المحكمة الدستورية العليا المصرية

 

الدعوى رقم 28 لسنة 2 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"

مبادئ الحكم

 

ضوابط تخويل رئيس الجمهورية سلطة التشريع

وحيث إن سن القوانين عمل تشريعي تختص به الهيئة التشريعية التي تتمثل في مجلس الشعب طبقا للمادة 86 من الدستور. والأصل أن تتولى هذه الهيئة بنفسها سلطة التشريع على مقتضى القواعد المقررة من الدستور، إلا أنه نظرا لما قد يطرأ في غيبة مجلس الشعب من ظروف توجب سرعة مواجهتها بتدابير لا تحتمل التأخير، فقد أجاز الدستور لرئيس الجمهورية في تلك الحالات أن يصدر في شأنها قرارات لها قوة القانون. وقد حرص المشرع الدستوري على أن يضع لهذه السلطة الاستثنائية في التشريع من الضوابط والقيود ما يكفل عدم تحولها - إلى ممارسة تشريعية مطلقة، موفقا بذلك بين مقتضيات مبدأ الفصل بين السلطات وضمان مباشرة كل منها للمهام المنوطة بها، وبين الاعتبارات العملية الملحة التي تتطلب تخويل رئيس الجمهورية رخصة التشريع - على سبيل الاستثناء - لمواجهة تلك الظروف الطارئة حال غياب المجلس التشريعي المختص أصلا بذلك. من أجل ذلك نص الدستور في الفقرة الأولى من المادة 147 على أنه: "إذا حدث في غيبة مجلس الشعب ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير جاز لرئيس الجمهورية أن يصدر في شأنها قرارات تكون لها قوة القانون" وفي الفقرة الثانية على أنه: "ويجب عرض هذه القرارات على مجلس الشعب خلال خمسة عشرة يوما من تاريخ صدورها إذا كان المجلس قائما، وتعرض في أول اجتماع له في حالة الحل أو وقف جلساته، فإذا لم يعرض زال بأثر رجعى ما كان لها من قوة القانون دون حاجة إلى إصدار قرار بذلك وإذا عرضت ولم يقرها المجلس زال بأثر رجعى ما كان لها من قوة القانون إلا إذا رأى المجلس اعتماد نفاذها في الفترة السابقة أو تسوية ما ترتب على آثارها بوجه آخر".

وحيث إن المستفاد من هذا النص أن الدستور وأن جعل لرئيس الجمهورية اختصاصا في إصدار قرارات تكون لها قوة القانون في غيبة مجلس الشعب، إلا أنه رسم لهذا الاختصاص الاستثنائي حدودا ضيقة تفرضها طبيعته الاستثنائية، منها ما يتعلق بشروط ممارسته ومنها ما يتصل بمآل ما قد يصدر من قرارات استنادا إليه. فأوجب لإعمال رخصة التشريع الاستثنائية أن يكون مجلس الشعب غائبا وأن تتهيأ خلال هذه الغيبة ظروف تتوافر بها حالة تسوغ لرئيس الجمهورية سرعة مواجهتها بتدابير لا تحتمل التأخير إلى حين انعقاد مجلس الشعب باعتبار أن تلك الظروف هي مناط هذه الرخصة وعلة تقريرها. وإذ كان الدستور يتطلب هذين الشرطين لممارسة ذلك الاختصاص التشريعي الاستثنائي، فان رقابة المحكمة الدستورية العليا تمتد إليهما للتحقق من قيامهما، باعتبارهما من الضوابط المقررة في الدستور لممارسة ما نص عليه من سلطات، شأنهما في ذلك شأن الشروط الأخرى التي حددتها المادة 147 ومن بينها ضرورة عرض القرارات الصادرة استنادا إليها على مجلس الشعب للنظر في إقرارها أو علاج آثارها.

 

 

الدعوى رقم 28 لسنة 2 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"

نص الحكم

 

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة 4 مايو سنة 1985م.

برئاسة السيد المستشار/ محمد علي بليغ

رئيس المحكمة

وحضور السادة المستشارين: مصطفى جميل مرسي وممدوح مصطفى حسن ومنير أمين عبد المجيد ورابح لطفي جمعة ومحمد كمال محفوظ وشريف برهام نور.

