الأوراق الفيدرالية

ورقة رقم: 53
جيمس مادسون
James Madison
9 فبراير، 1788


إلى أهالي ولاية نيويورك:
هنا ربما استدعيت إلى الذاكرة ملاحظة عامة تقول "حيث تنتهي الانتخابات السنوية يبدأ الطغيان". إذا كان يصدق ما أشير إليه في كثير من الأحيان، أن الأقوال التي تغدو أمثالاً تقوم في العادة على المنطق، فليس أقل منه صدقاً أنها بعد أن تترسخ (الأمثال) يتم ضربها في حالات لا يمتد منطقها إليها. ولست في حاجة إلى التفتيش عن إثبات أبعد من القضية المطروحة أمامنا. ما هو المنطق الذي تنبني عليه هذه الملاحظة المثل؟ ليس هناك إنسان يجعل نفسه معرض سخرية فيزعم أن هنالك علاقة طبيعية بين الشمس أو الفصول الأربعة، وبين الفترة التي في حدودها تستطيع الفضيلة البشرية أن تتحمل إغراءات السلطة. فمن حسن حظ الجنس البشري أن الحرية في هذا الجانب غير محصورة في أية فترة محددة من الزمن وإنما تقع بين الطرفين، مما يتيح، بقدر كاف، مجالاً لجميع التذبذبات التي قد تحتاجها المواقف المتغيرة والظروف المتنوعة للمجتمع المدني. أن انتخاب الموظفين المدنيين، إذا ما وُجد ذلك ضرورياً، كما في بعض الأحوال بالفعل، قد يكون يومياً، أسبوعياً، أو شهرياً، وسنوياً أيضاً؛ وإذا تطلبت الظروف انحرافاً عن القاعدة من جهة، فلماذا لا تتطلب مثل ذلك أيضاً من جهة أخرى؟ إذا حوّلنا انتباهنا إلى الفترات المقررة لدينا لانتخاب أكبر فروع التشريع في الولاية عدداً، فإننا نجد تلك الفترات لا تنطبق البتة في هذه الحالة أكثر منها في حال انتخابات الموظفين المدنيين الآخريين. ففي ولاية كونتكت وولاية رود أيلاند نجد الفترات نصف سنوية، وفي الولايات الأخرى باستثناء كارولينا الجنوبية تكون الفترات سنوية. وفي كارولينا الجنوبية تتم الانتخابات كل سنتين – كما يُقترح في الحكومة الفدرالية. وهناك اختلاف كبير كاختلاف الأربعة عن الواحد، بين الفترات الأطول والأخرى الأقصر منها؛ ومع هذا فليس من السهل إثبات أنه يتم حكم كونكتكت أو رود ايلاند بصورة أفضل، ولا أنها تتمتع بنصيب من الحرية الفكرية أكثر مما تفعل كارولينا الجنوبية؛ ولا أن هذه الولاية أو الأخرى متميزة في هذه النواحي، ولهذه الأسباب، عن الولايات التي تتم انتخابها بصورة تختلف عن كلتيهما.
عند البحث عن أساسات هذه القاعدة أجدني لا أستطيع أن أكتشف أكثر من أساس واحد، لكنه لا ينطبق أبداً على حالنا. إن الامتياز المهم المفهوم جيداً في أمريكا بين دستور وضع أساسه الشعب وغير قابل للتغيير من قبل الحكومة، وبين قانون وضعته الحكومة وقابل للتغيير من قبلها – امتياز قلّما جرى تفهّمه في أي بلد آخر. وأقل من ذلك أن تمت مراعاته هناك. فحيثما استقرّت سلطة التشريع العليا افترض الناس أيضاً أنه هناك تستقر سلطة كاملة لتغيير شكل الحكومة. وحتى في بريطانيا العظمى حيث تم بحث مبادئ الحرية السياسية والحرية المدنية أكثر منه في بلدان أخرى، وحيث نقرأ عن حقوق الدستور، فإنه يُعتقد أن سلطة البرلمان سلطة فائقة، لا يمكن التحكم بها فيما يتعلق بالدستور، ولا بالأهداف العادية الأخرى للاشتراطات