المحكمة الدستورية العليا المصرية

 

قضية رقم 148 لسنة 22 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"

مبادئ الحكم: حق التقاضي - دعوى دستورية

نص الحكم

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد 9 يونيو سنة 2002 م، الموافق 28 ربيع الأول سنة 1423 هـ

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ محمد فتحي نجيب

رئيس المحكمة

والسادة المستشارين/ عدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله وعلي عوض محمد صالح وأنور رشاد العاصي وعبد الوهاب عبد الرازق ومحمد عبد العزيز الشناوي

أعضاء

وحضور السيد المستشار/ سعيد مرعى عمرو

رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن

أمين السر

أصدرت الحكم الآتي

في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 148 لسنة 22 قضائية "دستورية".

المقامة من

السيد/ ... بصفته الممثل القانوني للشركة المصرية للسبائك بإدفو

ضد

1- السيد رئيس الجمهورية

2- السيد رئيس مجلس الوزراء

3- السيد رئيس مجلس الشعب

4- السيد/ ...

الإجراءات

بتاريخ الثاني والعشرين من أغسطس سنة 2000، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طلبا للحكم بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة 221 من قانون المرافعات فيما أغفلته من النص على جواز استئناف الأحكام الانتهائية الصادرة من محاكم الدرجة الأولى إذا كانت مشوبة بالخطأ في تطبيق القانون.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.

ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق والمداولة.

حيث إن الوقائع على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق تتحصل في أن المدعى عليه الرابع كان قد أقام الدعوى رقم 7 لسنة 1999 أمام محكمة إدفو الجزئية ضد المدعي بصفته بطلب الحكم بإلزامه بأن يدفع إليه مبلغ 96,1337 جنيها، قيمة المقابل النقدي عن تذاكر السفر التي لم تصرف له عن ابنته اثناء عمله بالشركة التي يمثلها المدعى. وبعد أن ندبت المحكمة خبيرا وقدم تقريره، قضت بالطلبات. استأنف المدعي هذا الحكم بالاستئناف رقم 45 لسنة 2000 أمام محكمة إدفو الابتدائية، وأثناء نظره، دفع بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة 221 من قانون المرافعات فيما أغفلته من النص على جواز استئناف الأحكام الصادرة من محاكم الدرجة الأولى إذا كانت مشوبة بالخطأ في تطبيق القانون، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية دفعه وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية، فقد أقام الدعوى الماثلة.

وحيث إن قانون المرافعات قد نص في المادة 42 منه على أن "تختص محكمة المواد الجزئية بالحكم ابتدائيا في الدعاوى المدنية والتجارية التي لا تجاوز قيمتها عشرة آلاف جنيه، ويكون حكمها انتهائيا إذا كانت قيمة الدعوى لا تجاوز ألفى جنيه".

وفى المادة 43 على أن "تختص محكمة المواد الجزئية كذلك بالحكم ابتدائيا مهما تكن قيمة الدعوى وانتهائيا إذا لم تجاوز قيمتها ألفى جنيه فيما يلى: ...".

كما نص في المادة 47 منه على أن "تختص المحكمة الابتدائية بالحكم ابتدائيا في جميع الدعاوى المدنية والتجارية التي ليست من اختصاص محكمة المواد الجزئية ويكون حكمها انتهائيا إذا كانت قيمة الدعوى لا تجاوز عشرة آلاف جنيه.

وتختص كذلك بالحكم في قضايا الاستئناف الذى يرفع إليها عن الأحكام الصادرة ابتدائيا من محكمة المواد الجزئية أو من قاضى الأمور المستعجلة ".

ونص في المادة 219 منه على أن "للخصوم في غير الأحوال المستثناة بنص في القانون أن يستأنفوا أحكام محاكم الدرجة الأولى الصادرة في اختصاصها الابتدائي.".

ونص في المادة 220 على أن "يجوز استئناف الأحكام الصادرة في المواد المستعجلة أيا كانت المحكمة التي أصدرتها".

كما نص في الفقرة الأولى من المادة 221 على أن "يجوز استئناف الأحكام الصادرة بصفة انتهائي من محاكم الدرجة الأولى بسبب مخالفة قواعد الاختصاص المتعلقة بالنظام العام، أو وقوع بطلان في الحكم، أو بطلان في الإجراءات أثر في الحكم".

وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية مناطها أن تتوافر علاقة منطقية بينها وبين المصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الفصل في المسائل الدستورية التي تدعى هذه المحكمة لنظرها لازما للفصل فيما يرتبط بها من الطلبات الموضوعية، ولما كان جوهر طلبات المدعي بصفته في النزاع الموضوعي ينحصر في أحقيته في استئناف الحكم الصادر من المحكمة الجزئية بصفة انتهائية لأسباب حاصلها الخطأ في تطبيق القانون، وإذ كان نص الفقرة الأولى من المادة 221 من قانون المرافعات لا يجيز الاستئناف في هذه الحالة، فإن حسم المسألة الدستورية المثارة من شأنه أن يؤثر تأثيرا جوهريا على الفصل في الطلبات الموضوعية، مما تتحقق معه مصلحة شخصية للمدعي في إقامة دعواه الدستورية الماثلة.

وحيث إن مبنى طعن المدعي قام على أن النص الطعين إذ أجاز استئناف الأحكام الصادرة من محاكم أول درجة بصفة انتهائية لما قد يلحق بها من عيوب شكلية، بينما حال دون جواز استئنافها لعيوب موضوعية تتعلق بمخالفتها للقانون، فإنه يكون قد أسبغ الحماية على الجانب الشكلي للخصومة القضائية، بينما كان من المتعين أن تسبغ الحماية من باب أولى على الجانب الموضوعي لهذه الخصومة، وهو ما يمثل في حقيقته اعتداء على حق الملكية وهو جوهر الحق في التقاضي، كما أن المشرع إذ حال دون استئناف بعض الأحكام بسبب القيمة المتنازع عليها، بينما أجاز الاستئناف إذا زادت هذه القيمة، فإنه يكون قد مايز بين طائفتين من الأحكام معتنقا بذلك معيارا لا يتسم بالعدالة، بما يجعل النص الطعين كذلك مشوبا بالإخلال بمبدأ سيادة القانون باعتباره أساس الحكم في الدولة، فضلا عن إهداره استقلال السلطة القضائية وإعاقته تحقيق العدالة، بما يعيب النص الطعين بمخالفة أحكام المواد 32 و34 و40 و64 و65 و165 و166 من الدستور.

وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن الأصل في اختصاص المشرع بسلطة تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط معينة تعتبر حدودا لها وفواصل لا يجوز له تجاوزها، وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أنه ليس هناك ثمة تناقض بين حق التقاضي كحق دستوري وبين تنظيمه تشريعيا، بشرط ألا يتخذ المشرع هذا التنظيم وسيلة إلى حظر حق التقاضي أو إهداره، كما أن قصر التقاضي على درجة واحدة، هو مما يستقل المشرع بتقديره، بمراعاة أمرين: أولهما أن يكون هذا القصر قائما على أسس موضوعية تمليها طبيعة المنازعة، وخصائص الحقوق المثارة فيها، ثانيهما: أن تكون الدرجة الواحدة محكمة أو هيئة ذات اختصاص قضائي من حيث تشكيلها وضماناتها والقواعد المعمول بها أمامها، وأن يكون المشرع قد عهد إليها بالفصل في عناصر النزاع جميعها الواقعية منها والقانونية فلا تراجعها فيما تخلص إليه من ذلك جهة أخرى، لما كان ذلك، وكان الأصل هو عدم جواز استئناف الأحكام الصادرة في حدود النصاب الانتهائى للمحكمة الجزئية وهي الدعاوى التي لا تجاوز قيمتها ألفى جنيه، وورد بالمذكرات الإيضاحية للقانون رقم 13 لسنة 1968 بإصدار قانون المرافعات المدنية والتجارية وتعديلاته، ومنها المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 23 لسنة 1992 بتعديل بعض أحكام قوانين المرافعات المدنية والتجارية والإثبات في المواد المدنية والتجارية والعقوبات والإجراءات الجنائية وحالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض ورسوم التوثيق والشهر، أن أساس عدم جواز استئناف هذه الأحكام يرجع إلى ضآلة قيمة هذه الدعاوى، وأن هذا التحديد يأخذ في اعتباره ما تنعكس به القيم المالية من أثر على أهمية الدعوى ذاتها، وهي الأهمية التي تحدد المستوى الذى يجب أن تحسم الدعوى عنده نهائيا وهو ما من شأنه كذلك تخفيف العبء عن محاكم الاستئناف ومحكمة النقض لما يترتب عليه من تقليل عدد القضايا القابلة للطعن عليها أمامها، ومن ثم فإن تبنى المشرع لفكرة قيمة الدعوى كمعيار لجواز استئناف الحكم الصادر فيها من عدمه، إنما يقوم على اعتبارات موضوعية مبررة لا إخلال فيها بالحق في التقاضي، كما أن قصر استئناف هذه الأحكام على أحوال معينة حددها القانون بمخالفة قواعد الاختصاص المتعلقة بالنظام العام، أو وقوع بطلان في الحكم، أو بطلان في الإجراءات أثر في الحكم، دون غيرها، قد سوغه المشرع في المذكرة الإيضاحية للقانون بما أورده من أن الحكم الباطل والحكم المبنى على إجراءات باطلة أو الحكم الصادر بالمخالفة لقواعد الاختصاص المتعلقة بالنظام العام ليس أيهم جديرا بأن يحوز قوة الشئ المحكوم فيه، بما يبرر فتح باب الاستئناف في مثل هذه الأحوال، ومن ثم فإن الضوابط التي صاغها المشرع للحالات التي يجوز فيها استئناف الأحكام الصادرة من محاكم الدرجة الأولى بصفة انتهائية، إنما تقوم على أسس موضوعية راعت في جوهر ما راعته طبيعة الحكم بعد ما لحق به من بطلان وأن المصلحة في تصحيح ما شابه من عوار تعلو على قيمة الدعوى التي اتخذها قاعدة لنهائيته.

