المحكمة الدستورية العليا المصرية

 

قضية رقم 201 لسنة 23 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"

مبادئ الحكم:  دستور - سلطة المشرع - شريعة إسلامية

نص الحكم

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد الموافق 15 ديسمبر سنة 2002 م، الموافق 11 شوال سنة 1423 هـ

برئاسة السيد المستشار/ ماهر البحيري

نائب رئيس المحكمة

والسادة المستشارين/ علي عوض محمد صالح وأنور رشاد العاصي وعبد الوهاب عبد الرازق والدكتور حنفي علي جبالي ومحمد عبد العزيز الشناوي والسيد عبد المنعم حشيش

أعضاء

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عادل عمر شريف

رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن

أمين السر

أصدرت الحكم الآتي

في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 201 لسنة 23 قضائية "دستورية".

المقامة من

السيد/ ...

ضد

1- السيد/ رئيس مجلس الوزراء

2- السيد/ رئيس مجلس الشعب

3- السيدة/ ...

الإجراءات

بتاريخ الرابع عشر من يوليه سنة 2001، أودع المدعي قلم كتاب المحكمة صحيفة هذه الدعوى، طالبا الحكم بعدم دستورية قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية الصادر بالقانون رقم 1 لسنة 2000، والمادة 20 منه فيما نصت عليه من أن الحكم الصادر بالخلع غير قابل للطعن عليه بأي طريق من طرق الطعن، والنص الوارد في هذه المادة بعبارة "وأقامت الزوجة دعواها بطلبه، وافتدت نفسها، وخالعت زوجها بالتنازل عن جميع حقوقها المالية الشرعية، وردت عليه الصداق الذي أعطاه لها؛ حكمت المحكمة بتطليقها عليه".

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.

وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها.

ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.

وحيث إن الوقائع على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق تتحصل في أن المدعى عليها الثالثة كانت قد أقامت الدعوى رقم 532 لسنة 2000 أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية للأحوال الشخصية بطلب الحكم بخلعها من زوجها المدعي؛ طلقة بائنة مقابل ردها عاجل الصداق والشبكة، وتنازلها عن مؤخر الصداق، على سندٍ من أن المدعي كان قد تزوجها بصحيح العقد الشرعي المؤرخ 25/7/1997، وقد دب الخلاف بينهما إلى حد لم تعد تطيق الحياة معه وأصبحت تخشى من أن تغضب الله إزاء كراهيتها لزوجها وعدم رغبتها في معاشرته. وعرضت محكمة الموضوع الصلح على الطرفين فرفضته المدعى عليها الثالثة وقبله المدعى، فقررت المحكمة ترشيح حكمين، وإذ باشرا مهمتهما، وقدما تقريرا يوصي بخلعها منه بعد أن تبين لهما استحالة العشرة بينهما، واستعدادها للتنازل عما لها من حقوق لديه، دفع المدعي بعدم دستورية القانون رقم 1 لسنة 2000 المشار إليه، والمادة 20 منه، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية دفعه وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية، فقد أقام الدعوى الماثلة.

وحيث إن المدعي ينعى على القانون رقم 1 لسنة 2000 المشار إليه عدم عرض مشروعه على مجلس الشورى باعتباره من القوانين المكملة للدستور، مما يخالف أحكام المادتين 194 و195 من الدستور.

وحيث إن هذا النعي غير صحيح، ذلك أنه وأيا كان وجه الرأي في اعتبار القانون الطعين من القوانين المكملة للدستور فالثابت أن مشروعه قد عرض على مجلس الشورى؛ وتمت الموافقة عليه بعد أن جرت مناقشته في دور الانعقاد الحادي والعشرين للمجلس؛ أولا: بجلستيه التاسعة والعاشرة المعقودتين بتاريخ 25/12/1999 ثم بجلستيه الحادية عشرة والثانية عشرة المعقودتين بتاريخ 26/12/1999، حسبما جاء بمضابط تلك الجلسات وكتاب المستشار أمين عام مجلس الشورى رقم 100 بتاريخ 10/12/2000.

