المحكمة العليا المصرية

 

قضية رقم 2 لسنة 6 قضائية المحكمة العليا "تفسير"

 مبادئ الحكم: أمر عسكري - النظام العام - طوارئ

نص الحكم

باسم الشعب

المحكمة العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم 5 مايو سنة 1976 م

برئاسة السيد المستشار/ بدوي إبراهيم حمودة

رئيس المحكمة

والسادة المستشارين/ محمد عبد الوهاب خليل وعادل عزيز زخاري وعمر حافظ شريف نواب رئيس المحكمة ومحمد بهجت عتيبة وأبو بكر محمد عطية وطه أحمد أبو الخير

أعضاء

وحضور المستشار/ محمد كمال محفوظ

مفوض

وحضور السيد/ سيد عبد البارى إبراهيم

أمين السر

أصدرت الحكم الآتي

في القضية المقيدة في جدول المحكمة العليا برقم 2 لسنة 6 قضائية عليا "تفسير".

 الوقائع

طلب وزير العدل بكتابه المؤرخ في 24 من مايو سنة 1975 تفسير المادة 3 من قانون الطوارئ الصادر بالقانون رقم 162 لسنة 1958 المعدل بالقانون رقم 37 لسنة 1972 لبيان قصد الشارع من عبارة "التدابير المناسبة للمحافظة على الأمن والنظام العام" الواردة بها وهل يتسع نص المادة 3 المشار إليه لما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة الثانية من الأمر العسكري رقم 6 لسنة 1973 أم أن هذا الأمر قد جاوز حدود المادة المذكورة.

وحاصل الوقائع التي ثار بشأنها الخلاف حول تفسير النص المشار إليه أنه في 3 من ابريل سنة 1967 وافق رئيس الوزراء على وقف الإجراءات الخاصة بتأجير الوحدات السكنية المملوكة للحكومة والقطاع العام فأصبحت تعرض للبيع عملا بقرار وزير الإسكان رقم 471 لسنة 1967 وفي 12 من أبريل سنة 1973 صدر الأمر العسكري رقم 6 لسنة 1973 وتقضى المادة الثانية منه بمعاقبة مالك العقار أو من له حق تأجيره إذا امتنع عن تأجيره بالعقوبة المنصوص عليها فيها كما تخول المحافظة سلطة تأجير الوحدة السكنية إذا ظلت شاغرة مدة تزيد على شهرين، ولما كانت العقارات التابعة للمؤسسة المصرية العامة للإسكان والتعمير تقام أصلا بقصد التمليك لا بقصد التأجير كما أن العقارات التي تخلو لا يتم التصرف فيها إلا بالبيع وذلك وفقا للقواعد الصادرة من وزير الإسكان في هذا الشأن، فقد استطلعت وزارة الإسكان رأي الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة في مدى خضوع العقارات المشار إليها للأمر العسكري رقم 6 لسنة 1973 المشار إليه وقد انتهت الجمعية العمومية بفتواها الصادرة في 9 من ابريل سنة 1975 إلى عدم مشروعية الأمر العسكري المذكور وذلك استنادا إلى أن هذا الأمر صدر في مسألة منبتة الصلة بالسلامة العامة وأغراض الأمن القومي التي نص عليها الدستور وعبر عنها قانون الطوارئ بالأمن والنظام العام ومن ثم فإنه يكون قد صدر دون مراعاة الضوابط والحدود التي رسمها الشارع لإصدار تلك الأوامر وقد اعترض نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية بصفته نائبا للحاكم العسكري العام بمقتضى قرار رئيس الجمهورية رقم 57 لسنة 1973 على هذه الفتوى استنادا إلى أن لسلطة الطوارئ طبقا للمادة الثالثة من قانون الطوارئ الصادر بالقانون رقم 162 لسنة 1958 المعدل بالقانون رقم 37 لسنة 1972 أن تتخذ التدابير المناسبة للمحافظة على الأمن والنظام العام أيا كان نوعها وأن تقرير مقتضيات الأمن والنظام العام التي توجب اتخاذ التدبير وتقدير مناسبته مما يستقل به من خوله الشارع سلطة اتخاذه وأنه ليس بلازم أن يكون التدبير من بين التدابير المنصوص عليها في المادة الثالثة من قانون الطوارئ ولذلك يكون الأمر العسكري المذكور صادرا في حدود السلطات المخولة لنائب الحاكم العسكري بمقتضى هذه المادة.

