التزامات اليمن بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية

 

تنص المادة الأولى من هذا العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها، وكونها حرة في تقرير مركزها السياسي وفي السعي لتحقيق نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.

وتتضمن المواد الأربعة التالية عدد من الأحكام العامة، منها: التزام الدول الأطراف بأن تجعل ممارسة الحقوق المنصوص عليها في العهد برئية من أية تمييز، وعلى نحو خاص أن تضمن مساواة الذكور والإناث في حق التمتع بجميع تلك الحقوق. هذا وتعد المادة الثانية من العهد بالغة الأهمية لفهم طبيعة التزامات الدول الأطراف في العهد، إذ توضح أن على تلك الدول التزام بأن تتخذ، بمفردها وعن طريق المساعدة والتعاون الدوليين، وبأقصى ما تسمح به مواردها المتاحة وبأكبر قدر ممكن من السرعة والفعالية ما يلزم من خطوات نحو تحقيق التمتع الفعلي التدريجي للحقوق المعترف بها في العهد، سالكة إلى ذلك جميع السبل المناسبة، وخصوصا سبيل اعتماد تدابير تشريعية، إذ يعد التشريع مستصوب للغاية في كثير من الحالات، وقد لا يستغنى عنه في بعض الحالات كما هو الأمر في مكافحة التمييز، ومن التدابير الأخرى الواجب اعتمادها توفير سبل التظلم القضائي والتدابير الإدارية والمالية والتعليمية والاجتماعية.

وإن كان العهد ينص على الإعمال التدريجي للحقوق التي يعترف بها، مقراً بوجود قيود  ناشئة عن محـدودية المـوارد المتاحـة، فهـو يفـرض أيضا التزامـات فوريـة، ومن هذه الالتزامات الفورية، هناك التزامان يتصفان بأهمية خاصة لتفهم الطبيعة المحددة لالتزامات الدول الأطراف في العهد. أحدهما، هو تعهد الدول الأطراف "بأن تضمن جعل ممارسة الحقوق" ذات الصلة ممارسة "لا يشوبها أي تمييز...". أما التعهد الآخر، فهو تعهد الدول الأطراف، "بأن تتخذ... خطوات"، وهو تعهد ليس، في حد ذاته، مقيدا أو محدودا باعتبارات أخرى. وعليه، ففي حين أن الإعمال التام للحقوق ذات الصلة يمكن تحقيقه تدريجيا، فلا بد من اتخاذ خطوات باتجاه هذا الهدف في غضون مدة قصيرة ومعقولة من الزمن بعد بدء نفاذ العهد بالنسبة إلى الدول الطرف. وينبغي أن تكون هذه الخطوات متعمدة ومحددة وهادفة بأكبر درجة ممكنة من الوضوح إلى الوفاء بالالتزامات المعترف بها في العهد.

والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية شأن كافة حقوق الإنسان تفرض ثلاثة أنواع أو مستويات من الالتزامات على الدول: التزامات الاحترام والحماية والأداء. وبدوره يجسد الالتزام بالأداء التزاما بالتسهيل والتزاما بالتوفير. فمثلا فيما يخص الحق في التعليم، يتطلب الالتزام بالاحترام من الدول الأطراف أن تتحاشى التدابير التي تعرقل أو تمنع التمتع بالحق في التعليم. فيما يتطلب الالتزام بالحماية أن تتخذ الدول الأطراف تدابير لمنع الغير من التدخل بشكل يؤثر سلبا على التمتع بالحق في التعليم. ويتطلب الالتزام بالأداء من الدول أن تتخذ تدابير إيجابية، تسهل تمكن الأفراد والجماعات وتساعدها على التمتع بالحق في التعليم. وأخيرا تلتزم الدول الأطراف بأن تؤدي (توفر) الحق في التعليم. وكقاعدة عامة تلتزم الدول الأطراف بأن تؤدي أي توفر أي حق معترف به في العهد حين يعجز الفرد أو الجماعة لأسباب تخرج عن إرادته عن تنفيذ الحق بنفسه بالوسائل المتاحة له، غير أن مدى هذا الالتزام خاضع للضوابط المنصوص عليها في العهد.

ويعترف العهد بالعديد من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية كالحق في العمل، إذ يجب على الدول الأطراف أن تتخذ تدابير لصون الحق في العمل بما في ذلك توفير برامج التوجيه والتدريب التقنيين والمهنيين، وانتهاج سياسات وبرامج من أجل توفير فرص العمل. وعليها فيما يخص الحق في شروط عمل عادلة ومرضية أن تعترف بحق كل شخص في التمتع بشروط عمل عادلة ومرضية بما في ذلك الحصول على أجر منصفا ومكافأة متساوية لدى تساوي قيمة العمل دون أي تمييز، وظروف عمل تكفل السلامة والصحة، وتحديد معقول لساعات العمل وأوقات الفراغ والراحة والأجازات، وكذلك تساوي الجميع في فرص الترقية.

