المحكمة الدستورية العليا المصرية

 

قضية رقم 25 لسنة 8 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"

مبادئ الحكم: دستور - دعوى دستورية - رقابة قضائية - شريعة إسلامية - قانون - لوائح تفويضية - لوائح تنفيذية

نص الحكم
باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة 16 مايو سنة 1992 م

برئاسة السيد المستشار الدكتور/عوض محمد عوض المر

رئيس المحكمة

والسادة المستشارين/ محمد ولي الدين جلال وفاروق عبد الرحيم غنيم وحمدي محمد علي وعبد الرحمن نصير وسامي فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض

أعضاء

وحضور السيد المستشار/ السيد عبد الحميد عمارة

المفوض

وحضور السيد/ رأفت محمد عبد الواحد

أمين السر

 

 

أصدرت الحكم الآتي

في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 25 لسنة 8 قضائية "دستورية".

الإجراءات

بتاريخ 29 أكتوبر سنة 1986 أودع المدعون صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالبين الحكم بعدم دستورية القرار بقانون رقم 102 لسنة 1980 بسريان قانون التأمين الاجتماعي على العاملين المصريين بالهيئة العربية للتصنيع ووحداتها الإنتاجية والشركات التي تساهم فيها.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.

وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها.

ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.

حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعيين بعد أن انتهت خدمتهم بالقوات المسلحة بإحالتهم إلى التقاعد واستحقوا عن عملهم بها معاشاتهم العسكرية، التحقوا بالهيئة العربية للتصنيع وعملوا بشركاتها وظلوا يجمعون بين رواتبهم من هذه الهيئة ومعاشاتهم العسكرية التي استحقوها طبقا للقانون رقم 90 لسنة 1975 إلى أن صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 102 لسنة 1980 الذي نص في مادته الأولى على إلغاء المادة 18 من القانون رقم 150 لسنة 1976 في شأن حصانات وامتيازات الهيئة العربية للتصنيع والاتفاقيات المبرمة وفقا لها، وفي مادته الثانية على أن تسري على العاملين بهذه الهيئة ووحداتها الإنتاجية والشركات التي تساهم فيها أحكام قانون التامين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975، فأقاموا الدعوى رقم 85 لسنة 35 قضائية أمام محكمة القضاء الإداري طالبين الحكم بإلغاء القرار بقانون المشار إليه واعتباره كأن لم يكن، وإذ قضت هذه المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى، فقد أقاموا الدعوى رقم 9 لسنة 1983 برية والدعاوى المضمومة إليها أمام اللجنة القضائية لضباط القوات البرية طالبين أن ترد إليهم معاشاتهم العسكرية من تاريخ قطعها في 1 يونيه سنة 1980، كما دفعوا بعدم دستورية القرار بقانون رقم 102 لسنة 1980، وإذ قدرت اللجنة جدية هذا الدفع وحددت لذلك ميعادا لا يجاوز ثلاثة أشهر لرفع الدعوى الدستورية فقد أقاموا الدعوى الماثلة. 

وحيث إن قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 102 لسنة 1980 بسريان قانون التأمين الاجتماعي على العاملين المصريين بالهيئة العربية للتصنيع ووحداتها الإنتاجية والشركات التي تساهم فيها ينص في مادته الأولى على أن: "تلغى المادة 18 من القانون رقم 150 لسنة 1976 المشار إليها والاتفاقيات المبرمة وفقا لها". وينص في مادته الثانية على أن: "تسري على العاملين بالهيئة العربية للتصنيع ووحداتها الإنتاجية والشركات التي تساهم فيها أحكام قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975. ويختص صندوق التأمينات الذي تديره الهيئة العامة للتأمين والمعاشات بالتأمين على العاملين المشار إليهم". وينص في مادته الثالثة على أن: "تسري أحكام المادة 99 من القانون رقم 90 لسنة 1975 على أصحاب المعاشات العسكرية المعينين بالجهات المشار إليها في المادة السابقة. وفي حالة اختيار ضم مدة الخدمة العسكرية لمدة الخدمة المدنية طبقا لحكم المادة 36 من قانون التأمين الاجتماعي يعفى صاحب المعاش من رد المعاشات التي صرفت إليه وفقا لأحكام اتفاقية التأمينات الاجتماعية المشار إليها". وينتهي في مادته الرابعة والأخيرة إلى النص على نشر هذا القرار في الجريدة الرسمية وأن تكون له قوة القانون وأن يعمل به من تاريخ نشره.