وقد أودعت هيئة مفوضي الدولة لدى المحكمة العليا تقريرا بالرأي القانوني انتهت فيه إلى أن "الأمر رقم 6 لسنة 1973 الصادر من نائب الحاكم العسكري العام قد وقع باطلا لمخالفته حكم المادة 3 من القانون رقم 162 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارئ المعدلة بالقانون رقم 37 لسنة 1972".

وعين لنظر الطلب جلسة 5 من يوليو سنة 1975 ثم تداول بالجلسات على الوجه المبين بمحاضرها ثم قررت المحكمة إرجاء النطق بالقرار إلى جلسة اليوم.

 المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة.

من حيث إن الطلب استوفى الأوضاع المقررة قانونا.

ومن حيث إن وزير العدل يطلب تفسير المادة 3 من قانون الطوارئ الصادر بالقانون رقم 162 لسنة 1958 المعدل بالقانون رقم 37 لسنة 1972 لبيان ما إذا كان هذا النص يسع ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة الثانية من الأمر العسكري رقم 6 لسنة 1973 من تخويل سلطة تأجير العقارات المبينة إذا استمرت شاغرة مدة تزيد على شهرين.

ومن حيث إن المادة 3 من قانون الطوارئ المشار إليه تنص على أنه "لرئيس الجمهورية متى أعلنت حالة الطوارئ أن يتخذ التدابير المناسبة للمحافظة على الأمن والنظام العام وله على وجه الخصوص:

(1)  وضع قيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والانتقال والإقامة والمرور في أماكن أو أوقات معينة والقبض على المشتبه فيهم أو الخطرين على الأمن والنظام العام واعتقالهم والترخيص في تفتيش الأشخاص والأماكن دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية.

(2) الأمر بمراقبة الرسائل أيا كان نوعها ومراقبة الصحف والنشرات والمطبوعات والمحررات والرسوم وكافة وسائل التعبير والدعاية والإعلان قبل نشرها وضبطها ومصادرتها وتعطيلها وإغلاق أماكن طبعها، على أن تكون الرقابة على الصحف والمطبوعات ووسائل الإعلام مقصورة على الأمور التي تتصل بالسلامة العامة أو أغراض الأمن القومي.

(3) تحديد مواعيد فتح المحال العامة وإغلاقها وكذلك الأمر بإغلاق هذه المحال كلها أو بعضها.

(4)  تكليف أي شخص بتأدية أي عمل من الأعمال والاستيلاء على أي منقول أو عقار ويتبع في ذلك الأحكام المنصوص عليها في قانون التعبئة العامة فيما يتعلق بالتظلم وتقدير التعويض.

(5) سحب التراخيص بالأسلحة أو الذخائر أو المواد القابلة للانفجار أو المفرقعات على اختلاف أنواعها والأمر بتسليمها وضبط وإغلاق مخازن الأسلحة.

(6) إخلاء بعض المناطق أو عزلها وتنظيم وسائل النقل وحصر المواصلات وتحديدها بين المناطق المختلفة.

ويجوز بقرار من رئيس الجمهورية توسيع دائرة الحقوق المبينة في الفقرة السابقة، على أن يعرض هذا القرار على مجلس الشعب في المواعيد وطبقا للأحكام المنصوص عليها في المادة السابقة، ويشترط في الحالات العاجلة التي تتخذ فيها التدابير المشار إليها في هذه المادة بمقتضى أوامر شفوية أن تعزز كتابة خلال ثمانية أيام".