التشريعية. ووفق ذلك نجدهم في حالات متعددة قد غيروا بالفعل، من خلال اللوائح التشريعية، بعض أهم البنود الأساسية للحكومة. بل نجدهم، وبشكل خاص، وفي مناسبات كثيرة، قد بدّلوا فترة الانتخاب. فهاهم في المناسبة الأخيرة، أدخلوا النظام السباعي في الانتخاب بدلاً من نظام الثلاث سنوات، لكنهم ومن خلال اللائحة ذاتها أبقوا أنفسهم في مناصبهم لمدة أربع سنوات أطول من الفترة التي انتخبهم لها الشعب. إن الانتباه لهذه الممارسات الخطيرة قد خلق تخوفاً طبيعياً من اقتراعات الحكومة الحرة، حيث يعتبر تكرار الانتخابات فيها هو حجر الزاوية؛ مما دفع أولئك الأشخاص لأن يفتشوا عن ضمان للحرية يصدّ الخطر الذي هم معرضون له. ولو لم يكن هناك دستور قائم هو أعلى مقاماً من الحكومة الحالية، أو بالمقدور الحصول عليه، لما كان هناك ضمان دستوري شبيه بذلك الراسخ في الولايات المتحدة، ولتمت محاولة توفير مثله. عند ذاك يتم السعي إلى ضمانة أخرى. وهل هناك ضمانة يسمح بها الوضع أفضل من اختيار وإعداد جزء بسيط وعادي من الوقت واتخاذه مقياسأً لقياس خطر البدع، ولتثبيت مشاعر الأمة، وتوحيد الجهود الوطنية؟ إن أفضل جزء من الوقت، بسيط ومألوف، لأن يستخدم في هذا الوضع هو معيار السنة؛... من ثم وُضع بحماسة مرموقة مبدأ إقامة حاجز يقف ضد التجديدات التدريجية، لحكومة لا قيود لها، بحيث يحسب السير نحو الطغيان على أساس البعد عن النقطة الثابتة للانتخابات السنوية. لكن، ما الحاجة التي تدعو لتطبيق ذلك على حكومة مقيدة بسلطة الدستور العليا كالحكومة الفدرالية؟ أو من الذي سيزعم أن حريات الموطنين في أمريكا لن تكون مضمونة في ظل انتخابات تجري كل سنتينن غير قابلة للتغيير، وعن طريق دستور مثل هذا – أكثر من ضمان حريات أي أمة أخرى تجري الانتخابات فيها بصورة سنوية أو أكثر تكراراً، لكنها خاضعة للتغيير على يد السلطة العادية للحكومة؟ والسؤال الثاني المطروح هو: هل إن إجراء الانتخابات كل سنتين ضروري أو ذو جدوى!؟. إن ملاءمة أو عدم ملاءمة الإجابة عن هذا السؤال بالإيجاب سوف تظهر من اعتبارات واضحة جداً وكثيرة.
ليس هنالك إنسان بوسعه أن يكون مشرّعاً كفؤاً ثم لا يضيف إلى القصد القويم عنده والرأي السليم لديه قدراً من المعرفة بالموضوعات التي سيشرّع لها. ويمكن اكتساب قسم من هذه المعرفة عن طريق استقاء المعلومات التي تقع ضمن مدارك الناس في المواقع الفردية والعامة. كما يمكن اكتساب القسم الآخر، أو الإطلاع عليه بشكل دقيق، عن طريق الممارسة الفعلية في الموقع الذي يتطلب استخدامها. لذلك فإن فترة الخدمة يجب في جميع الحالات أن تحمل نسبة ما من امتداد المعرفة العملية التي يحتاجها الأداء السليم للخدمة. وفترة الخدمة التشريعية المقررة في معظم الولايات للفرع الأكثر عدداً هي فترة سنة واحدة كما رأينا آنفاً. من ثم يمكن طرح السؤال بهذه الصيغة البسيطة: هل إن فترة سنتين لا تحمل نسبة أكبر من المعرفة المطلوبة للتشريع الفدرالي أكثر مما تحمله فترة سنة للمعرفة المطلوبة للتشريع في الولاية؟ إن نص السؤال ذاته بهذه الصيغة يُفصح عن الإجابة عليه.
