذا النطاق ولا تتعداه.

وحيث إن المدعين ذهبوا إلى أن المشرع قد توخى بنص المادة السابعة من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية في شقها المطعون فيه أن يدفع عن المتقاضين مشاق انتقالهم من المناطق النائية التي حددها هذا النص إلى مقار المحاكم الابتدائية، حال أن هذا الاعتبار بات منتفيا إزاء تقدم وسائل الاتصال وسهولتها. ومن ثم يقع النص المطعون فيه مخالفا للمادتين 40، 68 من الدستور فيما تنص عليه أولاهما من أن المواطنين متكافئون أمام القانون، وما قررته ثانيتهما من أن تعمل الدولة على ضمان تقريب جهات القضاء من المتقاضين.

وحيث إن البين من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية - بعد تعديل أحكامها بمقتضى القانون رقم 462 لسنة 1955 المشار إليه - أن الطعن بالطرق العادية في الأحكام الصادرة في مسائل الأحوال الشخصية، غدا مقصورا على المعارضة فيها واستئنافها. متى كان ذلك، وكانت المادة 10 من هذه اللائحة تنص على أن الأحكام الابتدائية الصادرة من المحاكم الجزئية الشرعية يجوز استئنافها أمام المحاكم الشرعية الابتدائية، وذلك دون إخلال بحكم المادة 7 من هذه اللائحة، فإن المشرع بذلك يكون قد أورد حكم مادتها السابعة باعتباره استثناء من مادتها العاشرة، وهو استثناء أكدته المادة 304 من اللائحة المذكورة بما نصت عليه من أنه "يجوز للخصوم في غير الأحوال المستثناه بنص صريح في هذه اللائحة أن يستأنفوا الأحكام والقرارات الصادرة من المحاكم الجزئية أو المحاكم الكلية بصفة ابتدائية".

وحيث إن من المقرر أنه فيما عدا الأحوال التي تفصل فيها المحاكم الشرعية الجزئية في نزاع يدخل في إطار اختصاصها الانتهاء، ويكون قصر حق التقاضي في شأن المسائل التي فصل الحكم فيها على درجة واحدة، واقعا في إطار السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق، وفي الحدود التي يقتضيها الصالح العام، فإن الأصل في الأحكام التي تفصل بصفة ابتدائية في النزاع الموضوعي، هو جواز استئنافها، إذ يعتبر نظر النزاع على درجتين ضمانة أساسية للتقاضي لا يجوز حجبها عن المتخاصمين بغير نص صريح ووفق أسس موضوعية. بما مؤداه أن الخروج عليها لا يفترض. وذلك سواء نظر إلى الطعن استئنافيا في الأحكام الصادرة بصفة ابتدائية باعتباره طريقا محتوما لمراقبة سلامتها وتقويم اعوجاجها، أم كوسيلة لنقل النزاع برمته وبكامل العناصر التي يشتمل عليها إلى المحكمة الاستئنافية لتجيل بصرها فيه من جديد باعتبار أن حكما واحدا في شأن هذا النزاع لا يقدم ضمانا كافيا يرعى العدالة، ويضمن فعالية إدارتها وفقا لمستوياتها التي التزمتها الدول المتحضرة.

وحيث إن البين من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية أن المشرع بعد أن حدد في المادة 5 منها ما يدخل في إطار الاختصاص الانتهاء للمحاكم الشرعية الجزئية، وقرنها بالمادة 6 التي فصل بها ما يقع في نطاق اختصاصها الابتدائي، أفرد المحاكم الشرعية الجزئية في سيوة والعريش والقصير والواحات الثلاث بحكم خاص قصره عليها، وذلك بما نص عليه في المادة 7 من اختصاصها بالحكم في جميع المواد المنصوص عليها في المادتين السابقتين، وكذلك الفصل في جميع المواد الشرعية الأخرى التي هي من اختصاص المحاكم الابتدائية كما هو مبين في المادة الثامنة، وعلى أن يكون حكمها في جميع ما ذكر غير قابل للطعن إلا بطريق المعارضة.

