المحكمة الدستورية العليا المصرية

 

الدعوى رقم 19 لسنة 8 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"

مبادئ الحكم

 

شرط توفر المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية

حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المصلحة الشخصية المباشرة تعد شرطاً لقبول الدعوى الدستورية، وإن مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع، وكان من المقرر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن المصلحة الشخصية المباشرة لا تعتبر متحققة بالضرورة بناء على مجرد مخالفة النص التشريعي المطعون عليه للدستور، بل يتعين أن يكون هذا النص - بتطبيقه على المدعي - قد أخل بأحد الحقوق التي كفلها الدستور على نحو ألحق به ضرراً مباشراً، وبذلك يكون شرط المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية مرتبطاً بالخصم الذي أثار المسألة الدستورية، وليس بهذه المسألة في ذاتها منظوراً إليها بصفة مجردة، وبالتالي لا تقوم هذه المصلحة إلا بتوافر شرطين أوليين يحددان معاً مفهومها، ولا يتداخل أحدهما مع الآخر أو يندمج فيه، وإن كان استقلال كل منهما عن الآخر لا ينفي تكاملهما، وبدونهما مجتمعين لا يجوز لهذه المحكمة أن تباشر رقابتها على دستورية النصوص التشريعية، أولهما أن يقيم المدعي - وفي حدود الصفة التي اختصم بها النص التشريعي المطعون عليه - الدليل على أن ضرراً واقعياً - اقتصادياً أو غيره - قد لحق به، ويتعين أن يكون هذا الضرر مباشراً، مستقلاً بعناصره، ممكناً إدراكه ومواجهته بالترضية القضائية، وليس ضرراً متوهماً أو نظرياً أو مجهلاً، ذلك أن إسناد الرقابة الدستورية إلى هذه المحكمة لا يتوخى الفصل في خصومة قضائية تكون فيها المصلحة نظرية صرفة كتلك التي تتوخى تقرير حكم الدستور مجرداً في موضوع معين لأغراض أكاديمية أو أيدلوجية أو دفاعاً عن قيم مثالية يرجى تثبيتها، أو كنوع من التعبير في الفراغ عن وجهة نظر شخصية، أو لتوكيد مبدأ سيادة القانون في مواجهة صور من الإخلال بمضمونه لا صلة للطاعن بها، أو لإرساء مفهوم معين في شأن مسألة لم يترتب عليها ضرر بالطاعن ولو كانت تثير اهتماماً عاماً، وإنما قصد المشرع بهذه الرقابة أن تقدم المحكمة من خلالها الترضية التي تقتضيها أحكام الدستور عند وقوع عدوان على الحقوق التي كفلها، ومن ثم تكون هذه الرقابة موطئاً لمواجهة أضرار واقعية بغية ردها وتصفية آثارها القانونية، ولا يتصور أن تقوم المصلحة الشخصية المباشرة إلا مرتبطة بدفعها، ثانيهما: أن يكون مرد الأمر في هذا الضرر إلى النص التشريعي المطعون عليه، بما مؤداه قيام علاقة سببية بينهما تحتم أن يكون الضرر المدعى به ناشئاً عن هذا النص ومترتباً عليه، فإذا لم يكن النص التشريعي قد طبق على المدعي أصلاً، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان قد أفاد من مزاياه، أو كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود إليه، فإن المصلحة الشخصية المباشرة تكون منتفية، ذلك أن إبطال النص التشريعي في هذه الصور جميعها لن يحقق للمدعى أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل في الدعوى الدستورية عما كان عليه قبل رفعها .

 وحيث إنه بالبناء على ما تقدم، يبرز شرط المصلحة الشخصية المباشرة باعتباره محدداً لفكرة الخصومة في الدعوى الدستورية، ومبلوراً نطاق المسألة الدستورية التي تدعى هذه المحكمة للفصل فيها، ومؤكداً ضرورة أن تكون المنفعة التي يقررها القانون هي محصلتها النهائية، ومنفصلاً دوماً عن مطابقة النص التشريعي المطعون عليه للدستور أو مخالفته لأحكامه .

 

مبدأ المساواة

أن مبدأ المساواة بين المواطنين في الحقوق لا يعنى أن تعامل فئاتهم - على ما بينها من تباين في مراكزهم القانونية - معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنص المادة 40 المشار إليها، بما مؤداه أن التمييز المنهي عنه بموجبها هو ذلك الذي يكون تحكمياً، وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصوداً لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطاراً للمصلحة العامة التي يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم، فإذا كان النص المطعون عليه - بما انطوى عليه من تمييز - مصادماً لهذه الأغراض بحيث يستحيل منطقياً ربطه بها أو اعتباره مدخلاً إليها، فإن التمييز يكون تحكمياً وغير مستند بالتالي إلى أسس موضوعية، ومن ثم مجافياً لنص المادة 40 من الدستور.