ومن حيث أن الدستور تناول نظام الطوارئ في المادتين 148 و48 منه، وقد أرست المادة 148 أساس هذا النظام فنصت على أن "يعلن رئيس الجمهورية حالة الطوارئ على الوجه المبين في القانون، ويجب عرض هذا الإعلان على مجلس الشعب خلال الخمسة عشر يوما التالية ليقرر ما يراه بشأنه وإذا كان مجلس الشعب منحلا يعرض الأمر على المجلس الجديد في أول اجتماع له. وفي جميع الأحوال يكون إعلان حالة الطوارئ لمدة محددة ولا يجوز مدها إلا بموافقة مجلس الشعب" كما أشارت المادة 48 من الدستور إلى حالة الطوارئ عندما حددت قواعد فرض الرقابة على الصحف والمطبوعات ووسائل الإعلام في حالة الطوارئ فنصت على أن " حرية الطباعة والنشر ووسائل الإعلام مكفولة والرقابة على الصحف محظورة وإنذارها أو وقفها أو إلغاؤها بالطريق الإداري محظور، ويجوز استثناء في حالة إعلان الطوارئ أو زمن الحرب أن تفرض على الصحف والمطبوعات ووسائل الإعلام رقابة محددة في الأمور التي تتصل بالسلامة العامة أو أغراض الأمن القومي وذلك كله وفقا للقانون" وقد تكفل الشارع تنظيم حالة الطوارئ مند عام 1923 حين صدر القانون رقم 15 لسنة 1923 بنظام الأحكام العرفية محددا التدابير التي رخص للسلطة القائمة على إجراء الأحكام العرفية في اتخاذها عند إعلان الطوارئ إذ نصت المادة الثالثة من هذا القانون على أنه "يجوز للسلطة القائمة على إجراء الأحكام العرفية أن تتخذ بإعلان أو بأوامر كتابية أو شفوية التدابير الآتي بيانها:

(1)...

(12)...

ويجوز لمجلس الوزراء أن يضيق دائرة الحقوق المتقدمة المخولة للسلطة القائمة على إجراء الأحكام العرفية وأن يرخص لها باتخاذ أي تدبير آخر مما يقتضيه صون الأمن والنظام العام في كل الجهة التي أجريت فيها الأحكام العرفية أو في بعضها" وقد عدل هذا النص بالقانون رقم 73 لسنة 1948 الذي أوجب على مجلس الوزراء إذا استعمل السلطة المخولة له بالفقرة الأخيرة من المادة سالفة الذكر بأن وسع في اختصاص السلطة القائمة على إجراء الأحكام العرفية أوجب عرض قراراته الصادرة في هذا الشأن على البرلمان خلال أسبوع من تاريخ صدورها فإذا لم تعرض في هذه المدة أو لم يقرها أحد المجلسين بطل العمل بها." وقد جاءت بعد ذلك صياغة المواد 3 و 4 من القانون رقم 533 لسنة 1954 في شأن الأحكام العرفية، والمادة 3 من قانون الطوارئ الصادر بالقانون رقم 162 لسنة 1958 قبل تعديلها بالقانون رقم 37 لسنة 1972 على غرار صياغة المادة 3 من القانون رقم 15 لسنة 1923 في خصوص تحديد التدابير المذكورة فكان تحديدها على سبيل الحصر.

ومن حيث إنه يبين من تقصي الأعمال التحضيرية للقانون رقم 37 لسنة 1972 أنه قدم إلى مجلس الشعب باقتراح بقانون، وقد صيغت المادة الثالثة من هذا الاقتراح التي تضمنت هذه التدابير على غرار المادة الثالثة بالقانون رقم 162 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارئ وذلك على النحو الآتي: لرئيس الجمهورية متى أعلنت حالة الطوارئ أن يتخذ التدابير الآتية: (1)... (6)...".