وحيث إنه متى كان ذلك، وكان الحكم الصادر من محكمة العريش الجزئية في الدعوى رقم 49 لسنة 1993 قد فصل في نزاع يدخل في اختصاصها الابتدائي، وكان الأصل المقرر عملا بالمادة 10 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية هو جواز الطعن استئنافيا في الأحكام الابتدائية الصادرة من المحاكم الشرعية الجزئية "دون إخلال بحكم المادة 7 المشار إليها" فان هذا الاستثناء يكون قد استبعد أحكام المحاكم الشرعية الجزئية الواقعة في بعض الأماكن النائية التي حددتها المادة 7 من تلك اللائحة، من الطعن فيها استئنافيا على خلاف الأصل المقرر بالنسبة إلى غيرها من المحاكم التي تساويها في مرتبتها وتتكافأ معها في تشكيلها.

وحيث إن الدستور بما نص عليه في المادة 68 منه من حق كل مواطن في اللجوء إلى قاضيه الطبيعي انتصافا مما قد يقع عليه من عدوان، قد دل على أن هذا الحق في أصل شرعته من الحقوق المقررة للناس جميعا لا يتمايزون فيما بينهم في مجال النفاذ إليه، وإنما تتكافأ مراكزهم القانونية في سعيهم لرد الإخلال بالحقوق التي يدعونها ولتأمين مصالحهم التي ترتبط بها، بما مؤداه أن قصر مباشرة حق التقاضي على فئة من بينهم أو الحرمان منه في أحوال بذاتها، أو إرهاقه بعوائق منافية لطبيعته، إنما يعد عملا مخالفا للدستور الذي لم يجز إلا تنظيم هذا الحق وجعل المواطنين سواء في الإرتكان إليه، بما مؤداه أن غلق أبوابه دون أحدهم أو فريق منهم، إنما ينحل إلى إهداره ويكرس بقاء العدوان على الحقوق التي يدعيها.

وحيث إن الدساتير المصرية جميعها بدءا بدستور 1923 وانتهاء بالدستور القائم رددت جميعها مبدأ المساواة أمام القانون، وكفلت تطبيقه على المواطنين كافة باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعي، وعلى تقدير أن الغاية التي يستهدفها تتمثل أصلا في صون حقوق المواطنين وحرياتهم في مواجهة صور التمييز التي تنال منها أو تقيد ممارستها.

وأضحى هذا المبدأ في جوهره وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التي لا يقتصر نطاق تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور، بل يمتد مجال إعمالها كذلك إلى تلك التي كفلها المشرع للمواطنين في حدود سلطته التقديرية، وعلى ضوء ما يرتئيه محققا للصالح العام.

ولئن نص الدستور في المادة 40 منه على حظر التمييز بين المواطنين في أحوال بينتها هي تلك التي يقوم التمييز فيها على أساس الجنس والأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة، إلا أن إيراد الدستور لصور بذاتها يكون التمييز محظورا فيها، مرده وعلى ما استقر عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا أنها الأكثر شيوعا في الحياة العملية، ولا يدل البتة على انحصاره فيها، إذ لو صح ذلك لكان التمييز بين المواطنين فيما عداها جائزا دستوريا. وهو ما يناقض المساواة التي كفلها الدستور، ويحول دون إرساء أسسها وبلوغ غاياتها. وآية ذلك أن من صور التمييز التي أغفلتها المادة 40 من الدستور ما لا تقل عن غيرها خطرا سواء من ناحية محتواها أو من جهة الآثار التي ترتبها، كالتمييز بين المواطنين في نطاق الحقوق التي يتمتعون بها أو الحريات التي يمارسونها لاعتبار مرده إلى مولدهم أو مركزهم الاجتماعي أو انتمائهم الطبقي، أو ميولهم الحزبية أو نزعاتهم العرقية أو عصبيتهم القبلية أو إلى موقفهم من السلطة العامة أو إعراضهم عن تنظيماتها أو تبنيهم لأعمال بذاتها، وغير ذلك من أشكال التمييز التي لا تظاهرها أسس موضوعية تقيمها.