وحيث إن المادة 20 من القانون رقم 1 لسنة 2000 المشار إليه تنص على أن: "للزوجين أن يتراضيا فيما بينهما على الخلع، فإن لم يتراضيا عليه وأقامت الزوجة دعواها بطلبه وافتدت نفسها وخالعت زوجها بالتنازل عن جميع حقوقها المالية الشرعية وردت عليه الصداق الذي أعطاه لها، حكمت المحكمة بتطليقها عليه.

ولا تحكم المحكمة بالتطليق للخلع إلا بعد محاولة الصلح بين الزوجين، وندبها لحكمين لموالاة مساعي الصلح بينهما، خلال مدة لا تجاوز ثلاثة أشهر، وعلى الوجه المبين بالفقرة الثانية من المادة (18) والفقرتين الأولى والثانية من المادة (19) من هذا القانون، وبعد أن تقرر الزوجة صراحة أنها تبغض الحياة مع زوجها وأنه لا سبيل لاستمرار الحياة الزوجية بينهما وتخشى ألا تقيم حدود الله بسبب هذا البغض.

ولا يصح أن يكون مقابل الخلع إسقاط حضانة الصغار، أو نفقتهم أو أي حق من حقوقهم ويقع بالخلع في جميع الأحوال طلاق بائن.

ويكون الحكم في جميع الأحوال غير قابل للطعن عليه بأي طريق من طرق الطعن".

وحيث إن المدعي ينعى على المادة 20 المطعون عليها مخالفتها للدستور؛ لمناقضتها لأحكام الشريعة الإسلامية التي تشترط قبول الزوج للخلع، فضلا عن أن ما قررته من عدم قابلية الحكم الصادر بالخلع للطعن بأي طريق؛ فيه إهدار لحق التقاضي الذي كفله الدستور للناس كافة.

وحيث إنه عن النعي بمخالفة النص الطعين لأحكام الشريعة الإسلامية، فإن المقرر في قضاء هذه المحكمة، أن المادة الثانية من الدستور بعد تعديلها في سنة 1980 إذ نصت على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، فإن مقتضى ذلك أنه لا يجوز لنص تشريعي يصدر في ظله أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية في ثبوتها ودلالتها، باعتبار أن هذه الأحكام وحدها هي التي يمتنع الاجتهاد فيها لأنها تمثل من الشريعة الإسلامية ثابتها التي لا تحتمل تأويلا أو تبديلا، وليست كذلك الأحكام الظنية في ثبوتها أو دلالتها أو فيهما معا، فهذه تتسع دائرة الاجتهاد فيها تنظيما لشئون العباد، وضمانا لمصالحهم التي تتغير وتتعدد مع تطور الحياة وتغير الزمان والمكان، وهو اجتهاد وإن كان جائزا ومندوبا من أهل الفقه، فهو في ذلك أوجب وأولى لولي الأمر، يبذل جهده في استنباط الحكم الشرعي من الدليل التفصيلي، ويعمل حكم العقل فيما لا نص فيه؛ توصلا لتقرير قواعد عملية يقتضيها عدل الله ورحمته بعباده، وتسعها الشريعة الإسلامية التي لا تضفي قدسية على آراء أحد من الفقهاء في شأن من شئونها، ولا تحول دون مراجعتها وتقييمها وإبدال غيرها بها بمراعاة المصلحة الحقيقية للجماعة التي لا تناقض المقاصد العليا للشريعة، ويكون اجتهاد ولي الأمر بالنظر في كل مسألة بخصوصها بما يناسبها؛ إخمادا للثائرة، وإنهاء للتنازع والتناحر، وإبطالا للخصومة، مستعينا في ذلك كله بأهل الفقه والرأي، وهو في ذلك لا يتقيد بالضرورة بآراء الآخرين، بل يجوز أن يشرع على خلافها، وأن ينظم شئون العباد في بيئة بذاتها تستقل بأوضاعها وظروفها الخاصة، بما يرد الأمر المتنازع عليه إلى الله ورسوله؛ وكان حقا عليه عند الخيار بين أمرين مراعاة أيسرهما ما لم يكن إثما، فلا يضيق على الناس، أو يرهقهم من أمرهم عسرا؛ وإلا كان مصادما لقوله تعالى "وما جعل عليكم في الدين من حرج" الآية رقم 78 من سورة الحج.