فأوردت التدابير على سبيل الحصر أيضا، وعند نظر هذا الاقتراح أمام اللجنة التشريعية بمجلس الشعب عدلته تعديلا جوهريا في خصوص أسلوب تحديد التدابير المنوط بسلطة الطوارئ اتخاذها فأصبح صدر المادة يجري على هذا النحو: "لرئيس الجمهورية متى أعلنت حالة الطوارئ أن يتخذ التدابير المناسبة للمحافظة على الأمن والنظام العام وله على وجه الخصوص...". وقد وافق مجلس الشعب على المادة بالصيغة المعدلة التي ارتأتها اللجنة التشريعية بالمجلس وصدر القانون رقم 37 لسنة 1972 متضمنا تعديل المادة الثالثة من قانون الطوارئ على هذا النحو.

ومن حيث إنه يبين من ذلك أن الشارع قد عدل عن قصد وعمد عما جرت عليه تشريعات الطوارئ السابقة عند النص على التدابير التي رخص لسلطة الطوارئ في اتخاذها عند إعلان حالة الطوارئ، فقد كانت هذه التشريعات تحدد هذه التدابير على سبيل الحصر فكانت سلطة الحاكم العسكري أو نوابه سلطة مقيدة بحيث لا يجوز اتخاذ أي تدبير آخر لم يرد في ضمنها إلا بترخيص من مجلس الوزراء على نحو ما جاء في القانون رقم 15 لسنة 1923 والقانون رقم 533 لسنة 1954 أو من رئيس الجمهورية وفقا لأحكام القانون رقم 162 لسنة 1958 على أن تعرض القرارات الصادرة في هذا الشأن على مجلس الشعب لإقرارها، وقد عدل الشارع عن هذا المبدأ ونهج نهجا مغايرا إذ نص على هذه التدابير على سبيل التمثيل لا الحصر كما تفيد ذلك عبارة "وله على وجه الخصوص " الواردة في صدر الفقرة الأولى من المادة الثالثة من قانون الطوارئ المشار إليه ومن ثم لم تعد سلطة الحاكم العسكري أو نوابه سلطة مقيدة بالتدابير المشار إليها بل أصبحت سلطة تقديرية يمارسونها في الظروف الاستثنائية التي تطرأ على البلاد كلما اقتضت ذلك ضرورة المحافظة على الأمن وصيانة النظام العام مستهدين في ممارسة هذه السلطة بالتدابير المشار إليها كأمثلة لما يجوز لها اتخاذه في هذا الصدد، وعلى مقتضى ذلك فإنه يجوز لسلطة الطوارئ أن تتخذ أي تدبير تراه ولو لم يرد في ضمن التدابير التي أوردتها المادة الثالثة آنفة الذكر متى كان هذا التدبير ضروريا ولازما للمحافظة على الأمن أو النظام العام - ونظام الطوارئ وإن كان نظاما استثنائيا إلا أنه ليس نظاما مطلقا فقد أرسى الدستور أساسه وحدد القانون ضوابطه على نحو ما تقدم، لذلك فإن ممارسة سلطة الطوارئ منوطة بأن يكون في حدود الضوابط التي أرساها الدستور ونص عليها القانون ومن ثم تبسط عليها رقابة القضاء ضمانا لالتزام هذه الضوابط وتحقيقا لأهداف الشارع التي يستهدفها عند إعلان حالة الطوارئ وهي صيانة الأمن والنظام العام.