وحيث إن من المقرر أن صور التمييز المجافية للدستور وإن تعذر حصرها، إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق أو الحريات التي كفلها الدستور أو القانون، وذلك سواء بإنكار أصل وجودها أو تعطيل أو انتقاص آثارها بما يحول دون مباشرتها على قدم من المساواة الكاملة بين المؤهلين قانونا للانتفاع بها، وبوجه خاص على صعيد الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغير ذلك من مظاهر الحياة العامة. متى كان ذلك، وكان النص المطعون فيه قد مايز بين المتقاضين في مجال التداعي في شأن الحقوق التي يطلبونها - لا بناء على اعتبار يرتد إلى طبيعتها أو يتصل بتنظيم الحق في اقتضائها، بل ترتيبا على محال إقامتهم، ذلك أن اللائحة المشار إليها كفلت لكل متقاض لا يقيم في جهة من الأماكن التي حددها النص المطعون فيه حق الطعن استئنافيا في الأحكام الابتدائية الصادرة من المحاكم الشرعية الجزئية. فإن كان مقيما بها، فإن هذا الطريق من طرق الطعن يكون ممتنعا بالنسبة إليه. بما مؤداه استبعاد النص المطعون فيه لفئة بذاتها من المتقاضين من فرص الطعن المكفولة لسواهم رغم تماثلهم جميعا في مراكزهم القانونية، وتداعيهم في شأن الحقوق عينها. ومن ثم لا يكون هذا النص محمولا على أسس موضوعية، بل متبنيا تمييزا تحكميا منهيا عنه بنص المادة 40 من الدستور.

ولا ينال مما تقدم ما ذهبت إليه هيئة قضايا الدولة من أن الإخلال بمبدأ المساواة أمام القانون المنصوص عليه في المادة 40 من الدستور، ينافيه أن النص المطعون فيه ينحل إلى قاعدة قانونية عامة مجردة لا تقيم في مجال تطبيقها تمييزا بين المخاطبين بها باعتبار أنهم متكافئون فيما بينهم في مجال فرص الطعن التي أتاحتها، وكذلك تلك التي حجبتها. ذلك أن إعمال مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون رهن بالشروط الموضوعية التي يحدد المشرع على ضوئها المراكز القانونية التي يتكافأ أصحابها بها أمام القانون، على أن يكون مفهوما أن موضوعية هذه الشروط مرجعها إلى اتصال النصوص التي ترتبها بالحقوق التي تتناولها، بما يؤكد ارتباطها عقلا بها وتعلقها بطبيعة هذه الحقوق، ومتطلباتها في مجال ممارستها. ومجرد عمومية القاعدة القانونية وتجردها وإن كان لازما لإنفاذ أحكامها، إلا أن التمييز التشريعي المناقض لمبدأ المساواة أمام القانون، لا يقوم إلا بهذه القواعد ذاتها.

وحيث إن ما قررته هيئة قضايا الدولة من أن النص المطعون فيه قد توخى سرعة الفصل في القضايا التي تدخل في اختصاص المحاكم الشرعية الجزئية وفقا لحكمه، وكفل كذلك تقريب جهات القضاء من المتقاضين الذين يقيمون في الأماكن التي حددها، مردود بأن انفتاح طرق الطعن في الأحكام أو منعها لا يجوز من زاوية دستورية إلا وفق أسس موضوعية ليس من بينها مجرد سرعة الفصل في القضايا. كذلك فإن تقريب جهات القضاء من خلال محاكمها من المتقاضين، لا يتصور أن يتم بوجود مواقعها بعيدا عن فريق منهم ولا يجوز كذلك أن يكون معطلا لحقهم في فرص الطعن التي أتاحها المشرع لغيرهم ممن يتماثلون معهم في المركز القانوني. ذلك أن استواء طرق الطعن فيما بين هؤلاء وهؤلاء على مقتضى قاعدة قانونية واحدة، ضمانة اساسية للتقاضي يتكامل معها ولا يجبها التزام الدولة بأن تتخذ الوسائل التي تكفل تقريب جهات القضاء منهم.

وحيث إنه متى كان ما تقدم، فإن النص المطعون فيه يكون قد خالف المادتين 40، 68 من الدستور.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية المادة السابعة من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية الصادر بها المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931، وذلك فيما نصت عليه من عدم جواز الطعن إلا بطريق المعارضة في الأحكام الابتدائية الصادرة من المحاكم الشرعية الجزئية في سيوة والعريش والقصير والواحات الثلاث، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

 

 

العودة للصفحة الرئيسية