وحيث إنه لما كان الزواج قد شرع في الأصل ليكون مؤبدا، ويستمر صالحا، وكانت العلاقة الشخصية بين الزوجين هي الصلة التي تجعل الحياة الزوجية صالحة فيبقى الزواج بها، لذلك فقد حرص الشارع عز وجل على بقاء المودة وحث على حسن العشرة، ولكن عندما تحل الكراهية محل المودة والرحمة، ويشتد الشقاق ويصعب الوفاق، فقد رخص سبحانه وتعالى للزوج أن ينهي العلاقة بالطلاق يستعمله عند الحاجة وفي الحدود التي رسمها له الشارع الحكيم، وفي مقابل هذا الحق الذي قرره جل شأنه للرجل فقد كان حتما مقضيا أن يقرر للزوجة حقا في طلب التطليق لأسباب عدة، كما قرر لها حقا في أن تفتدي نفسها فترد على الزوج ما دفعه من عاجل الصداق وهو ما عرِف بالخلع. وفي الحالين، فإنها تلجأ إلى القضاء الذي يطلقها لسبب من أسباب التطليق، أو يحكم بمخالعتها لزوجها، وهي مخالعة قال الله تعالى فيها: "الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحل لكم أن تأخذوا مما أتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله، فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به، تلك حدود الله فلا تعتدوها، ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون" الآية رقم 229 من سورة البقرة بما مؤداه أن حق الزوجة في مخالعة زوجها وافتداء نفسها مقابل الطلاق قد ورد به نص قرآني كريم قطعي الثبوت، ثم جاءت السنة النبوية الكريمة لتنزل الحكم القرآني منزلته العملية، فقد روى البخاري في الصحيح عن عكرمة عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: جاءت امرأة ثابت بن قيس بن شماس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ما أنقم على ثابت في دين ولا خلق، إلا أنى أخاف الكفر في الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فتردين عليه حديقته؟" قالت: نعم وأزيد، فقال لها أما الزيادة فلا، فردت عليه حديقته، فأمره؛ ففارقها. وقد تعددت الروايات في شأن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، منها الرواية السابقة ومنها أنه أمره بتطليقها، وفي رواية أخرى أنه طلقها عليه، وكان ثابت بن قيس غير حاضر، فلما عرف بقضاء رسول الله قال: رضيت بقضائه. فالخلع إذا في أصل شرعته من الأحكام قطعية الثبوت لورود النص عليه في كل من القرآن والسنة. أما أحكامه التفصيلية فقد سكت عنها العليم الخبير جل شأنه لحكمة قدرها وتبعه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في ذلك، ولذا فقد اجتهد الفقهاء في شأن هذه الأحكام، فمنهم من ذهب إلى لزوم موافقة الزوج على الخلع، قولا بأن ما ورد بالحديث الشريف من رد الحديقة والأمر بالمفارقة، كان من قبيل الندب والإرشاد؛ فلا يقع الطلاق بالخلع إلا بموافقة الزوج، على حين ذهب فريق آخر إلى أن الأمر بالمفارقة كان أمر وجوب؛ فيقع الخلع إما برضاء الزوجين، أو بدون موافقة الزوج وذلك بحكم ولي الأمر أو القاضي، فكان لزاما حتى لا يشق الأمر على القاضي أن يتدخل المشرع لبيان أي من الرأيين أولى بالاتباع، وهو ما نحا إليه النص المطعون فيه؛ فأخذ بمذهب المالكية وأجاز للزوجة أن تخالع إذا ما بغضت الحياة مع زوجها وعجز الحكمان عن الصلح بينهما فيخلعها القاضي من زوجها بعد أخذ رأى الحكمين، على أن تدفع إليه ما قدمه في هذا الزواج من عاجل الصداق. وليس ذلك إلا إعمالا للعقل بقدر ما تقتضيه الضرورة بما لا ينافي مقاصد الشريعة الإسلامية وبمراعاة أصولها؛ ذلك أن التفريق بين الزوجين في هذه الحالة، من شأنه أن يحقق مصلحة للطرفين معا، فلا يجوز أن تجبر الزوجة على العيش مع زوجها قسرا عنها؛ بعد إذ قررت أنها تبغض الحياة معه، وأنه لا سبيل لاستمرار الحياة الزوجية بينهما، وأنها تخشى ألا تقيم حدود الله بسبب هذا البغض، مما حدا بها إلى افتدائها لنفسها وتنازلها له عن جميع حقوقها المالية الشرعية وردها الصداق الذي أعطاه لها. والقول باشتراط موافقة الزوج يؤدي إلى إجبار الزوجة على الاستمرار في حياة تبغضها؛ وهو ما يبتعد بعلاقة الزواج عن الأصل فيها، ألا وهو السكن والمودة والتراحم، ويجعل الزوج، وقد تخفف من كل عبء مالي ينتج عن الطلاق، غير ممسك بزوجته التي تبغضه إلا إضرارا بها، وهو إضرار تنهى عنه الشريعة الإسلامية، وتتأذى منه العقيدة الإسلامية فيما قامت عليه من تكامل أخلاقي وسمو سلوكي، ويتنافى مع قاعدة أصولية في هذه الشريعة وهي أنه لا ضرر ولا ضرار.