 

سيادة الشعب

الأصل في النصوص الدستورية - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنها تؤخذ باعتبارها متكاملة وأن المعاني التي تتولد عنها يتعين أن تكون مترابطة فيما بينها بما يرد عنها التناقض أو التنافر، وكان الدستور بعد أن نص في المادة 3 على أن السيادة للشعب وحده، حتم أن تكون ممارستها وحمايتها على الوجه المبين في الدستور، بما مؤداه أن أحكامه هي التي تحدد قواعد مباشرتها وتبين تخومها.

 

رقابة القضاء

ما قررته هذه المادة [المادة 68 من الدستور] من عدم جواز النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء، لا ينسحب إلى القرارات القضائية، ويندرج تحتها الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية الصادر عن النيابة العامة على ضوء التحقيق الذي أجرته، إذ يعتبر قراراً قضائياً بمعنى الكلمة ويجوز بالتالي حظر الطعن فيه في نطاق المسائل التي فصل فيها.

 

 

الدعوى رقم 19 لسنة 8 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"

نص الحكم

 

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة 18 أبريل سنة 1992م.

برئاسة السيد المستشار الدكتور/عوض محمد عوض المر

رئيس المحكمة

وحضور السادة المستشارين: الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين ومحمد ولي الدين جلال وعبد الرحمن نصير وسامي فرج يوسف ومحمد علي عبد الواحد والدكتور عبد المجيد فياض.

أعضاء

وحضور السيد المستشار/ السيد عبد الحميد عمارة

المفوض

وحضور السيد/ رأفت محمد عبد الواحد

أمين السر

أصدرت الحكم الآتي

في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 19 لسنة 8 قضائية "دستورية".

الإجراءات

في الثالث من أغسطس سنة 1986 أودع المدعي قلم كتاب المحكمة صحيفة الدعوى الماثلة طالباً الحكم بعدم دستورية المواد 63، 64، 162، 210، 232 من قانون الإجراءات الجنائية.

 وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها رفض الدعوى.

 وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.

 ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمة

 بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.

حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعي كان قد أقام ضد وزير الثقافة الدعوى رقم 4133 لسنة 1983 مستعجل القاهرة طالباً الحكم بصفة مستعجلة بندب الخبير المختص لإثبات حالة أفلام الماستر فيديو التي قام تابعو الوزير بمحو تسجيلاتها، وتقدير قيمة ما أصابه من ضرر من جراء ذلك، فأصدرت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة في 7 نوفمبر سنة 1983 حكماً تمهيدياً بندب خبير مختص في المرئيات والصوتيان لمعاينة الأفلام المشار إليها وإثبات حالتها وتقدير قيمتها مسجلة وخالية وقيمة الضرر الناجم عن محوها، وكلفت المدعي إيداع أمانة قدرها مائة جنيه أتعاباً للخبير، فقام المدعي بذلك، إلا أن مكتب خبراء جنوب القاهرة أخطأ بتكليفه أحد خبراء الجدول من المهندسين المعماريين بمباشرة المأمورية التي فصلها الحكم التمهيدي، وقد اعترض المدعي على قيام هذا المهندس بالمأمورية لعدم خبرته في مجال الصوتيات والمرئيات، إلا أنه مضى في مباشرتها وقام بقبض الأمانة، فتقدم المدعي بشكوى اتهم فيها ذلك المهندس باختلاس المال العام والاستيلاء عليه وانتحال صفة الخبير ذي الحق في اقتضاء الأمانة، ومن ثم ارتكابه الجرائم المنصوص عليها في المواد 112، 113، 211 من قانون العقوبات، وقامت النيابة العامة بتحقيق هذه الشكوى بسماع أقوال وكيل المدعي الذي ادعى مدنياً مطالباً إلزام المشكو ضده بتعويضه مؤقتاً بما مقداره واحد وخمسون جنيهاً. وإذ أصدرت النيابة العامة قرارها بحفظ الأوراق وقيدها بدفتر الشكاوى الإدارية برقم 5664 لسنة 1985 إداري عابدين، فقد تظلم الشاكي - بصفته مدعياً بالحقوق المدنية - من هذا القرار، ونظر تظلمه أمام محكمة جنايات القاهرة منعقدة في غرفة المشورة، حيث دفع بجلسة 15 يونيه 1986 بعدم دستورية المواد 63، 64، 162، 210 من قانون الإجراءات الجنائية، فصرحت باتخاذ إجراءات الطعن بعدم دستورية المواد المشار إليها والمادة 232 من قانون الإجراءات الجنائية، فأقام دعواه الماثلة.