في ولاية بمفردها تتعلق المعرفة المطلوبة بالقوانين السارية الموحدة في جميع أرجاء الولاية، والتي يتحدث عنها جميع المواطنين قليلاً أو كثيراً، كما تتصل بالشئون العامة للولاية، والتي تقع ضمن فلك صغير، غير شديد التنوع كما تشغل قدراً من الاهتمام والحديث لدى كل فئة من الناس. لكن المسرح الضخم على نطاق الولايات المتحدة يقدم مشهداً شديد الاختلاف. فالقوانين بعيدة جداً عن كونها موحدة، إنها تختلف في كل ولاية؛ أما الشئون العامة للاتحاد فهي مفرودة في طول وعرض منطقة شديدة الاتساع، ومختلفة إلى الحد الأقصى، تبعاً للشئون المحلية المتصلة بها، ويمكن تعلمها بصورة صحيحة في أي مكان آخر غير المجالس المركزية، فإلى هذه يجب جلب المعرفة عن طريق الممثلين لكل جزء من رقعة الإمبراطورية. ومع هذا فإن بعض المعرفة بالشئون في الولايات وحتى بالقوانين فيها، معرفة يجب أن يمتلكها الأعضاء الآتون من كل ولاية. كيف يستطاع تنظيم التجارة الخارجية بصورة مناسبة بقوانين موحدة دون توفر بعض المعرفة بالتجارة والموانئ وطرق الاستخدام وتعليمات مختلف الولايات؟ كيف يمكن أن تنظم التجارة بين الولايات المختلفة بصورة سليمة دون بعض المعرفة بمواقعها النسبية فيما يخص هذه النقطة والنقاط الأخرى؟ كيف يمكن فرض الضرائب بصورة شرعية وجمعها بصورة فعالة ما لم يتم تكييفها بحسب القوانين المختلفة والظروف المحلية المتعلقة بهذه الأهداف في مختلف الولايات؟ كيف يمكن وضع تعليمات موحدة للمليشيا بصورة سليمة دون معرفة متشابهة لبعض الظروف الداخلية التي تميز الولايات واحدة منها عن الأخرى؟ هذه هي الأهداف الرئيسة للتشريع الفدرالي، وهي تشير بشكل آسر إلى المعلومات الواسعة التي يجب على الممثلين أن يكتسبوها. أما الأغراض الأخرى الأقل أهمية فهي تتطلب درجة نسبية من المعلومات عنها. صحيح أن هذه المتاعب جميعاً سوف تتناقص درجة فدرجة. وسيكون أعظم الجهود وأشدها مشقة هي إنشاء الحكومة وصياغة سجل أولي فدرالي لها. ذلك أن التحسينات التي ستجري على المسودة الأولى ستغدو أسهل وأقل عدداً سنة بعد أخرى. وستكون الأعمال التي قامت بها الحكومة السابقة مصدراً دقيقاً وجاهزاً من المعلومات يستفيد منها الأعضاء الجدد. كما ستغدو شئون الاتحاد أكثر فأكثر موضوعات للفضول والحديث بين المواطنين جميعاً. ولسوف يسهم الحديث المتزايد بين مواطني الولايات المختلفة بقدر غير قليل في نشر معرفة متبادلة بشئونهم، كما يسهم ثانية في تمثل عام لقوانين تلك الولايات وعاداتها. ولكن، ومع جميع هذه التخفيفات فإن عمل التشريع الفدرالي يجب أن يستمر حتى يفوق، في جدته وصعوبته، العمل التشريعي في دائرة واحدة من أجل تبرير الفترة الأطول في الخدمة المعينة لأولئك الذين يعقدون صفقة الالتزام بها.
إن ذلك الفرع من المعرفة الذي يتعلق بمكتسبات الممثل الفدرالي والذي لم نتطرق إليه هو فرع الشئون الخارجية، ففي تنظيم تجارتنا الخاصة على الممثل ألا يقتصر على معرفة المعاهدات بين الولايات المتحدة والأمم الأخرى فحسب، بل عليه أيضاً أن يكون على معرفة بالسياسة التجارية والقوانين السائدة في الدول الأخرى. ولا يجوز أبداً أن يكون جاهلاً تماماً بالقانون الدولي؛ لأن تنظيم التجارة بقدر ما هو موضوع مناسب للتشريع المحلي، سيتم رفعه إلى الحكومة الفدرالية أيضاً. ومع أن مجلس الممثلين (النواب) لن يُسهم بصورة مباشرة في المفاوضات الخارجية والترتيبات الخارجية أيضاً. إلا أنه بحكم الارتباط الضروري بين الفروع المتعددة من الشئون العامة، فإن هذه الفروع الخاصة كثيراً ما تستحق الاهتمام في المسار العادي للتشريع، كما أنها في بعض الأحيان تحتاج إلى إقرار تشريعي وتعاون خاص أيضاً. وهناك جزء من هذه المعرفة، لا ريب، يناله الراغب فيه بصورة فردية في المنزل؛ ولكن بعض هذه المعرفة لا يمكن استقاؤها إلا من المصادر العامة للمعلومات؛ وكل ذلك يقتضي أن يتم نيلها بأقصى درجاتها عن طريق الاهتمام الفعلي بالموضوع خلال فترة الخدمة الفعلية في مجال التشريع.