وحيث أن مؤدى نص المادة الأولى من القرار بقانون المطعون فيه، إلغاء المادة 18 من قانون حصانات وامتيازات الهيئة العربية للتصنيع الصادر بالقانون رقم 150 لسنة 1976 والاتفاقيات المبرمة وفقا لها، ومن ثم إلغاء اتفاقية التأمينات الاجتماعية المعقودة بين جمهورية مصر العربية والهيئة العربية للتصنيع بتاريخ 23 مايو سنة 1976 وكانت تنص في مادتها التاسعة على أن: "المؤمن عليهم الذين يتقاضون معاشات وقت بدء عملهم بالهيئة العربية للتصنيع وفقا لقانون غير قانون التأمين يستمرون في صرف معاشهم وفقا لقوانين التأمين والمعاشات التي كانوا يخضعون لها". كما أن ما قررته المادة الثالثة من القرار بقانون المطعون عليه من سريان حكم المادة 99 من قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة الصادر بالقانون رقم 90 لسنة 1975 على أصحاب المعاشات العسكرية المعينين بالهيئة العربية للتصنيع ووحداتها الإنتاجية والشركات التي تساهم فيها مؤداه أنه "إذا عين صاحب معاش في الجهاز الإداري للدولة أو وحدات الإدارة المحلية أو الهيئات والمؤسسات العامة أو وحدات القطاع العام أوقف صرف معاشه طوال مدة استخدامه اعتبارا من تاريخ استلامه العمل.".

وحيث إن من بين ما ينعاه المدعون على قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 102 لسنة 1980 المشار إليه خروجه على نطاق التفويض المخول لرئيس الجمهورية بمقتضى أحكام القانون رقم 29 لسنة 1972 بتفويض رئيس الجمهورية في إصدار قرارات لها قوة القانون، قولا بأن القرار بقانون المطعون عليه صدر لتنظيم التأمينات الاجتماعية للعاملين في الهيئة العربية للتصنيع مستندا في ذلك إلى القانون رقم 29 لسنة 1972 الذي عين الموضوعات التي يجري التفويض فيها وحصرها في التصديق على الاتفاقيات الخاصة بالتسليح وفي إصدار قرارات لها قوة القانون فيما يتعلق باعتمادات التسليح والاعتمادات الأخرى اللازمة للقوات المسلحة، ومن ثم يكون هذا التفويض قد استبعد من نطاقه موضوع القرار بقانون المطعون عليه، وبالتالي جاء هذا القرار بقانون مجاوزا حدود التفويض المخول لرئيس الجمهورية ومنتزعا جانبا من الولاية التشريعية لمجلس الشعب دون سند من الدستور وبالمخالفة لأحكام المادتين 86، 108 منه. 

وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أن الأصل في نصوص الدستور - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنها تمثل القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم في الدولة وهي باعتبارها كذلك تتبوأ مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين احترامها والعمل بموجبها باعتبارها أسمى القواعد الآمرة وأحقها بالنزول على أحكامها. وإذ كان الدستور قد حدد لكل سلطة عامة وظائفها الأصلية وما تباشره من أعمال أخرى لا تدخل في نطاقها، بل تعد استثناء يرد على أصل انحصار نشاطها في المجال الذي يتفق مع طبيعة وظائفها، وكان الدستور قد حصر هذه الأعمال الاستثنائية وبين بصورة تفصيلية قواعد ممارستها تعين على كل سلطة في مباشرتها لها أن تلتزم حدودها الضيقة، وأن تردها إلى ضوابطها الدقيقة التي عينها الدستور، وإلا وقع عملها مخالفا لأحكامه. 