ويجب أن تكفل الدول الأطراف في العهد: حق كل شخص في تكوين النقابات بالاشتراك مع آخرين، وحق النقابات في إنشاء اتحادات أو اتحادات حلافية قومية، وحقها في ممارسة نشاطها بحرية، وأيضا حق الإضراب.

وتقر الدول الأطراف بحق كل شخص في الضمان الاجتماعي، بما في ذلك التأمينات الاجتماعية، ويجب منح الأسرة أكبر قدر من الحماية الممكنة والمساعدة، وتوفير حماية خاصة للأمهات قبل الوضع وبعده، كما ينبغي منح الأمهات العاملات، أثناء الفترة المذكورة، أجازة مأجورة أو أجازة مصحوبة باستحقاقات ضمان اجتماعي كافية، ويجب أن ينعقد الزواج برضا الطرفين المزمع زواجهما رضاء لا إكراه فيه، وتتخذ تدابير حماية ومساعدة خاصة لصالح جميع الأطفال المراهقين.

وعلى الدول الأطراف أن تتخذ التدابير اللازمة لإعمال حق كل شخص في مستوى معيشي كاف له ولأسرته، يوفر ما يفي بحاجتهم من الغذاء والكساء والمأوى، وبحقه في تحسين متواصل لظروفه المعيشية. وعلى الدول الأطراف، تسليما بما لكل إنسان من حق أساسي في التحرر من الجوع، أن تعتمد، بمفردها وعن طريق التعاون الدولي، ما يلزم تدابير من أجل تحسين طرق إنتاج وحفظ وتوزيع المواد الغذائية، وتأمين توزيع الموارد الغذائية العالمية توزيعا عادلا في ضوء الاحتياجات.

وتشمل التدابير التي على الدول الأطراف اتخاذها من أجل تأمين الممارسة الكاملة لحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه: العمل على خفض معدل موتى المواليد ومعدل وفيات الرضع وتأمين نمو الطفل نموا صحيا، وتحسين جميع جوانب الصحة البيئية والصناعية، والوقاية من الأمراض الوبائية والمتوطنة والمهنية والأمراض الأخرى وعلاجها ومكافحتها، وتهيئة ظروف من شأنها تأمين الخدمات الطبية والعناية الطبية للجميع في حالة المرض.

كما تقر الدول الأطراف بحق كل فرد في التربية والتعليم. ويجب توجيه التربية والتعليم إلى الإنماء الكامل للشخصية الإنسانية والحس بكرامتها وإلى توطيد احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية. وكذلك يجب أن تستهدف التربية والتعليم تمكين كل شخص من الإسهام بدور نافع في مجتمع حر، وتوثيق أواصر التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الأمم ومختلف الفئات السلالية أو الاثنية أو الدينية، ودعم الأنشطة التي تقوم بها الأمم المتحدة من أجل صيانة السلم. ويتطلب ضمان الممارسة التامة لهذا الحق: جعل التعليم الابتدائي إلزاميا وإتاحته مجانا للجميع، وتعميم التعليم الثانوي بمختلف أنواعه، وجعله متاحا للجميع بكافة الوسائل المناسبة ولا سيما بالأخذ تدريجيا بمجانية التعليم، وجعل التعليم العالي متاحا للجميع على قدم المساواة، تبعا للكفاءة، بكافة الوسائل المناسبة ولا سيما بالأخذ تدريجيا بمجانية التعليم. وكذلك تشجيع التربية الأساسية أو تكثيفها، من أجل الأشخاص الذين لم يتلقوا أو لم يستكملوا الدراسة الابتدائية. والعمل بنشاط على إنماء شبكة مدرسية على جميع المستويات، وإنشاء نظام منح واف بالغرض، ومواصلة تحسين الأوضاع المادية للعاملين في التدريس. وعلى الدول الأطراف أيضا أن تحترم حرية الآباء، أو الأوصياء عند وجودهم، في اختيار مدارس لأولادهم غير المدارس الحكومية، شريطة تقيد المدارس المختارة بمعايير التعليم الدنيا التي قد تفرضها أو تقرها الدولة. وبتأمين تربية أولئك الأولاد دينيا وخلقيا وفقا لقناعاتهم الخاصة. وعلى الدول التي لم تتمكن من كفالة إلزامية ومجانية التعليم الابتدائي قبل أن تصبح طرفا في العهد أن تقوم في خلال سنتين، من التاريخ الذي أصبحت فيه طرفا، بوضع واعتماد خطة عمل مفصلة للتنفيذ الفعلي والتدريجي لمبدأ إلزامية التعليم الابتدائي ومجانيته للجميع، خلال عدد معقول من السنين يحدد في الخطة. هذا ولكل فرد حق المشاركة في الحياة الثقافية وأن يتمتع بفوائد التقدم العلمي وبتطبيقاته. وعلى الدول الأطراف احترام حرية البحث العلمي والنشاط الإبداعي.

