المحكمة الدستورية العليا المصرية

 

قضية رقم 308 لسنة 24 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"

مبادئ الحكم: تشريع - رسوم - دستور - ضرائب ورسوم - عدل - دستور - ملكية - دعوى دستورية - مصلحة مناطها - ضرائب - عدالة ضريبية - ملكية - كل أشكالها

نص الحكم

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد 11 يونيه سنة 2006 م، الموافق 15 من جمادى الأولى سنة 1427 هـ

برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مرعي

رئيس المحكمة

والسادة المستشارين/ ماهر البحيري وعلي عوض محمد صالح والدكتور حنفي علي جبالي ومحمد خيري طه وسعيد مرعي عمرو وتهاني محمد الجبالي

أعضاء

وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما

رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن

أمين السر

أصدرت الحكم الآتي

في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 308 لسنة 24 قضائية "دستورية".

المقامة من

1- السيد/ ...

2- السيد/ ...

ضد

1- السيد رئيس الجمهورية

2- السيد رئيس مجلس الشعب

3- السيد رئيس مجلس الوزراء

4- السيد وزير العدل

5- السيد رئيس اللجنة التشريعية بمجلس الشعب

6- السيد كبير كتاب محكمة بني سويف الابتدائية

الإجراءات

بتاريخ التاسع من شهر ديسمبر سنة 2002، أودع المدعيان صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، بطلب الحكم بعدم دستورية البند (ج) من ثانيا من المادة (75) من القانون رقم 90 لسنة 1944 بالرسوم القضائية ورسوم التوثيق في المواد المدنية.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.

وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها.

ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.

وحيث إن الوقائع على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق تتحصل في أن المدعيين كانا قد أقاما الدعويين رقمي 570، 572 لسنة 2000 كلي حكومة بني سويف ضد المدعى عليهما الرابع والسادس، بالاعتراض على أمري تقدير الرسوم رقمي 802 لسنة 2000، 805 لسنة 2000، الصادرين من قلم كتاب محكمة بني سويف الابتدائية، بتقدير رسم نسبي ورسم صندوق الخدمات، استنادا إلى التحريات عن القيمة الحقيقية للأرض محل عقد القسمة، المقضي بصحته ونفاذه بالحكم الصادر في الدعوى رقم 1455 لسنة 1997 مدنى كلي بني سويف. وقد أصدرت المحكمة حكما بتخفيض الرسوم المشار إليها، طعن الطرفان على هذا الحكم بالاستئنافين رقمي 598، 599 لسنة 40 ق. م، أمام محكمة استئناف بني سويف، وقد استند المدعى عليهما الرابع والسادس في استئنافهما إلى أن الأرض محل القسمة واقعة في ضواحي المدن، ومن ثم فإن المعول عليه في تقدير الرسوم هو القيمة الحقيقية للأرض، بعد التحري عنها عن طريق قلم الكتاب، إعمالا لحكم البند (ج) من (ثانيا) من المادة (75) من القانون رقم 90 لسنة 1944 المشار إليه، وبالتالي فإن تقدير قلم كتاب المحكمة جاء صحيحا مطابقا للواقع. وأثناء نظر الاستئنافين بعد ضمهما ليصدر فيهما حكم واحد دفع المدعيان بعدم دستورية نص البند (ج) سالف الإشارة، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية دفعهما، وصرحت لهما برفع دعواهما الدستورية، فقد أقاما الدعوى الماثلة.

وحيث إن المادة (75) من القانون رقم 90 لسنة 1944 بالرسوم القضائية ورسوم التوثيق في المواد المدنية تنص على أن "يكون أساس تقدير الرسوم النسبية على الوجه الآتي: أولا: ...؛ ثانيا: على قيم العقارات أو المنقولات المتنازع فيها، وفقا للأسس الآتية: (أ) ...، (ب) ...، (ج) بالنسبة للأراضي الزراعية الكائنة في ضواحي المدن، والأراضي الزراعية التي لم تفرض عليها ضريبة، والأراضي المعدة للبناء، والمباني المستحدثة التي لم تحدد قيمتها الإيجارية بعد، والمنقولات، يقدر الرسم مبدئيا على القيمة التي يوضحها الطالب، وبعد تحري قلم الكتاب عن القيمة الحقيقية، يحصل الرسم عن الزيادة".