وحيث إن الدستور اختص السلطة التشريعية بسن القوانين وفقا لأحكامه فنص في المادة 86 منه على أن يتولى مجلس الشعب سلطة التشريع ويقر السياسة العامة للدولة، كما يمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية وذلك كله على الوجه المبين في الدستور، وكان الدستور بتحديده لكل من السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية وظائفها وصلاحيتها، قد عين لكل منها التخوم والقيود الضابطة لولايتها بما يحول دون تدخل إحداها في أعمال السلطة الأخرى أو مزاحمتها في ممارسة اختصاصاتها التي ناطها الدستور بها، متى كان ذلك، وكان الأصل أن تتولى السلطة التشريعية بنفسها مباشرة الوظيفة التي اختصها الدستور بها وأقامها عليها، إلا أن الدساتير المصرية جميعها كان عليها أن توازن ما يقتضيه الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية من تولي كل منهما لوظائفها في المجال المحدد لها أصلا بضرورة الترخيص للسلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية في أن تمارس عند الضرورة وفي الأحداث الاستثنائية جانبا من الوظيفة التشريعية تمكينا لها من تنظيم مسائل بعينها تكون أقدر على مواجهتها بتدابير تقتضيها المرونة تارة، والسرعة والدقة والحسم طورا آخر. ولقد كان النهج الذي التزمته الدساتير المصرية على اختلافها - وعلى ضوء موجبات هذه الموازنة هو تخويلها السلطة التنفيذية - وبناء على تفويض من السلطة التشريعية في أحوال بذاتها تفرضها الضرورة وتمليها الأوضاع الاستثنائية - رخصة تشريعية في حدود ضيقة لا تتخلى السلطة التشريعية بموجبها عن ولايتها في مجال سن القوانين، ولا ينفلت بها زمام هذا الاختصاص في يدها، وإنما تتقيد ممارسة هذه الرخصة الاستثنائية بقيود وضوابط تكفل انحصارها في المجال المحدد لها وبما لا يخرجها عن الأغراض المقصودة منها باعتبار أن الاختصاص المخول للسلطة التنفيذية في نطاق التفويض الممنوح لها لا يعدو أن يكون استثناء من أصل قيام السلطة التشريعية على مهمتها الأصلية في المجال التشريعي، بما مؤداه أن القيود والضوابط التي أحاط الدستور بها مباشرة السلطة التنفيذية لهذه الرخصة الاستثنائية غايتها أن تظل الولاية التشريعية - وكمبدأ عام - في يد السلطة الأصلية التي أقامتها هيئة الناخبين لممارستها، وأن يكون مرد الأمر دائما إلى الشروط التي فرضها الدستور لجواز التفويض في بعض مظاهر هذه الولاية سواء تعلق الأمر بمناسبة التفويض، أو بمحله، أو بمدته، أو الرقابة على كيفية تنفيذه، وتوافر هذه الشروط مجتمعة هو مناط مباشرة السلطة التنفيذية لهذا الاختصاص الاستثنائي، وإليها تمتد الرقابة التي تباشرها هذه المحكمة على دستورية القوانين واللوائح للتحقق من قيامها في الحدود