أعضاء

وحضور السيد المستشار الدكتور/ أحمد محمد الحفني

المفوض

وحضور السيد/ أحمد علي فضل الله

أمين السر

أصدرت الحكم الآتي

في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 28 لسنة 2 قضائية "دستورية".

الإجراءات

بتاريخ 15 سبتمبر سنة 1980 وردت إلى قلم كتاب المحكمة دعوى رقم 29 لسنة 1980 ولاية على النفس البداري، بعد أن قضت محكمة البداري الجزئية للأحوال الشخصية في 2 سبتمبر سنة 1980 بوقف الدعوى وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في مدى دستورية القرار بقانون رقم 44 لسنة 1979. تعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية.

وقدمت إدارة قضايا الحكومة مذكرة طلبت فيها الحكم أصليا بعدم قبول الدعوى واحتياطيا برفضها.

وبعد تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.

ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، حيث التزمت هيئة المفوضين رأيها، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة مارس سنة 1985 وفي هذه الجلسة قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات والمداولة.

حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعية كانت قد أقامت الدعوى رقم 29 سنة 1980 ولاية على النفس البداري ضد زوجها المدعى عليه طالبة الحكم لها عليه بنفقة شرعية اعتبارا من أول نوفمبر 1979. وبجلسة 2 سبتمبر سنة 1980 قضت محكمة البداري الجزئية للأحوال الشخصية بوقف الدعوى وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في مدى دستورية القرار بقانون رقم 44 لسنة 1979 بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية.

وحيث إن الحكومة دفعت بعدم قبول الدعوى استنادا إلى أن قرار الإحالة جاء خلوا من بيان النص الدستوري المدعى بمخالفته خروجا على ما توجبه المادة 30 من قانون المحكمة الدستورية العليا.

وحيث إنه يبين من قرار الإحالة أن المحكمة استظهرت النصين الواجب تطبيقهما على واقعة الدعوى وهما المادة الأولى من القانون رقم 25 لسنة 1920 والمادة 16 من القانون رقم 25 لسنة 1929 المعدلتين بمقتضى المادتين الثانية والثالثة من القرار بقانون رقم 44 لسنة 1979 بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية، وقد تراءى للمحكمة عدم دستورية هذا التشريع في جملته لمخالفة المادتين 108 و147 من الدستور إذ لم يستند رئيس الجمهورية في إصداره إلى تفويض من مجلس الشعب يخوله هذه السلطة، كما أنه لم تتوافر عند إصداره في غيبة مجلس الشعب ظروف توجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير. لما كان ذلك، وكان ما أورده قرار الإحالة واضح الدلالة في بيان النص التشريعي المطعون بعدم دستوريته والنص الدستوري المدعى بمخالفته وأوجه المخالفة - على النحو الذي يتحقق به ما تغياه المشرع - في المادة 30 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، فان الدفع بعدم قبول الدعوى يكون في غير محله متعينا رفضه.

وحيث إن الدعوى استوفت أوضاعها القانونية.