وحيث إن ولاية هذه المحكمة في الدعاوى الدستورية - وعلى ما جرى به قضاؤها - لا تقوم إلا باتصالها بالدعوى اتصالاً مطابقاً للأوضاع المقررة في قانونها، وكان نطاق الدعوى الدستورية التي أتاح المشرع للخصوم إقامتها يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية الذي أثير أمام محكمة الموضوع، وفي الحدود التي تقدر فيها جديته، وكان المدعي - في الدعوى الماثلة - قد دفع أمام محكمة الموضوع بعدم دستورية المواد 63، 64، 162، 210 من قانون الإجراءات الجنائية، فصرحت له برفع الدعوى بعدم دستورية تلك المواد مضيفة إليها المادة 232 من القانون ذاته دون دفع مسبق بعدم دستوريتها، فإن الطعن بعدم دستورية هذه المادة الأخيرة يكون مجاوزاً النطاق الذي تتحدد به المسألة الدستورية التي تدعى هذه المحكمة للفصل فيها، بما مؤداه انتفاء اتصال الدعوى الماثلة - في شقها الخاص بالطعن على المادة 232 من قانون الإجراءات الجنائية - بالمحكمة الدستورية العليا، اتصالاً مطابقاً للأوضاع التي رسمها قانونها، والتي لا يجوز الخروج عليها بوصفها ضوابط جوهرية فرضها المشرع لمصلحة عامة كي ينتظم التداعي في المسائل الدستورية وفقاً للقواعد التي حددها، الأمر الذي يتعين معه الحكم بعدم قبول الدعوى بالنسبة إليها، وليس سائغاً القول بأن المادة 232 المشار إليها والتي أضافتها محكمة الموضوع إلى المواد التي دفع المدعي أمامها بعدم دستوريتها، تعتبر محالة منها مباشرة إلى المحكمة الدستورية العليا، ذلك أن البند (أ) من المادة 29 من قانون هذه المحكمة وإن خول محكمة الموضوع أن تحيل من جانبها النصوص التشريعية التي تقوم لديها شبهة قوية على مخالفتها أحكام الدستور، ويكون الفصل في دستوريتها لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة عليها، إلا أن مباشرة محكمة الموضوع لهذا الاختصاص يقتضيها أن تصدر بالإحالة حكماً بمعنى الكلمة يكون قاطعاً في دلالته على انعقاد إرادتها على أن تعرض بنفسها المسألة الدستورية على المحكمة الدستورية العليا، وأن يكون قضاؤها بالإحالة متضمناً تحديداً كافياً للنصوص التشريعية المطعون عليها ونصوص الدستور المدعى مخالفتها والأوجه التي تقوم عليها هذه المخالفة، وهو ما لم يتحقق في الدعوى الماثلة.

 وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المصلحة الشخصية المباشرة تعد شرطاً لقبول الدعوى الدستورية، وإن مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع، وكان من المقرر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن المصلحة الشخصية المباشرة لا تعتبر متحققة بالضرورة بناء على مجرد مخالفة النص التشريعي المطعون عليه للدستور، بل يتعين أن يكون هذا النص - بتطبيقه على المدعي - قد أخل بأحد الحقوق التي كفلها الدستور على نحو ألحق به ضرراً مباشراً، وبذلك يكون شرط المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية مرتبطاً بالخصم الذي أثار المسألة الدستورية، وليس بهذه المسألة في ذاتها منظوراً إليها بصفة مجردة، وبالتالي لا تقوم هذه المصلحة إلا بتوافر شرطين أوليين يحددان معاً مفهومها، ولا يتداخل أحدهما مع الآخر أو يندمج فيه، وإن كان استقلال كل منهما عن الآخر لا ينفي تكاملهما، وبدونهما مجتمعين لا يجوز لهذه المحكمة أن تباشر رقابتها على دستورية النصوص التشريعية، أولهما أن يقيم المدعي - وفي حدود الصفة التي اختصم بها النص التشريعي المطعون عليه - الدليل على أن ضرراً واقعياً - اقتصادياً أو غيره - قد لحق به، ويتعين أن يكون هذا الضرر مباشراً، مستقلاً بعناصره، ممكناً إدراكه ومواجهته بالترضية القضائية، وليس ضرراً متوهماً أو نظرياً أو مجهلاً، ذلك أن إسناد الرقابة الدستورية إلى هذه المحكمة لا يتوخى الفصل في خصومة قضائية تكون فيها المصلحة نظرية صرفة كتلك التي تتوخى تقرير حكم الدستور مجرداً في موضوع معين لأغراض أكاديمية أو أيدلوجية أو دفاعاً عن قيم مثالية يرجى تثبيتها، أو كنوع من التعبير في الفراغ عن وجهة نظر شخصية، أو لتوكيد مبدأ سيادة القانون في مواجهة صور من الإخلال بمضمونه لا صلة للطاعن بها، أو لإرساء مفهوم معين في شأن مسألة لم يترتب عليها ضرر بالطاعن ولو كانت تثير اهتماماً عاماً، وإنما قصد المشرع بهذه الرقابة أن تقدم المحكمة من خلالها الترضية التي تقتضيها أحكام الدستور عند وقوع عدوان على الحقوق التي كفلها، ومن ثم تكون هذه الرقابة موطئاً لمواجهة أضرار واقعية بغية ردها وتصفية آثارها القانونية، ولا يتصور أن تقوم المصلحة الشخصية المباشرة إلا مرتبطة بدفعها، ثانيهما: أن يكون مرد الأمر في هذا الضرر إلى النص التشريعي المطعون عليه، بما مؤداه قيام علاقة سببية بينهما تحتم أن يكون الضرر المدعى به ناشئاً عن هذا النص ومترتباً عليه، فإذا لم يكن النص التشريعي قد طبق على المدعي أصلاً، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان قد أفاد من مزاياه، أو كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود إليه، فإن المصلحة الشخصية المباشرة تكون منتفية، ذلك أن إبطال النص التشريعي في هذه الصور جميعها لن يحقق للمدعى أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل في الدعوى الدستورية عما كان عليه قبل رفعها.

 وحيث إنه بالبناء على ما تقدم، يبرز شرط المصلحة الشخصية المباشرة باعتباره محدداً لفكرة الخصومة في الدعوى الدستورية، ومبلوراً نطاق المسألة الدستورية التي تدعى هذه المحكمة للفصل فيها، ومؤكداً ضرورة أن تكون المنفعة التي يقررها القانون هي محصلتها النهائية، ومنفصلاً دوماً عن مطابقة النص التشريعي المطعون عليه للدستور أو مخالفته لأحكامه.

 وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان المدعي - بوصفه مدعياً بالحقوق المدنية أثناء تحقيق أجرته النيابة العامة - قد طعن في القرار الصادر عنها بحفظ شكواه إدارياً، وكان هذا القرار لا يعدو أن يكون تصرفاً قضائياً من جانبها في التحقيق الابتدائي الذي أجرته متضمناً إنهاءه وقوفاً بالدعوى الجنائية عند هذه المرحلة لانتفاء مقتضيات رفعها - بحالتها - إلى القضاء، فإن ذلك القرار، وإعمالاً لنص المادة 209 من قانون الإجراءات الجنائية ينحل إلى أمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية يكون بذاته مانعاً من العودة إلى التحقيق الابتدائي إلا إذا ظهرت دلائل جديدة قبل انتهاء المدة المقررة لسقوط الدعوى الجنائية، وإذ طعن المدعي بالحقوق المدنية في هذا الأمر أمام محكمة الجنايات منعقدة في غرفة المشورة، وكانت الفقرة الأولى من المادة 210 إجراءات جنائية معدلة بالقانون 373 لسنة 1972 - التي تخول المدعي بالحقوق المدنية الطعن في الأمر الصادر من النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوى ما لم يكن صادراً في تهمة موجهة ضد أحد الموظفين أو المستخدمين العامين أو أحد رجال الضبط لجريمة ارتكبها أثناء تأدية وظيفته أو بسببها من غير الجرائم المشار إليها في المادة 123 عقوبات - هي التي تحول بذاتها بين المدعي بالحقوق المدنية وبين الطعن في قرار أصدرته النيابة العامة في شأن اتهام موجه إلى خبير يشغل وظيفة عامة بمقولة ارتكابه جريمة أثناء تأديته لواجباتها وكان الدفع بعدم الدستورية الذي أبداه المدعي أمام المحكمة منعقدة في غرفة المشورة يتوخى في حقيقة مرماه إسقاط حكم الفقرة الأولى سالفة البيان بوصفها عائقاً يحول دون انفتاح طريق الطعن أمامه في القرار الصادر من النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية في الإطار المتقدم، فإن مصلحته الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية الماثلة تنحصر في الطعن على هذه الفقرة وحدها وذلك دون المواد 63، 64، 162 من قانون الإجراءات الجنائية التي ليس لها من صلة بطلباته أمام غرفة المشورة، ذلك أن المادة 63 بفقراتها الأربع لا شأن لها بقرار بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية صدر عن النيابة العامة على ضوء التحقيق الابتدائي الذي أجرته وأساس ذلك أنها تنظم اختصاص النيابة العامة في مجال تصرفها في التهمة وفق ما أسفرت عنه أعمال الاستدلال، وهي أعمال لابد أن يعقبها بدء التحقيق الابتدائي إذا كانت الجريمة جناية، أما المادة 64 فتحدد الأحوال التي يجوز فيها للنيابة العامة أن تطلب من رئيس المحكمة الابتدائية ندب أحد قضاتها لمباشرة التحقيق في جناية أو جنحة، ولا صلة لها بالتالي بمصلحة المدعي بالحقوق المدنية في دعواه الموضوعية التي يطعن فيها على قرار النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية الصادر عنها بعد مباشرتها التحقيق بنفسها، والأمر كذلك بالنسبة إلى المادة 162 لأن حكمها خاص بحدود حق المدعي بالحقوق المدنية في الطعن - استئنافياً - على الأمر الصادر من قاضي التحقيق بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية، ومن ثم يتعين الحكم بعدم قبول الدعوى بالنسبة إلى الطعن على المواد 63، 64، 162 من قانون الإجراءات الجنائية.

وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكانت مصلحة المدعي - في الدعوى الماثلة - تنحصر في الطعن على الفقرة الأولى من المادة 210 من قانون الإجراءات الجنائية فيما تضمنته من حرمان المدعي بالحقوق المدنية من الطعن في الأمر الصادر من النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوة الجنائية إذا تعلق بتهمة موجهة إلى أحد الموظفين أو المستخدمين العامين أو أحد رجال الضبط لجريمة ارتكبها أثناء تأدية الوظيفة أو بسببها ما لم تكن من الجرائم المشار إليها في المادة 123 من قانون العقوبات، فقد غدا محتوماً إخضاع هذه الفقرة لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة دستورية.

 وحيث إن المدعي ينعى على الفقرة المشار إليها مخالفتها لمبدأ المساواة أمام القانون المنصوص عليها في المادة 40 من الدستور بمقولة أن ما سعى إليه النص المطعون عليه من تأمين شاغل الوظيفة العامة أو القائم بالخدمة العامة من شرور الإدعاء عليه، وضمان جدية الاتهام الموجه إليه، لا يقتضي إفراده بحصانة غير مقررة بالنسبة إلى غيره من المواطنين، ذلك أن المتهمين والمجرمين يخضعون لمبدأ المساواة فلا يجوز تمييزهم إذا كانوا من الموظفين أو القائمين بخدمة عامة على غيرهم من أفراد الشعب مخدومهم.

 وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أن مبدأ المساواة بين المواطنين في الحقوق لا يعنى أن تعامل فئاتهم - على ما بينها من تباين في مراكزهم القانونية - معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنص المادة 40 المشار إليها، بما مؤداه أن التمييز المنهي عنه بموجبها هو ذلك الذي يكون تحكمياً، وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصوداً لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطاراً للمصلحة العامة التي يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم، فإذا كان النص المطعون عليه - بما انطوى عليه من تمييز - مصادماً لهذه الأغراض بحيث يستحيل منطقياً ربطه بها أو اعتباره مدخلاً إليها، فإن التمييز يكون تحكمياً وغير مستند بالتالي إلى أسس موضوعية، ومن ثم مجافياً لنص المادة 40 من الدستور.