التي رسمها الدستور لها، ولضمان ألا تتحول هذه الرخصة التشريعية - وهي من طبيعة استثنائية - إلى سلطة تشريعية كاملة ومطلقة لا قيد عليها ولا عاصم من جموحها وانحرافها. وشروط التفويض هذه هي التي عنى الدستور القائم ببيانها وتفصيل أحكامها في المادة 108 منه التي تنص على أن لرئيس الجمهورية عند الضرورة وفي الأحوال الاستثنائية، وبناء على تفويض من مجلس الشعب بأغلبية ثلثي أعضائه أن يصدر قرارات لها قوة القانون، ويجب أن يكون التفويض لمدة محدودة. وأن تبين فيه موضوعات هذه القرارات والأسس التي تقوم عليها. ويجب عرض هذه القرارات على مجلس الشعب في أول جلسة بعد انتهاء مدة التفويض، فإذا لم تعرض أو عرضت ولم يوافق عليها المجلس زال ما كان لها من قوة القانون. وبذلك يكون الدستور قد أجاز التفويض التشريعي وخوله لرئيس الجمهورية في إطار عام هو ألا ينطوي التفويض على نقل الولاية التشريعية بأكملها أو في جوانبها الأكثر أهمية من الهيئة النيابية إلى السلطة التنفيذية أو التنازل عنها بإنابة جهة أخرى في ممارستها. وفي إطار هذا الضابط العام حدد الدستور: مناسبة التفويض "فحصرها في قيام الضرورة والأوضاع الاستثنائية التي تدور معها على إقراراه وحرص إمعانا في الحيطة على أن تكون موافقة السلطة التشريعية على قانون التفويض بالأغلبية الخاصة التي تطلبها ممثله في ثلثي أعضائها لضمان أن يظل التفويض في حدود ضيقة لا تفريط فيها، وأن يكون إقراره مرتبطا بدواعيه الضاغطة مبررا بها مستندا إليها، وعهد إلى السلطة التشريعية بأن تعين بنفسها "محل التفويض" في قانونه وذلك من خلال تحديدها القاطع للمسائل التي يتناولها وأسس تنظيمها لتتقيد السلطة التنفيذية بنطاق التفويض ولا تجاوزه إلى غير المسائل التي يشملها في موضوعه، وجعل التفويض "موقوتا" بميعاد معلوم "محددا سلفا أو قابلا للتعيين كي يمثل هذا الميعاد حدا زمنيا لا يجوز أن تتخطاه السلطة التنفيذية في ممارستها لاختصاصها الاستثنائي وإلا انطوى عملها على اقتحام للولاية التشريعية التي اختص الدستور بها الهيئة النيابية الأصلية، وهو ما عززه الدستور حين أقام من السلطة التشريعية - التي جعل الدستور زمام إقرار القوانين وتعديلها وإلغائها بيدها - رقيبا على "مجاوزة السلطة التنفيذية لحدود التفويض أو التزامها بأبعاده". وذلك بما أوجبته المادة 108 من الدستور من أن تعرض على السلطة التشريعية التدابير التي اتخذها رئيس الجمهورية إعمالا لقانون التفويض وذلك في أول جلسة تدعى إليها بعد انتهاء مدته، فإذا لم تعرض على السلطة التشريعية أو عرضت ولم تقرها، زال ما كان لها من قوة القانون. وكان ذلك ضمانا لممارسة هذا الاختصاص الاستثنائي في حدود القيود التي عينها الدستور حصرا لنطاقه وضبطا لقواعده.

وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان ما تصدره السلطة التنفيذية من قرارات لها قوة القانون مجاوزة بها محل التفويض لخروجها عن نطاق الموضوعات التي يجري فيها، تقع مخالفة للدستور لافتئاتها على ولاية السلطة التشريعية، وكان البين من أحكام القرار بقانون رقم 102 لسنة 1980 المطعون فيه أنها تقرر سريان أحكام قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 على العاملين المصريين بالهيئة العربية للتصنيع ووحداتها الإنتاجية والشركات التي تساهم فيها، وكانت هذه الهيئة وفقا لاتفاقية تأسيسها متمتعة بالشخصية القانونية وتوخى إنشاؤها قيام قاعدة صناعية عربية تكفل إقامة وإنماء وتطوير الصناعات المتقدمة وتحقيق المصالح المشتركة للدول العربية المساهمة فيها على أسس فنية واقتصادية سليمة وذلك كله على الوجه المبين في نظامها الأساسي، وكان إفصاح المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر عن إرادتها الانسحاب من عضوية الهيئة، قد أعقبه صدور قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 30 لسنة 1979 لمواجهة هذه الأوضاع الطارئة فنص هذا القرار بقانون على أن تظل الهيئة متمتعة بالشخصية الاعتبارية وفقا للأحكام المقررة في قانون مركزها ومقرها، كما تظل متمتعة باختصاصاتها وسلطاتها ومزاياها وحصاناتها التي كانت مقررة لها مع استمرارها في مزاولة نشاطها واستيفاء حقوقها والوفاء بالتزاماتها، وكان القرار بقانون رقم 102 لسنة 1980 المطعون عليه قد انطوى في مادتيه الأولى والثالثة على إلغاء القاعدة التي كانت تقرر الحق في الجمع بين مرتب الوظيفة في الهيئة العربية للتصنيع ووحداتها الإنتاجية والشركات التي تساهم فيها وبين المعاش العسكري المستحق قبل التعيين فيها، وكان هذا القرار بقانون - وعلى ما أوردته ديباجته بصريح عبارتها - قد صدر استنادا إلى أحكام القانون رقم 29 لسنة 1972 بتفويض رئيس الجمهورية في إصدار قرارات لها قوة القانون، وليس ثمة دليل في الأوراق على أن رئيس الجمهورية أصدره بناء على قانون آخر، وكانت المادة الأولى من القانون رقم 29 لسنة 1972 قاطعة في أن التفويض الصادر عن السلطة التشريعية وفقا لأحكامه تحدد موضوعه في التصديق على الاتفاقيات الخاصة بالتسليح وفي إصدار قرارات لها قوة القانون فيما يتعلق باعتمادات التسليح والاعتمادات الأخرى اللازمة للقوات المسلحة، وكان قانون التفويض المشار إليه قد صدر لاعتبارات أفصحت عنها المذكرة الإيضاحية حاصلها "أن الأمر بالنسبة إلى اتفاقيات التسليح يقتضي وفقا لنص المادة 151 من الدستور الحصول على موافقة مجلس الشعب وتصديقه عليها، كما أن رفع تكاليف التسليح بالزيادة عما هو وارد بالموازنة العامة للدولة يقتضي وفقا لنص المادة 116 من الدستور العرض على مجلس الشعب للحصول على موافقته التي يجب وفقا للدستور أن تصدر بقانون، وأنه على ضوء هذه الأحكام وما تقتضيه دواعي السرية الواجبة عند إبرام اتفاقيات التسليح وكذلك عند النظر في اعتمادات التسليح ولأنه من غير الملائم عرض المشروعات الخاصة بذلك ومناقشتها علانية، فقد أعد مشروع القانون المرافق. لما كان ذلك، وكانت الموضوعات التي جرى بها التفويض الصادر بالقانون رقم 29 لسنة 1972 قد حددتها السلطة التشريعية على الوجه السالف بيانه في نطاق صلاحياتها الدستورية استجابة من جانبها لدواعي السرية المحيطة بها، وكان موضوع القرار بقانون المطعون عليه منبت الصلة بها، ولا ينزل منزلة المسائل التي تعلق بها قانون التفويض سواء من حيث طبيعتها أو أهميتها فإن القرار بقانون المطعون عليه يكون قد جاوز نطاق التفويض وصدر بالتالي غير مستند لأحكامه منتزعا جانبا من الولاية التي تملكها السلطة التشريعية وفقا لأحكام الدستور ومخالفا من ثم للمادتين 86، 108 منه. ولا محاجة في القول بأن القرار بقانون المطعون فيه قد صدر ارتكانا إلى أحكام القانون رقم 49 لسنة 1974 وفي حدود أحكامه، ذلك أن ما نص عليه هذا القانون من تفويض رئيس الجمهورية في إصدار قرارات لها قوة القانون بالتصديق على الاتفاقيات المتعلقة بمشروعات الإنتاج الحربي وكذلك إصدار قرارات لها قوة القانون بالأحكام الخاصة بكل مشروع منها - غايته - وعلى ما جاء بالمذكرة الإيضاحية لهذا القانون - تنفيذ ما تقتضيه إستراتيجية التصنيع الحربي من إقامة صناعة حربية متطورة في إطار مشروعات الإنتاج الحربي التي تنفرد بطبيعتها الخاصة بالنظر إلى سريتها وحساسيتها وأهميتها للأمن القومي وعدم ملاءمة عرضها ومناقشتها علانية وبمراعاة تنظيمها دون تقيد بأحكام قانون استثمار المال العربي والأجنبي والمناطق الحرة - وهي أغراض لا يتصل بها القرار بقانون المطعون عليه، ولا يمكن حمله عليها أو اعتباره مدخلا إليها، بما مؤداه مجاوزة ذلك القرار بقانون - وقد صدر في شأن يتعلق بالتأمينات الاجتماعية للعاملين بالهيئة العربية للتصنيع - حدود التفويض الصادر عن السلطة التشريعية، وبطلانه بتمامه تبعا لسقوط أحكامه بأكملها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 102 لسنة 1980 بسريان قانون التأمين الاجتماعي على العاملين المصريين بالهيئة العربية للتصنيع ووحداتها الإنتاجية والشركات التي تساهم فيها، وألزمت الحكومة المصروفات، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

 

 

العودة للصفحة الرئيسية