وحيث إنه يبين من الاطلاع على القرار بقانون رقم 44 لسنة 1979 المطعون عليه، أنه استهدف معالجة الأوضاع المتعلقة بالأسرة وتنظيم استعمال الحقوق المقررة شرعا لأفرادها، فكان قوامه والباعث عليه ما يتصل بمسائل الأحوال الشخصية التي تدور جميعها في فلك واحد هو تنظيم شئون الأسرة فيما يتعلق بالزواج والطلاق والنفقة والحضانة، فقد نصت مادته الأولى على أن "تضاف إلى القانون رقم 25 لسنة 1929 مواد جديدة أرقام (5 مكررا)، (6 مكررا)، (6 مكررا ثانيا)، (18 مكررا)، (23 مكرر)" وتتضمن هذه المواد الأحكام الخاصة بكيفية توثيق الطلاق والإعلام بوقوعه وما يترتب على ذلك من آثار (5 مكررا) وأنه يعتبر إضرارا بالزوجة اقتران زوجها بأخرى بغير رضاها وإخفاء الزوج على الزوجة الجديدة أنه متزوج بسواها (6 مكرر) وبيان الآثار المترتبة على نشوز الزوجة (6 مكررا ثانيا) وتقرير نفقة متعة للزوجة عند طلاقها بدون رضاها (18 مكررا) واستحقاق نفقة الصغير على أبيه (18 مكررا ثانيا) وفرض عقوبات جنائية لمخالفة بعض أحكام هذا القانون (23 مكررا) ونصت المادة الثانية من القرار بقانون المطعون عليه على أن يستبدل بنص المادة (1) من القانون رقم 25 لسنة 1920 نص جديد يتضمن الأحكام الخاصة بشروط استحقاق نفقة الزوجة وأحوال سقوطها. وتقضى المادة الثالثة منه بأن يستبدل بنصوص المواد 7، 8، 9، 10، 11، 16، 20، من القانون رقم 25 لسنة 1929 النصوص المحددة في هذه المادة والتي تشتمل على الأحكام المتعلقة بإجراءات التحكيم عند وقوع الشقاق بين الزوجين (7، 8، 9، 10، 11) وبما يفرض على الزوج من نفقة مؤقتة لزوجته (16) وأحوال حضانة الصغار وأصحاب الحق فيها وشروطها (20). ثم نص القرار بقانون المشار إليه في مادته الرابعة على حق المطلقة الحاضنة في الاستقلال مع صغيرها بمسكن الزوجية المؤجر وشروط استعمال هذا الحق وتحديد الجهة المختصة بالفصل في الطلبات المتعلقة به والمنازعات التي تثور في شأنه، وأوجب في المادة الخامسة على المحاكم الجزئية أن تحيل إلى المحاكم الابتدائية الدعاوى التي أصبحت من اختصاصها بمقتضى أحكامه. وقضي في المادة السادسة بإلغاء كل من يخالف هذه الأحكام وانتهى في المادة السابعة والأخيرة إلى النص على نشر هذا القرار في الجريدة الرسمية وأن تكون له قوة القانون وأن يعمل به من تاريخ نشره.

وحيث إن نصوص الدستور تمثل القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم في الدولة، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها باعتبارها أسمى القواعد الآمرة وإهدار ما يخالفها من تشريعات. وهذه القواعد والأصول هي التي يرد إليها الأمر في تحديد ما تتولاه السلطة العامة من وظائف أصلية وما تباشره كل منها من أعمال أخرى استثناء من الأصل العام الذي يقضي بانحصار نشاطها في المجال الذي يتفق مع طبيعة وظيفتها. وإذ كانت هذه الأعمال الاستثنائية قد أوردها الدستور على سبيل الحصر والتحديد فلا يجوز لأي من تلك السلطات أن تتعداها إلى غيرها أو تجور على الضوابط والقيود المحددة لها، فيشكل عملها حينئذ مخالفة دستورية تخضع - متى انصبت على قانون أو لائحة - للرقابة القضائية التي عهد بها الدستور إلى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها، بغية الحفاظ على مبادئه وصون أحكامه من الخروج عليها.

وحيث إن سن القوانين عمل تشريعي تختص به الهيئة التشريعية التي تتمثل في مجلس الشعب طبقا للمادة 86 من الدستور. والأصل أن تتولى هذه الهيئة بنفسها سلطة التشريع على مقتضى القواعد المقررة من الدستور، إلا أنه نظرا لما قد يطرأ في غيبة مجلس الشعب من ظروف توجب سرعة مواجهتها بتدابير لا تحتمل التأخير، فقد أجاز الدستور لرئيس الجمهورية في تلك الحالات أن يصدر في شأنها قرارات لها قوة القانون. وقد حرص المشرع الدستوري على أن يضع لهذه السلطة الاستثنائية في التشريع من الضوابط والقيود ما يكفل عدم تحولها - إلى ممارسة تشريعية مطلقة، موفقا بذلك بين مقتضيات مبدأ الفصل بين السلطات وضمان مباشرة كل منها للمهام المنوطة بها، وبين الاعتبارات العملية الملحة التي تتطلب تخويل رئيس الجمهورية رخصة التشريع - على سبيل الاستثناء - لمواجهة تلك الظروف الطارئة حال غياب المجلس التشريعي المختص أصلا بذلك. من أجل ذلك نص الدستور في الفقرة الأولى من المادة 147 على أنه: "إذا حدث في غيبة مجلس الشعب ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير جاز لرئيس الجمهورية أن يصدر في شأنها قرارات تكون لها قوة القانون" وفي الفقرة الثانية على أنه: "ويجب عرض هذه القرارات على مجلس الشعب خلال خمسة عشرة يوما من تاريخ صدورها إذا كان المجلس قائما، وتعرض في أول اجتماع له في حالة الحل أو وقف جلساته، فإذا لم يعرض زال بأثر رجعى ما كان لها من قوة القانون دون حاجة إلى إصدار قرار بذلك وإذا عرضت ولم يقرها المجلس زال بأثر رجعى ما كان لها من قوة القانون إلا إذا رأى المجلس اعتماد نفاذها في الفترة السابقة أو تسوية ما ترتب على آثارها بوجه آخر".