وحيث إنه لما تقدم، فإن النص الطعين يكون قد نهل من أحكام الشريعة الإسلامية منهلا كاملا، فقد استند في أصل قاعدته إلى حكم قطعي الثبوت، واعتنق في تفاصيله رأي مذهب من المذاهب الفقهية، بما يكون معه في جملته موافقا لأحكام هذه الشريعة السمحة، ويكون النعي عليه مخالفتها ومن ثم مخالفة المادة الثانية من الدستور نعيا غير صحيح بما يوجب رفضه.

وحيث إن الأصل في السلطة التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق ومن بينها حق التقاضي المقرر بنص المادة 68 من الدستور هو إطلاقها ما لم يقيدها الدستور بضوابط معينة، منها أن هذا التنظيم ينبغي ألا يؤدي إلى إجراء تمييز تحكمي فيما بين أصحاب المراكز القانونية المتكافئة بلا أساس موضوعي يبرره، كما أنه ليس كل تقسيم تشريعي يعتبر منافيا لمبدأ المساواة، بل يتعين دوما أن ينظر إلى النصوص القانونية باعتبارها وسائل حددها المشرع لتحقيق أغراض يبتغيها، فلا يستقيم إعمال مبدأ المساواة أمام القانون المنصوص عليه بالمادة 40 من الدستور إلا على ضوء مشروعية تلك الأغراض واتصال هذه الوسائل منطقيا بها، إذ لا يتصور أن يكون التقسيم التشريعي منفصلا عن هذه الأغراض التي يتغياها المشرع. لما كان ذلك وكان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن قصر التقاضي على درجة واحدة لا يناقض الدستور، وإنما يدخل في إطار السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق، فإن ذلك مؤداه أن الوقوف بالتقاضي عند درجة واحدة استنادا إلى أسس موضوعية، لا ينتقص من حق التقاضي الذي يكفله الدستور للناس كافة.