 وحيث إنه إذ كان ذلك، وكان ادعاء من لحقه ضرر من الجريمة بالحقوق المدنية أثناء تحقيق تجريه النيابة العامة لجبر الأضرار الناجمة عن جريمة ارتكبها أحد الموظفين أو المستخدمين العامين أثناء تأدية وظيفته أو بسببها، قد يحمل في ثناياه اتهاماً كيدياً بسبب منفعة ضيعها أحد العاملين بالدولة على المدعي بالحقوق المدنية، أو لقيام من اتهمه من هؤلاء بعمل أضر به وإن كان تنفيذاً لحكم القانون، أو لإشباع شهوة الانتقام لضغائن شخصية أو إذكاء لنزعة النيل من الآخرين تطاولاً على سمعتهم، وكان المشرع قد وازن بين حق المدعي بالحقوق المدنية في الادعاء المباشر - وهو حق ورد على خلاف الأصل الذي قررته المادة 70 من الدستور التي لا تجيز إقامة الدعوى الجنائية إلا بأمر من جهة قضائية فيما عدا الأحوال التي يحددها القانون - وبين ما تقتضيه إشاعة الاطمئنان بين القائمين بالعمل العام بثاً للثقة في نفوسهم بما يكفل قيامهم بأعباء الوظيفة أو الخدمة العامة، دون تردد أو وجل يعوق الأداء الأكمل لواجباتها أو يدفعهم إلى التنصل من أعبائها توقياً لمسئوليتهم عنها، بما يثنيهم في النهاية عن تحمل تبعاتها ويعطل قدرتهم على اتخاذ القرار الملائم، فأقر - في إطار هذه الموازنة - نص المادة 232 إجراءات جنائية مستبعداً بموجبها الادعاء المباشر في مجال الجرائم التي يرتكبها الموظفون أو المستخدمون العامون أثناء تأديتهم لوظائفهم أو بسببها عدا الجرائم المنصوص عليها في المادة 123 من قانون العقوبات، مؤكداً بهذا الاستبعاد ما قررته المذكرة الإيضاحية - للقانون رقم 121 لسنة 1956 - في شأن هذا القيد من أن النصوص العقابية تعامل الموظفين والمستخدمين العامين في شأن التجريم على نحو مغاير لغيرهم سواء بتغليظ العقوبة عليهم لحملهم على الوفاء بواجباتهم التي حملتهم بها، أو بإفرادهم بجرائم وعقوبات يختصون بها دون غيرهم، متى كان ذلك، وكان المشرع قد دل بالأحكام السابق بيانها على أن تخويل المدعي بالحقوق المدنية الحق في ملاحقة هؤلاء جنائياً عن طريق الادعاء المباشر بناء على دوافع واهية تكون المخاصمة في إطارها شططاً إنما يلحق بالمصلحة العامة أضراراً بليغة وكان النص التشريعي المطعون فيه يحظره الطعن في قرار النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية في تهمة موجهة إلى أحد الموظفين أو المستخدمين العامين لجريمة وقعت منه، أثناء تأديته وظيفته أو بسببها، قد التزم اتجاه رد غائلة العدوان عن هؤلاء في مواجهة صور من إساءة استعمال الحق في التعويض عن الأضرار الناشئة عن الجريمة كوسيلة لملاحقة جنائية تقوم على أدلة متخاذلة أو يكون باعثها تلك النزعة الطبيعية - عند البعض - إلى التجريح، فإن المشرع يكون قد رجح بالنص التشريعي المطعون عليه مصلحة أولى في تقديره بالاعتبار هي تلك التي يمليها الأداء الأقوم للوظيفة العامة دون تردد يقعد بشاغليها عن الوفاء بأمانة المسئولية المرتبطة بها، وتوقياً لخور يوهن عزائمهم، ويصرفهم عن النهوض بأعبائها، متى كان ذلك، فإن النص التشريعي المطعون عليه يكون قد توخى - وعلى ما تقدم - حماية الوظيفة العامة من مخاطر اتهام موجه إلى شاغلها لا يقوم على أساس سواء من ناحية الواقع أو القانون، وهي بعد حماية لا تعني أن قانون الإجراءات الجنائية قد أسقط عن الموظفين أو المستخدمين العامين الحق في ملاحقتهم لمحاسبتهم أمام القضاء عن الجرائم التي وقعت منهم أثناء تأدية الوظيفة أو بسببها، ذلك أن الحق في إقامة الدعوى الجنائية قبلهم في شأن هذه الجرائم لازال قائماً كلما كانت الأدلة على وقوعها بأركانها التي عينها القانون وعلى نسبتها إلى فاعلها كافية، وإن كان زمام رفعها معقوداً للنائب العام أو المحامي العام أو رئيس النيابة العامة، وذلك بالنظر إلى ضرورة تقدير التهمة وأدلتهما وفق مقاييس دقيقة تصون للوظيفة العامة حرمتها وتكفل السير المنتظم لها في إطار المصلحة العامة ونزولاً على موجباتها، وبذلك تكون الواقعة محل الاتهام الجنائي وما أسفر عنه التحقيق بشأنها وحكم القانون المتعلق بها هي العناصر الموضوعية التي يتحدد على ضوئها مسار الدعوى الجنائية، إما وقوفاً بها عند مرحلة التحقيق الابتدائي بإصدار النيابة العامة أمراً بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية، وإما بإحالتها إلى المحكمة المختصة بنظرها على ضوء ما توافر من الأدلة المعززة للاتهام.