وحيث إن المستفاد من هذا النص أن الدستور وأن جعل لرئيس الجمهورية اختصاصا في إصدار قرارات تكون لها قوة القانون في غيبة مجلس الشعب، إلا أنه رسم لهذا الاختصاص الاستثنائي حدودا ضيقة تفرضها طبيعته الاستثنائية، منها ما يتعلق بشروط ممارسته ومنها ما يتصل بمآل ما قد يصدر من قرارات استنادا إليه. فأوجب لإعمال رخصة التشريع الاستثنائية أن يكون مجلس الشعب غائبا وأن تتهيأ خلال هذه الغيبة ظروف تتوافر بها حالة تسوغ لرئيس الجمهورية سرعة مواجهتها بتدابير لا تحتمل التأخير إلى حين انعقاد مجلس الشعب باعتبار أن تلك الظروف هي مناط هذه الرخصة وعلة تقريرها. وإذ كان الدستور يتطلب هذين الشرطين لممارسة ذلك الاختصاص التشريعي الاستثنائي، فان رقابة المحكمة الدستورية العليا تمتد إليهما للتحقق من قيامهما، باعتبارهما من الضوابط المقررة في الدستور لممارسة ما نص عليه من سلطات، شأنهما في ذلك شأن الشروط الأخرى التي حددتها المادة 147 ومن بينها ضرورة عرض القرارات الصادرة استنادا إليها على مجلس الشعب للنظر في إقرارها أو علاج آثارها.

وحيث إنه يبين من الأعمال التحضيرية للقرار بقانون رقم 44 لسنة 1979 المطعون عليه أن الأسباب التي استندت إليها الحكومة في التعجيل بإصداره في غيبة مجلس الشعب، تتمثل فيما أوردته مذكرته الإيضاحية من "أن القانونين رقم 25 لسنة 1920 ورقم 25 لسنة 1929 الخاصين ببعض أحكام الأحوال الشخصية قد مضى على صدورهما قرابة خمسين عاما طرأ فيها على المجتمع كثير من التغيير المادي والأدبي التي انعكست آثارها على العلاقات الاجتماعية الأمر الذي حمل القضاء عبئاً كبيرا في تخريج إحكام الحوادث التي تعرض عليهم، وقد كشف ذلك عن قصور في بعض أحكام القوانين القائمة مما دعا إلى البحث عن أحكام الأحوال التي استجدت في حياة المجتمع المصري وذلك في نطاق نصوص الشريعة دون مصادرة أي حق مقرر بدليل قطعي لأي فرد من أفراد الأسرة بل الهدف من المشروع هو تنظيم استعمال بعض هذه الحقوق..." كما أنه عند عرض القرار بقانون (محل الطعن) على مجلس الشعب للنظر في إقراره، أفصح وزير الدولة لشئون مجلس الشعب عن ماهية الضرورة التي دعت إلى إصداره بقوله "ولا شك أن الضرورة تحتم استصدار قانون لتعديل الأحوال الشخصية... وقد طال الأمد على استصدار هذه القوانين، وطول الأمد واستطالة المدة هي حالة الضرورة، بل هي حالة الخطورة فالأسرة المصرية تنتظر هذا الإصلاح منذ عام 1905، واللجان تنعقد وتتعثر أعمالها ولكن دون جدوى ولائحة ترتيب المحاكم الشرعية، والقانونان اللذان يحكمان مجال الأسرة رقم (25) لسنة 1920 ورقم (25) لسنة 1929 كلاهما يحتاج إلى تعديل منذ صدورهما، أي منذ عامي 1920 و1929. أليس في هذا كله مدعاة لضرورة يقدرها ولى الأمر ليصدر قرارا ثوريا بإصلاح الأسرة؛ لو ترك الأمر لاقتراح قرار بقانون أو لمشروع بقانون وثارت حوله المناقشات وظل شهورا وسنين فأين هي الحاجة التي تدعو إلى تحقيق إصلاح الأسرة بقرار ثوري مثل القرار بقانون المعروض".