وحيث إن من المقرر أن مناط المصلحة الشخصية في الدعوى الدستورية وهي شرط لقبولها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية مؤثرا في الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع؛ إذ كان ذلك، وكان النزاع الموضوعي يدور حول مغالاة قلم الكتاب في تقدير الرسوم النسبية، استنادا إلى التحريات عن القيمة الحقيقية للأراضي الزراعية الكائنة في ضواحي المدن، محل عقد القسمة، الصادر حكم بصحته ونفاذه، ومن ثم يتوقف الفصل في هذا النزاع على الحكم في الطعن على نص البند (ج) المشار إليه. وبالتالي تكون مصلحة المدعيين في الدعوى الدستورية الماثلة متوافرة، ويتحدد نطاقها فيما قرره النص من الأخذ بنظام التحري سالف الإشارة.

وحيث إن المدعيين ينعيان على النص المطعون عليه في النطاق المحدد سلفا إخلاله بالعدل الذي قرنه الدستور بكثير من النصوص التي تضمنها، بالنسبة للرسوم كالمواد (38، 119)، وإهداره الحماية التي كفلها الدستور للملكية الخاصة، بأخذه بنظام التحري، الذي يؤدي إلى نوع من المداهمة التي تفتقر لمبرراتها، وتحصيل رسوم تكميلية لم يتوقعها الممول، مخالفا بذلك أحكام المواد (32، 34) من الدستور.

وحيث إن مؤدى نص البند (ج) من (ثانيا) من المادة (75) من قانون الرسوم القضائية ورسوم التوثيق في المواد المدنية، أن الرسوم النسبية في الأحوال التي تقدر فيها على أساس قيمة العقار إنما تقدر مبدئيا بالنسبة للأراضي الزراعية الكائنة في ضواحي المدن وفق القيمة التي يوضحها الطالب، وأن إجراء التقدير على هذا النحو، لا يعني أن يصير نهائيا، بل يجوز إعادة النظر فيه من قبل قلم كتاب المحكمة، يتحرى عن القيمة الحقيقية للأراضي المشار إليها، بما مؤداه أن القيمة التي يوضحها الطالب، إنما تمثل حدا أدنى لقيمة العقار التي تحصل الرسوم النسبية على مقتضاها، وهي بعد قيمة يجوز تكملتها بما قد يظهر من زيادة فيها، لتنسب تلك الرسوم إليها.

وحيث إن الحماية التي فرضها الدستور للملكية الخاصة وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة تمتد إلى كل أشكالها، وتقيم توازنا دقيقا بين الحقوق المتفرعة عنها، والقيود التي يجوز فرضها عليها، فلا ترهق هذه القيود تلك الحقوق، بما ينال من محتواها، أو يقلص دائرتها، لتغدو الملكية في واقعها شكلا مجردا من المضمون، وإطارا رمزيا لحقوق لا قيمة لها عملا، فلا تخلص لصاحبها، ولا يعود عليه ما يرجوه منها إنصافا، بل تثقلها تلك القيود لتنوء بها، مما يخرجها عن دورها كقاعدة للثروة القومية التي لا يجوز استنزافها من خلال فرض قيود لا تقتضيها وظيفتها الاجتماعية، وهو ما يعني أن الملكية ينبغي أن توفر لها من الحماية ما يعينها على أداء دورها، ويكفل اجتناء ثمارها ومنتجاتها وملحقاتها، وبما يقيها تعرض الأغيار لها، سواء بنقضها أو بانتقاصها من أطرافها. ولم يعد جائزا بالتالي أن ينال المشرع من عناصرها، ولا أن يغير من طبيعتها، أو يجردها من لوازمها، ولا أن يفصلها عن بعض أجزائها، أو يدمر أصلها، أو يقيد من مباشرة الحقوق التي تتفرع عنها في غير ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية. ودون ذلك تفقد الملكية ضماناتها الجوهرية، ويكون العدوان عليها غصبا، أدخل إلى مصادرتها.

وحيث إن الدستور وإن قرن العدل بكثير من النصوص التي تضمنها، كالمواد (4، 23، 53، 57)، وخلا في الوقت ذاته من تحديد معناه، إلا أن مفهوم العدل يتغيا التعبير عن تلك القيم الاجتماعية التي لا تنفصل الجماعة في حركتها عنها، والتي تبلور مقاييسها في شأن ما يعتبر حقا لديها، فلا يكون العدل مفهوما مطلقا ثابتا باطراد، بل مرنا ومتغيرا وفقا لمعايير الضمير الاجتماعي ومستوياتها، وهو بذلك لا يعدو أن يكون نهجا متواصلا منبسطا على أشكال من الحياة تتعدد ألوانها، وازنا بالقسط تلك الأعباء التي يفرضها المشرع على المواطنين، فلا تكون وطأتها على بعضهم عدوانا، بل تطبيقها فيما بينهم إنصافا، وإلا صار القانون منهيا للتوافق في مجال تنفيذه، وغدا إلغاؤه لازما.