وهناك اعتبارات أخرى، ربما كانت أقل أهمية من سابقاتها، لكنها ليست غير جديرة بالملاحظة. فالمسافة التي سيضطر كثير من الممثلين إلى قطعها في السفر، والترتيبات التي تغدو ضرورية بحكم الظرف – ربما كانت متاعب أشد خطورة في نظر الأفراد اللائقين لهذه الخدمة، إذا تم تحديدها بسنة واحدة أكثر من تمديدها إلى سنتين اثنتين. لا نقاش حول هذا الموضوع في حال المفوضين إلى الكونغرس الحالي. فهم يُنتخبون مرة كل سنة، ذاك صحيح، لكن إعادة انتخابهم من طرف المجالس التشريعية يُعتبر أمراً عادياً تقريباً. أما انتخاب الممثلين من قبل الشعب فلا يخضع للمبدأ نفسه.
إن عدداً ضئيلاً من الأعضاء، كما يحدث في جميع المجالس المماثلة، سوف يمتلكون مواهب أرقى؛ وسيعاد انتخابهم، وعن طريق إعادة الانتخاب المتكرر يغدون أعضاء طويلي الخدمة؛ وإذ ذاك يغدون سادة يتقنون العمل العام بدرجة كبيرة. وقد لا يكونون غير راغبين في الاستفادة لأنفسهم من هذه الميزات. وكلما عظمت نسبة الأعضاء الجدد وتدنت معلومات معظم أولئك الأعضاء، زاد استعدادهم للوقوع في الشراك التي قد تنصب لهم. وهذه ملاحظة تصدق على العلاقة التي ستقوم بين مجلسي الممثلين والشيوخ.
إنها لمضايقة ممتزجة بحسنات انتخاباتنا المتكررة، حتى في الولايات المفردة، إذا كانت كبيرة، وتعقد اجتماعاً تشريعياً واحداً لا أكثر في السنة – إن الانتخابات المزورة لا يمكن استقصاؤها وإلغاؤها في الوقت المناسب لأن يترك القرار بشأنها أثره. فإذا تم الحصول على عودة إلى المجلس دون النظر إلى أي طريق غير شرعي تم عنه ذلك، فإن العضو غير المنتظم الذي يحتل مقعده طبعاً، يكون متأكداً من البقاء لمدة تكفي لتحقيق أغراضه الخاصة. ومن ثم فإن تشجيعاً شديد الأذى يعطى لصالح الوسائل غير القانونية للحصول على عودات غير منتظمة. لو كانت الانتخابات للمجلس التشريعي الفدرالي انتخابات سنوية لكانت هذه الممارسة نقيصة خطيرة جداً، وبخاصة في الولايات النائية، فكل عائلة وبيت، بالضرورة ستكون في منزلة القاضي على الانتخابات، والمؤهلات وعودة أعضائها إلى المجلس. ومهما كانت التحسينات التي يمكن أن تقترح بفضل الخبرة من أجل تبسيط وتسريع العملية في القضايا المختلف عليها، فإن جزءاً معتبراً من السنة، سوف يمضي قبل أن يستطاع إبعاد عضو غير قانوني من مقعده، حتى إن حدوث مثل ذلك سوف يغدو كابحاً ضعيفاً للوسائل غير العادلة والخفية للحصول على كرسي في المجلس.
لو أخذت كل هذه الاعتبارات معاً فإنها تحذرنا من تأكيد أن انتخابات تجري كل سنتين سوف تكون مقيدة لشؤون الناس كما رأينا أنها سوف تكون ضماناً لحريات المواطنين.
بوبليوس

_______________________
- الأوراق الفيدالية/الكسندر هاملتون، جميس ماديسون، وجون جاي؛ ترجمة عمران أبو حجلة، مراجعة أحمد ظاهر- عمان: دار الفارس للنشر والتوزيع، 1996. ص 388-394.

العودة للصفحة الرئيسية