وحيث إن التنظيم التشريعي للخلع طبقا للنص المطعون فيه هو تنظيم متكامل ينفرد بكونه وحدة لا تتجزأ في جميع عناصرها ومقتضياتها الشرعية، قصد به المشرع دفع الضرر ورفع الحرج عن طرفي العلاقة الزوجية، إذ يرمي إلى رفع الظلم عن الزوجات اللاتي يعانين من تعنت الأزواج عندما يستحكم النفور ويستعصي العلاج كما يرفع عن كاهل الأزواج كل عبء مالي يمكن أن ينجم عن إنهاء العلاقة الزوجية، فالتنظيم يقوم على افتداء الزوجة نفسها بتنازلها عن جميع حقوقها المالية الشرعية، ورد عاجل الصداق الذي دفعه الزوج لها، المثبت في عقد الزواج أو الذي تقدره المحكمة عند التنازع فيه، وإقرارها بأنها تبغض الحياة مع زوجها وأنه لا سبيل لاستمرار الحياة بينهما، وتخشى ألا تقيم حدود الله بسبب هذا البغض، فإذا لم يوافق الزوج على التطليق، فإن المحكمة تقوم بدورها في محاولة للصلح بين الزوجين ثم تندب حكمين لموالاة ذلك، دون التزام على الزوجة بأن تبدي أسبابا لا تريد الإفصاح عنها، ومن ثم لا تبحث المحكمة أسبابا معينة قانونية أو شرعية، أو تحقق أضرارا محددة يمكن أن تكون قد لحقت بها، فإن لم يتم الوفاق، وعجز الحكمان عنه؛ تتحقق المحكمة من رد الزوجة لعاجل الصداق بعد أن تستوثق من إقراراتها، ثم تحكم بالخلع؛ الذي تقع به طلقة بائنة، أخذا بما أجمع عليه فقهاء المسلمين، ومن ثم يكون أمرا منطقيا أن ينص المشرع على أن الحكم الصادر بالخلع في جميع الأحوال يكون غير قابل للطعن عليه بأي طريق من طرق الطعن، تقديرا بأن الحكم يبني هنا على حالة نفسية وجدانية تقررها الزوجة وحدها، وتشهد الله وحده على بغضها الحياة مع زوجها وخشيتها هي دون سواها ألا تقيم حدود الله، ومن ثم تنتفي كلية علة التقاضي على درجتين، حيث تعطى درجة التقاضي الثانية فرصة تدارك ما عساها تخطئ فيه محكمة أول درجة من حصر للوقائع أو استخلاص دلالتها، أو إلمام بأسباب النزاع، أو تقدير لأدلته، أو إنزال صحيح حكم القانون عليه، بما مؤداه أن دعوى التطليق للخلع تختلف في أصلها ومرماها عن أية دعوى أخرى، حيث تقتضي أن يكون الحكم الصادر فيها منهيا للنزاع برمته وبجميع عناصره، بما في ذلك ما قد يثار فيها من نزاع حول عاجل الصداق الواجب رده، والقول بغير ذلك يفتح أبواب الكيد واللدد في الخصومة التي حرص المشرع على سدها ويهدم التنظيم من أساسه، فلا يحقق مقاصده الشرعية والاجتماعية المنشودة. ومتى كان ما تقدم، فإن النص الطعين فيما قرره من عدم قابلية الحكم الصادر بالخلع للطعن عليه بأي طريق من طرق الطعن يكون قائما على أسس موضوعية تسانده وينهض أيضا مبررا لمغايرته في هذا الشأن عما سواه من أحكام تصدر بالتطليق للضرر أو لغيره من أسباب، ومن ثم فلا يكون النص الطعين، فيما تضمنه من عدم قابلية الحكم الصادر بالخلع للطعن عليه بأي طريق من طرق الطعن، منتقصا من حق التقاضي أو مارقا عن مبدأ المساواة.

وحيث إن النص الطعين لا يخالف أي حكم آخر من أحكام الدستور.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

 

 

العودة للصفحة الرئيسية