 وحيث إنه متى كان ذلك، وكان النص المطعون عليه قد حظر الطعن في قرار النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية في الإطار المتقدم بيانه، لا بقصد تمييز بعض المتهمين أو المذنبين على بعض، وإنما لتحقيق غاية بعينها تتمثل في صون الأداء الأفضل للوظيفة العامة من خلال توفير ضمانة لازمة تكفل لمن يقوم بأعبائها أن يوزن الاتهام إليه بمقاييس دقيقة لا يكون معها العمل العام موطئاً لشهوة التشهير بسمعته أو الازدراء بقدره دون أدلة كافية تظاهر الاتهام وترجحه، فإن النص التشريعي المطعون عليه يكون محققاً لمصلحة عامة مرتكناً في بلوغها إلى أسس موضوعية لا تقيم في مجال تطبيقها تمييزاً بين المخاطبين بأحكامه المتماثلة مراكزهم القانونية بالنسبة إليه، ومن ثم تكون قالة الإخلال بمبدأ المساواة أمام القانون فاقدة لأساسها حرية بالرفض.

وحيث إن المدعي ينعى على النص المطعون عليه مخالفته المواد 3، 64، 65 من الدستور، بمقولة أن الدولة هي جماع مؤسساتها التي تضم الموظفين والمستخدمين العامين كافة، وأنه إذ نص الدستور في المادة 64 على أن سيادة القانون أساس الحكم في الدولة، وقرر في المادة 65 خضوع الدولة للقانون، فإن النص التشريعي المطعون عليه إذ حال بين المدعي بالحقوق المدنية والطعن في قرار النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية في تهمة موجهة إلى موظف أو مستخدم عام لجريمة وقعت منه أثناء تأديته وظيفته أو بسببها، يكون قد جاء مصادماً لهاتين المادتين ومخالفا كذلك للمادة 3 من الدستور التي تعقد السيادة للشعب وحده.

 وحيث إن هذا النعي مردود بأن الأصل في النصوص الدستورية - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنها تؤخذ باعتبارها متكاملة وأن المعاني التي تتولد عنها يتعين أن تكون مترابطة فيما بينها بما يرد عنها التناقض أو التنافر، وكان الدستور بعد أن نص في المادة 3 على أن السيادة للشعب وحده، حتم أن تكون ممارستها وحمايتها على الوجه المبين في الدستور، بما مؤداه أن أحكامه هي التي تحدد قواعد مباشرتها وتبين تخومها. وكان الدستور قد خول المحكوم له - وبوصفه مدعياً بالحقوق المدنية - الحق في الادعاء المباشر في حالة بذاتها هي جريمة الامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية أو تعطيل تنفيذها المنصوص عليها في المادة 72منه، وفرض المشرع فيما عداها - وعلى ما تنص عليه المادة 70 - لتحديد الأحوال التي تقام فيها الدعوى الجنائية عن غير طريق الجهة القضائية ويندرج تحتها الحق في الادعاء المباشر، وكان المشرع في إطار هذا التفويض والتزاماً بأبعاده قد استبعد من نطاق الادعاء المباشر أي جناية أو جنحة يكون الاتهام بارتكابها أثناء تأدية الوظيفة العامة أو بسببها موجها إلى أحد الموظفين أو المستخدمين العامين وذلك لضمان الأداء الأفضل للوظيفة العامة على ما تقدم، وكان النص التشريعي المطعون عليه متعلقاً بجرائم الوظيفة العامة واقعاً في إطارها مستلهماً الاعتبارات عينها التي قرر المشرع من أجلها استبعاد الادعاء المباشر في مجال الجرائم الوظيفية ودون ما إهدار للحق في إحالتها إلى القضاء المختص بنظرها عن طريق النائب العام أو المحامى العام أو رئيس النيابة العامة إذا ما كانت الأدلة على وقوع الجريمة وعلى نسبتها إلى المتهم كافية، وكان حظر الطعن الذي تضمنه النص التشريعي المطعون عليه متعلقاً بقرار بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية صدر عن النيابة العامة على ضوء تحقيقاتها، وكان هذا القرار قضائياً بمعنى الكلمة، فإن حظر الطعن فيه يدخل في نطاق السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق، بما لا مخالفة فيه لأحكام المواد 3، 64، 65 من الدستور.