وقد تم تطوير نظام لمراقبة مدى وفاء الدول الأطراف بالتزاماتها بمقتضى العهد، حيث تم إنشاء اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتي تتشكل من 18 خبيرا مستقلا، تنتخبهم الدول الأطراف  لدورة مدتها أربع سنوات، ويعملون بصفتهم الشخصية كخبراء ويراعى في اختيارهم عدالة التوزيع الجغرافي وتمثيل الحضارات والنظم القانونية الرئيسية. وعلى الدول الأطراف أن تقدم للجنة تقارير دورية عن التدابير التي اتخذتها لإعمال الحقوق المعترف بها في العهد وعن التقدم المحرز في التمتع بهذه الحقوق، وتقوم اللجنة بفحص هذه التقارير وإبداء ملاحظاتها.

اليمن أحد الدول الأطراف في هذا العهد والتي بلغ عددها 158 دولة في نيسان/أبريل 2008، وقد فحصت اللجنة تقريره الأولي في تشرين الثاني/نوفمبر 2003، ومن بين القضايا التي كانت محل قلق اللجنة: استمرار التمييز الفعلي داخل المجتمع، ضد بعض الجماعات المهمشة والضعيفة ومن بنيها من شاعت تسميتهم بالأخدام، كذلك وجود بعض العادات والتقاليد والممارسات الثقافية المؤدية إلى تمييز حقيقي ضد النساء والفتيات، وعبرت اللجنة عن قلقها أيضا من أن الدولة لم تحرز سوى تقدم محدود في مجال مكافحة البطالة التي لا يزال معدلها مرتفعا للغاية، وخاصة بين الشباب. وأسفت اللجنة لعدم وجود حد أدنى للأجر. وكذلك أشارت اللجنة إلى قلقها من ارتفاع معدل الوفيات بين الرضع والأمهات وعدم توافر الخدمات الصحية بشكل كاف وخاصة خدمات المرأة في المناطق الريفية. كما عبرت عن بالغ قلقها إزاء استمرار تعاطي القات، خاصة وأن بعض الأسر تخصص له ما يناهز 50 في المائة من دخلها.

ومما أوصت به اللجنة أن تتخذ الدولة تدابير فعالة، لمكافحة التمييز السائد بحكم الواقع، ولا سيما ضد الجماعات المهمشة والضعيفة في المجتمع. وأن تنشئ نظاما للأجر المناسب يكفي لضمان العيش الكريم للعمال وأسرهم، وأن تتخذ تدابير فعالة لضمان تطبيق مبدأ الأجر المتساوي عن العمل المتساوي القيمة. وأن تقوم باعتماد وتنفيذ التدابير اللازمة لمكافحة العنف المنزلي والعنف الجنسي وتوفير الحماية الكافية لضحايا هذه الممارسات. وأن تكثف الدولة جهودها للحد من معدل الوفيات بين الرضع والأمهات وتوفير قدر كاف من مرافق الرعاية الصحية والغذاء الكافي والماء الصالح للشرب للسجناء والمحتجزين، وخاصة النساء. وأن تكثف أيضا جهودها الرامية إلى مكافحة انتشار فيروس نقص المناعة البشري/الإيدز. كما أوصت اللجنة بأن تقوم الدولة باتخاذ التدابير الفعالة لمكافحة انتشار تعاطي القات وإجراء مزيد من الدراسات عن الآثار الصحية والاقتصادية لهذه الممارسة. وكذلك أن تتخذ تدابير فورية لتنفيذ خطة العمل الوطنية لمكافحة التبغ. وأن تنفذ بالكامل خطة عملها الوطنية لتوفير التعليم للجميع.

وطلبت اللجنة من اليمن أن يقدم تقريره الدوري الثاني بحلول 30 حزيران/يونيه 2008، وقدمه اليمن في 3 تموز/يوليه 2008 وسوف تنظر فيه اللجنة في دورتها السادسة والأربعين المقرر عقدها في أيار/مايو 2011.

 

العودة للصفحة الرئيسية