ومن حيث إن عبارة النظام العام الواردة في الفقرة الأولى من المادة الثالثة من قانون الطوارئ المتقدم ذكرها، لا تعني في هذا المقام مدلولها الضيق الذي يتفق مع وظيفة البوليس الإداري وهي صون الأمن وإقرار السكينة والطمأنينة والمحافظة على الصحة العامة فهو مدلول إن صح الأخذ به في الظروف العادية فإنه لا يستقيم في الظروف الاستثنائية ولا يتفق مع طبيعة نظام الطوارئ ولا يفي بتحقيق أغراضه ومن ثم فإن مدلول (النظام العام) في حكم المادة الثالثة آنفة الذكر ينصرف إلى ما تقتضيه تحقيق الأغراض التي من أجلها أعلنت حالة الطوارئ وقد عبرت المادة الرابعة من القانون رقم 533 لسنة 1954 في شأن الأحكام العرفية صراحة عن هذا المعنى إذ أجازت لمجلس الوزراء الترخيص للحاكم العسكري في اتخاذ أي تدبير مما يقتضيه تحقيق الأغراض التي من أجلها أعلنت الأحكام العرفية (حالة الطوارئ) ولما كانت حالة الطوارئ القائمة أعلنت يوم وقوع العدوان على البلاد في 5 من يونيه سنة 1967 بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 1337 لسنة 1967 وذلك للمحافظة على الأمن والدفاع عن البلاد ضد أخطار التهديد الخارجي على نحو ما جاء في ديباجة القرار المذكور، وعلى مقتضى ذلك يتعين تحديد مدلول عبارة (النظام العام) في ضوء ظروف الحرب التي خاضتها البلاد ولا تزال تخوضها وكذلك في ضوء الأهداف التي أعلنت حالة الطوارئ من أجلها، وهي أهداف المحافظة على أمن البلاد وصيانة مصالحها الحيوية مما يقتضي تعبئة إمكانياتها البشرية والمادية دعما لكيانها الاقتصادي والاجتماعي وتحقيقا للصمود في المعركة، ومن ثم يدخل في مدلول "النظام العام" في حكم المادة الثالثة المشار إليها بعض التدابير الاقتصادية والاجتماعية التي يقتضيها تحقيق الأهداف المشار إليها، ولا وجه لتفسير عبارة "النظام العام" الواردة في المادة 3 المذكورة في ضوء نص المادة 48 من الدستور التي تقضي بأن الرقابة على الصحف والمطبوعات ووسائل الإعلام في حالة إعلان الطوارئ أو زمن الحرب رقابة محددة  بالأمور التي تتصل بالسلامة العامة أو أغراض الأمن القومي، ذلك أن هذا النص خاص بالرقابة على الصحف والمطبوعات ووسائل الإعلام في حالة إعلان الطوارئ أو زمن الحرب وهي رقابة محددة بصريح نص المادة 48 من الدستور ولذلك فإن الشارع لم يلتزمه في قانون الطوارئ بعد تعديله بالقانون رقم 37 لسنة 1972 إلا في البند/2 الفقرة الأولى من المادة الثالثة من قانون الطوارئ عند نصه على الرقابة على الصحف والمطبوعات ووسائل الإعلام فجعلها مقصورة على الأمور التي تتصل بالسلامة العامة أو أغراض الأمن القومي ومن ثم فهي حالة خاصة لا يجوز القياس عليها ولقد سبق تحديد مدلول عبارة النظام العام في ظل القانون رقم 15 لسنة 1923 المشار إليه إبان الحرب العالمية الثانية بالمعنى المتقدم ذكره فصدرت غداة إعلان الأحكام العرفية لحالة الطوارئ. استنادا إلى هذا القانون  وحفاظا على النظام العام أوامر عسكرية شملت تنظيم تأجير الأماكن وتنظيم العلاقات بين المؤجرين والمستأجرين من بينها الأمر رقم 598 المعدل بالأمر رقم 604، كما شملت هذه الأوامر بعض التدابير المتعلقة بالشئون الاجتماعية منها الأوامر رقم 239 بشأن لجان التوفيق بين العمال وأصحاب الأعمال ورقم 358 بصرف إعانة غلاء المعيشة لعمال المحال الصناعية والتجارية ورقم 468 بشأن تحديد حد أدنى للعمال الزراعيين  كما صدرت أوامر تنظيم مسائل اقتصادية ومالية من بينها الأمر رقم 113 الخاص بدفع سندات شركة قنال السويس وبنك الأراضي المصري، والأمر رقم 361 بتحديد ميعاد لتقديم البيانات المتعلقة بالأرباح التجارية والصناعية والأرباح الاستثنائية وإيداع الضريبة المستحقة والأمر رقم 555 وهو خاص بتنظيم عمليات النقد الأجنبي.