وحيث إنه متى كان المشرع قد كفل حق التقاضي لأي صاحب دعوى وأيا كانت قيمتها، وكانت الأسس التي قررها لقصر حق التقاضي بالنسبة لبعض الدعاوى على درجة واحدة أسسا موضوعية لها ما يسوغها من منطق قضائي وعملي سديد، وأنه باشر ذلك كله في نطاق سلطته التقديرية في تنظيم حق التقاضي، فإن النعي بأن مثل هذا التنظيم يتعارض مع الدستور في مساسه بحق الملكية يكون إقحاما لحق الملكية وما أسبغه عليه الدستور من حماية في دائرة لا تتعلق به، ولا تتصل بأبعاده.

وحيث إنه عن النعي بمخالفة النص الطعين لمبدأ المساواة، فإنه مردود بما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أن المناط في حظر التمييز يكون بين أصحاب المراكز القانونية المتماثلة التي تتحدد وفقا لشروط موضوعية يتكافأ المواطنون من خلالها أمام القانون، وإذ كان القانون من بعد أن جعل جميع الأحكام الصادرة حتى قيمة معينة غير قابلة للطعن عليها بالاستئناف، ثم أجاز في النص الطعين استئناف أنواع معينة من هذه الأحكام بمعايير موضوعية عامة، ولم يمايز في هذا أو ذاك بين أصحاب المراكز القانونية المتماثلة، فإنه لا يكون قد أخل بمبدأ المساواة، ويكون النعي عليه بذلك قد جاء على غير أساس.

وحيث إنه عن النعي على النص الطعين بإهداره استقلال السلطة القضائية وإعاقته تحقيق العدالة، فهو مردود بما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أنه إذ عقدت المادة 167 من الدستور، الاختصاص بتحديد الهيئات القضائية وتنظيم طرق تشكيلها للسلطة التشريعية، فإنه متى قامت هذه السلطة بتنظيم أوضاع وإجراءات التقاضي لنوع معين من القضايا في إطار السلطة التقديرية المعقودة لها، ودون تجاوز منها للقيود والفواصل الدستورية الأخرى، فإنها لا تكون قد تناولت استقلال السلطة القضائية بالمساس أو أعاقت تحقيق العدالة.

وحيث إن النص الطعين لا يتعارض مع أحكام الدستور من أي وجه آخر، فإنه يتعين الحكم برفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى، وألزمت المدعي بصفته المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة، مع مصادرة الكفالة.

 

 

العودة للصفحة الرئيسية