وحيث إن الأعباء التي يجوز فرضها على المواطنين بقانون أو في الحدود التي يبينها وسواء كان بنيانها ضريبة أو رسما أو تكليفا آخر هي التي نظمها الدستور بنص المادة (119)؛ وكانت المادة (38) من الدستور، وإن خص بها النظام الضريبي، متطلبا أن تكون العدالة الاجتماعية مضمونا لمحتواها، وغاية يتوخاها، فلا تنفصل عنها النصوص القانونية التي يقيم المشرع عليها النظم الضريبية على اختلافها، إلا أن الضريبة بكل صورها، تمثل في جوهرها عبئا ماليا على المكلفين بها، شأنها في ذلك شأن غيرها من الأعباء التي انتظمتها المادة (119) من الدستور، ويتعين بالتالي وبالنظر إلى وطأتها أن يكون العدل من منظور اجتماعي، مهيمنا عليها بمختلف صورها، محددا الشروط الموضوعية لاقتضائها، نائيا عن التمييز بينها دون مسوغ، فذلك وحده ضمان خضوعها لشرط الحماية القانونية المتكافئة التي كفلها الدستور للمواطنين جميعا في شأن الحقوق عينها، فلا تحكمها إلا مقاييس موحدة لا تتفرق بها ضوابطها.

وحيث إن البند (ج) من المادة (75) المطعون عليه في النطاق المحدد لم يضع معيارا، تحدد على أساسه قيمة الأراضي الزراعية الكائنة في ضواحي المدن، في الأحوال التي تحصل الرسوم النسبية على أساسها، معتدا فقط بالقيمة التي يوضحها الطالب. غير أنه لم يركن إلى ذلك، فاتخذ من الجباية منهاجا له، إذ عول على نظام التحري الذي يقوم به قلم الكتاب عن القيمة الحقيقية للأراضي المشار إليها، تمهيدا لإخضاع ما قد يظهر من زيادة في هذه القيمة لرسوم تكميلية، بعد الحكم في الخصومة القضائية، واستكمال إجراءاتها، دون أن يضع معايير دقيقة تنضبط بها أسس التقدير، متوخيا أن يوفر عن طريقها وعلى غير أسس موضوعية موارد للدولة تعينها على إشباع جانب من احتياجاتها، وهو ما يعني ملاحقتها للممولين من أجل استئدائها، تأمينا لمبلغها بعد أن أدرجها بموازنتها على ضوء توقعها الحصول عليها من خلال الرسوم القضائية وجنوحها بالتالي إلى المغالاة في تقدير رسومها، فكان طلب تلك الرسوم التكميلية من ذوي الشأن مصادما لتوقعهم المشروع، فلا يكون مقدارها معروفا قبل انعقاد الخصومة القضائية، ولا عبؤها ماثلا في أذهانهم عند التقاضي، فلا يزنون خطاهم على ضوء تقديرهم سلفا لها، ولا يعرفون بالتالي لأقدامهم مواقعها، بل يباغتهم قلم الكتاب بها، ليكون فرضها نوعا من المداهمة التي تفتقر لمبرراتها، وعدوانا على الملكية الخاصة من خلال اقتطاع بعض عناصرها دون مسوغ.

وحيث إنه على ضوء ما تقدم، يكون نظام التحري على إطلاقه المنصوص عليه في البند (ج) من (ثانيا) من المادة (75) مخالفا لأحكام المواد 32، 34، 38، 119، 120 من الدستور.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية نص البند (ج) من (ثانيا) من المادة (75) من القانون رقم 90 لسنة 1944 بالرسوم القضائية ورسوم التوثيق في المواد المدنية، فيما لم يتضمنه من وضع ضوابط وأسس موضوعية لنظام التحري عن القيمة الحقيقية للأراضي الزراعية الكائنة في ضواحي المدن، وتحصيل رسم عن الزيادة التي تظهر في هذه القيمة، مع إلزام الحكومة المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

 

 

العودة للصفحة الرئيسية