ومن حيث إن حالة الحرب خلقت فيما خلقت من آثار أزمة حادة في قطاع الإسكان فقصرت المساكن عن الوفاء بحاجة السكان مما أخل بميزان العرض والطلب في هذا القطاع فأغرى ملاك العقارات باستغلال حاجة المستأجرين للمساكن بوسائل مختلفة كاقتضاء مقابل تأجير باهظ (خلو رجل) أو فرض التزامات عليهم مخالفة للقانون تنوء بها كثرة المواطنين ومن ثم كان تدخل الدولة لوضع حد لهذا الفساد أمرا حتميا يقتضيه النظام العام فصدر الأمر العسكري رقم 6 لسنة 1973 ومن بين ما يتضمنه تخويل المحافظين سلطة تأجير المساكن طبقا للأولويات المحددة بمعرفة الأجهزة والمجالس المختصة وذلك إذا ظلت شاغرة مدة تزيد على شهرين.

ومن حيث أن المادة 17 من قانون الطوارئ تجيز لرئيس الجمهورية أن ينيب عنه من يقوم مقامه في اختصاصاته المنصوص عليها في هذا القانون كلها أو بعضها في كل أراضى الجمهورية أو في منطقة أو مناطق معينة منها، وقد صدر بناء على هذا النص الأمر رقم 57 لسنة 1973 بتعيين حاكم عسكري عام ونائب له وقد نصت المادة الثانية من هذا الأمر على أن يعين نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية نائبا للحاكم العسكري العام ويخول اتخاذ ما تتطلبه الظروف من التدابير المنصوص عليها في المادة (3) من القانون رقم 162 لسنة 1958 في أراضى الجمهورية، وبناء على هذا التفويض أصدر نائب الحاكم العسكري الأمر رقم 6 لسنة 1973 المشار إليه لذلك فإن هذا الأمر يكون قد صدر  ممن يملك إصداره في حدود الضوابط التي نص عليها القانون.

فلهذه الأسباب

وبعد الاطلاع على المادة الثالثة من قانون الطوارئ الصادر بالقانون رقم 162 لسنة 1958 المعدل بالقانون رقم 37 لسنة 1972.

وعلى أمر نائب الحاكم العسكري العام رقم 6 لسنة 1973.

قررت المحكمة

أولا: أن التدابير التي نصت عليها الفقرة الأولى من المادة الثالثة من القانون رقم 162 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارئ المعدلة بالقانون رقم 37 لسنة 1972 قد وردت على سبيل التمثيل لا الحصر ومن ثم يكون للحاكم العسكري العام ولمن ينوب عنه سلطة تقديرية لا تقف عند هذه التدابير فله أن يجاوزها ويتخذ ما يراه من التدابير بشرط أن تكون ضرورية ولازمة للمحافظة على الأمن والنظام العام.

ثانيا: أن تخويل المحافظين بمقتضى الفقرة الثانية من المادة الثانية من الأمر العسكري رقم 6 لسنة 1973 سلطة تأجير المساكن إذا استمرت شاغرة مدة تزيد على شهرين وفقا للأولويات المحددة بمعرفة الأجهزة والمجالس المختصة - يعتبر تدبيرا يقتضيه إقرار النظام العام في الظروف الاستثنائية التي تجتازها البلاد من ثم فإن هذه الفقرة لا تجاوز حدود المادة الثالثة من القانون رقم 162 لسنة 1958 المعدل بالقانون رقم 37 لسنة 1972 المشار إليه وأهدافها المتعلقة بالمحافظة على الأمن والنظام العام.

 

العودة للصفحة الرئيسية