وحيث إن المدعي ينعى على النص التشريعي المطعون عليه إخلاله بالحق في التقاضي إذ منع المضرور من الجريمة التي ارتكبها موظف أو مستخدم عام أثناء تأدية وظيفته أو بسببها، من اللجوء إلى قاضيه الطبيعي لطلب التعويض من المسئول عن الفعل الضار فضلاً عن القصاص منه.

وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن المشرع وإن خول من لحقه ضرر من الجريمة أن يدعي بحقوق مدنية أثناء إجراء التحقيق، إلا أن اللجوء إلى القضاء الجنائي للفصل في الحقوق المدنية لا يعدو أن يكون استثناء من أصل اختصاص القضاء المدني بنظر الدعوى المتعلقة بها، ومن ثم كانت الدعوى المدنية المنظورة أمام القضاء الجنائي تابعة للدعوى الجنائية، وكان المدعي بالحقوق المدنية بالخيار بين ولوج أحد الطرفين المدني أو الجنائي إذا كان كلاهما مفتوحاً أمامه، فإذا انغلق الطريق الاستثنائي بالنسبة إليه، ظل حقه في طلب تعويض الأضرار الناشئة عن الجريمة قائماً أمام القضاء المدني، بوصفه حقاً أصيلاً - لا استثنائياً - بما مؤداه أن الأصل هو أن يكون الفصل في الدعوى المدنية بيد هذا القضاء بوصفه قاضيها الطبيعي، ومن ثم لا يكون النص التشريعي المطعون عليه قد حال دون لجوء المدعي بالحقوق المدنية إليه لجبر الضرر الذي لحقه من الجريمة التي ارتكبها احد الموظفين أو المستخدمين العامين، ذلك أن الطريق إلى اقتضاء الحقوق المدنية أمام قاضيها الطبيعي يظل مفتوحاً ولا يسقط حقه فيه إلا بسقوط الحق في الدعوى التي تقام لطلبها.

وحيث إنه عن الادعاء بحرمان المدعي بالحقوق المدنية من القصاص من هؤلاء لجريمة وقعت منهم أثناء تأدية الوظيفة أو بسببها، فمردود بأن الحق في الادعاء المباشر ليس إلا استثناء من أصل رفع الدعوى الجنائية بأمر من جهة قضائية، وقد أغلق المشرع - في حدود سلطته التقديرية ولاعتبارات تتعلق بالمصلحة العامة على ما سلف بيانه - هذا الطريق في مجال الجرائم الوظيفية ودون ما إهدار للحق في ملاحقة مرتكبيها جنائياً وفق مقاييس موضوعية وعلى ضوء الأدلة التي تعزز الاتهام وترجحه، إذ كان ما تقدم، فإن النص التشريعي المطعون عليه لا يكون قد اخل بالحق في الفصل في الحقوق المدنية لجبر الضرر الناشئ عن الجريمة الوظيفية أو أهدر الحق في القصاص من مرتكبها الأمر الذي يعتبر معه هذا النعي برمته على غير أساس.

وحيث إن ما ينعاه المدعي على النص التشريعي المطعون عليه من أنه حصن قراراً صدر عن النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية بالمخالفة لنص المادة 68 من الدستور، مردود بأن ما قررته هذه المادة من عدم جواز النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء، لا ينسحب إلى القرارات القضائية، ويندرج تحتها الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية الصادر عن النيابة العامة على ضوء التحقيق الذي أجرته، إذ يعتبر قراراً قضائياً بمعنى الكلمة ويجوز بالتالي حظر الطعن فيه في نطاق المسائل التي فصل فيها.

وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان النص المطعون عليه لا يخالف من أوجه أخرى أي حكم من أحكام الدستور، فإنه يتعين والحالة هذه رفض الدعوى بالنسبة إلى الطعن على الفقرة الأولى من المادة 210 من قانون الإجراءات الجنائية.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى بالنسبة إلى الطعن على نصوص المواد 63، 64، 162، 232 من قانون الإجراءات الجنائية، وبرفضها بالنسبة إلى الطعن على نص الفقرة الأولى من المادة 210 من القانون ذاته، فيما تضمنه من عدم تخويل المدعي بالحقوق المدنية حق الطعن في أمر النيابة العامة بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية الصادر في تهمة موجهة إلى موظف أو مستخدم عام أو أحد رجال الضبط لجريمة وقعت منه أثناء تأديته وظيفته أو بسببها ما لم تكن من الجرائم المشار إليها في المادة 123 من قانون العقوبات، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

 

 

العودة للصفحة الرئيسية