لما كان ذلك، وكانت الأسباب سالفة البيان. وحاصل مجرد الرغبة في تعديل قوانين الأحوال الشخصية بعد أن طال الأمد على العمل بها رغم ما أستجد من تغييرات في نواحي المجتمع وان جاز أن تندرج في مجال البواعث والأهداف التي تدعو سلطة التشريع الأصلية إلى سن قواعد قانونية جديدة أو استكمال ما يشوب التشريعات القائمة من قصور تحقيقا لإصلاح مرتجى إلا انه لا تتحقق بها الضوابط المقررة في الفقرة الأولى من المادة 147 من الدستور، ذلك أن تلك الأسباب - تفيد أنه لم يطرأ - خلال غيبة مجلس الشعب - ظرف معين يمكن أن تتوافر معه تلك الحالة التي تحل بها رخصة التشريع الاستثنائية التي خولها الدستور لرئيس الجمهورية بمقتضى المادة 147 المشار إليها ومن ثم فان القرار بقانون رقم 44 لسنة 1979 - إذ صدر استنادا إلى هذه المادة، وعلى خلاف الأوضاع المقررة فيها، يكون مشوبا بمخالفة الدستور.

وحيث إنه لا ينال مما تقدم ما أثارته الحكومة من أن تقدير الضرورة الداعية لإصدار القرارات بقوانين عملا بالمادة 147 من الدستور متروك لرئيس الجمهورية تحت رقابة مجلس الشعب باعتبار ذلك من عناصر السياسة التشريعية التي لا تمتد إليها الرقابة الدستورية، ذلك أنه كان لرئيس الجمهورية سلطة التشريع الاستثنائية طبقا للمادة المشار إليها وفق ما تمليه المخاطر المترتبة على قيام ظروف طارئة تستوجب سرعة المواجهة وذلك تحت رقابة مجلس الشعب، إلا أن ذلك لا يعني إطلاق هذه السلطة في إصدار قرارات بقوانين دون التقيد بالحدود والضوابط التي نص عليها الدستور والتي سبق أن استظهرتها المحكمة ومن بينها اشتراط أن يطرأ - في غيبة مجلس الشعب - ظرف من شأنه توفر الحالة الداعية لاستعمال رخصة التشريع الاستثنائية وهو ما لم يكن له قائمة بالنسبة للقرار بقانون المطعون عليه الأمر الذي يحتم إخضاعه لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة دستورية.

وحيث إنه - من ناحية أخرى - فان إقرار مجلس الشعب للقرار بقانون المطعون عليه لا يترتب عليه سوى مجرد استمرار نفاذه بوصفه الذي نشأ عليه كقرار بقانون دون تطهيره من العوار الدستوري الذي لازم صدوره. كما أنه ليس من شأن هذا القرار في ذاته أن ينقلب به القرار بقانون المذكور إلى عمل تشريعي جديد يدخل في زمرة القوانين التي يتعين أن يتبع في كيفية اقتراحها والموافقة عليها وإصدارها القواعد والإجراءات التي حددها الدستور في هذا الصدد وإلا ترتب على مخالفتها عدم دستورية القانون.

وحيث إنه لما كان ما تقدم، وكان القرار بقانون رقم 44 لسنة 1979 بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية المطعون عليه قد استهدف بتنظيمه التشريعي المترابط موضوعا واحدا قصد به معالجة بعض مسائل الأحوال الشخصية المتعلقة بالأسرة على ما سلف بيانه، وكان العيب الدستوري الذي شابه قد عمه بتمامه لتخلف سند إصداره، فانه يتعين الحكم بعدم دستوريته برمته.

لهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية القرار بقانون رقم 44 لسنة 1979 بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية.

 

العودة للصفحة الرئيسية