الأوراق الفيدرالية

ورقة رقم: 45
جيمس مادسون
James Madison
26 يناير، 1788


إلى أهالي ولاية نيويورك:
أما وقد بينًا أن ليس هناك سلطة واحدة من تلك المنقولة إلى الحكومة الفدرالية هي غير ضرورية أو غير مناسبة فإن السؤال التالي الذي يجب بحثه هو ما إذا كانت هذه الصلاحيات بكاملها سوف تشكل خطراً على باقي السلطات المتروكة للولايات.
إن خصوم خطة المؤتمر، بدلاً من أن يبحثوا في المقام الأول عن ذلك القدر والدرجة من السلطة الضروريين تماماً لإنجاز أهداف الحكومة الفدرالية، قد أرهقوا أنفسهم في تفحص ثانوي يتعلق بالمترتبات المحتملة على السلطات المقترحة لحكومات الولايات. لكن، إذا كان الاتحاد، كما بينا آنفاً، هو شئ أساسي لضمان سلامة وأمن المواطنين في أمريكا ضد الخطر الخارجي؛ وإذا كان شيئاً أساسياً لأمنهم ضد المنازعات والحروب التي قد تنشب ما بين الولايات المختلفة؛ وإذا كان شيئاً أساسياً حماية أولئك المواطنين ضد الأحزاب العدوانية العنيفة التي تجعل بركات الحرية ذات مذاق مر كريه وضد تلك المؤسسات العسكرية التي لا مناص من أن تسمم نبع الحرية تدريجياً؛ وبكلمة؛ إذا كان الاتحاد عنصراً أساسياً في سعادة المواطنين في أمريكا فهل من الضروري المسارعة إلى إثارة الاعتراضات على الحكومة؟ وهي التي بدونها لا يمكن إنجاز أهداف الاتحاد، وإلى درجة أن تلك الحكومة تحط من قدر وأهمية حكومات الولايات الفردية؟ ألهذا تم القيام بالثورة الأمريكية، ومن أجل ذلك قام الاتحاد الكونفدرالي في أمريكا؟! ترى أما كان دم الألوف الغالي الذي أريق والأموال التي جُمعت بكدّ الملايين وبذلت بسخاء، بغية أن يحظى الأمريكيون بالسلم والحرية والأمن من أجل ذلك، بل من أجل أن تتمتع حكومات الولايات الفردية، ومؤسسات الخدمات البلدية بقدر معين من السلطة وتتسلح بقدر من الاعتبار والاحترام وصفات السيادة؟ لقد سمعنا بذلك المبدأ القذر في العالم القديم وقيل لنا أن المواطنين إنما خلقوا لخدمة الملوك لا الملوك لخدمة المواطنين. فهل يجب إعادة هذا المبدأ نفسه بصورة أخرى، أي يتم تضحية السعادة الحقيقية للمواطنين لصالح المؤسسات السياسية من نوع مختلف؟ أليس الوقت مبكراً جداً لرجال السياسة لأن يفترضوا أننا قد نسينا أن الخير العام، والمصلحة الحقيقية للأكثرية العظمى من المواطنين هي الهدف الأعلى الذي يجب السعي إليه؛ وأنه ليس هناك أي شكل من الحكم ذا قيمة على الإطلاق إلا بقدر كونه مؤهلاً لبلوغ ذلك الهدف؟ هل كانت خطة المؤتمر معادية للسعادة العامة للمواطنين! لو كان ذلك كذلك لارتفع صوتي أرفضوا هذه الخطة. ولو كان الاتحاد نفسه غير منسجم مع سعادة المواطنين أيضاً لأرتفع صوتي قائلاً: ألغوا هذا الاتحاد. وعلى نفس المنوال لو كان بالمستطاع جعل سيادة الولايات متوائمة مع سعادة المواطنين لوجب أن يرتفع صوت كل مواطن صارخاً: ضحوا بالأول في سبيل الأخيرة. إلى أي قدر تكون التضحية ضرورية، هذا ما بيناه. وإلى أي مدى سيكون القدر الذي لم يضحّ به عرضة للخطر، هذا هو السؤال الذي يطرح نفسه أمامنا الآن.
لقد لمسنا عدة اعتبارات مهمة في مسيرة هذه الورقات، من شأنها أن تشوه وجه الافتراض الذي يزعم أن الحكومة الفدرالية، درجة فدرجة، سوف تثبت أنها خطر قاتل لحكومات الولايات. وكلما زدت تأكيد هذا الموضوع، زاد قدر اقتناعي بأنه من المحتمل أن يضطرب التوازن في الحكم بفعل زيادة رجحان الكفة الأخيرة على الكفة الأولى.
رأينا في جميع الأمثلة المتعلقة بالاتحادات القديمة والحديثة اتجاهاً قوياً على الدوام لإفشالها على يد الأعضاء المشتركين فيها بفعل إفساد الحكومة العامة فيها وتجريدها من صلاحياتها، ترافقه فعالية غير مجدية، من جانب الاتحادات لحماية نفسها ضد الاعتداء على صلاحياتها. ومع أن النظام في معظم هذه الأمثلة كان غير متشابه، بحكم اعتبارات تضعف بشكل كبير أي استنتاج حول مصير الأخيرة بتأثير الأولى، فإن الولايات عندنا ستظل تحتفظ بموجب الدستور المقترح بجزء ثمين من سيادتها الفاعلة، لكن الاستنتاج السابق لا يجوز أن يُتخلى عنه بصورة كاملة. ففي العصبة الآخية ربما كان الرأس الفدرالي يتمتع بنوع من السلطة وقدر منها جعله شبيهاً كثيراً بتلك الحكومة التي رسم أطرها الميثاق عندنا. أما اتحاد ليسيا، حسب ما نقل إلينا من المبادئ التي سادت أعضاءه والشكل الذي اتخذه ذلك الاتحاد، فقد حمل شبهاً أقوى لذلك الميثاق. غير أن التاريخ لا ينبئنا أياً من الإتحادين قد تدهور أو اتجه إلى الانحطاط والتحول إلى حكومة موحدة. على العكس فنحن نعرف أن دمار أحدهما قد نشأ من عجز السلطة الفدرالية فيه عن تحاشي الانشقاقات، بل التفكك الذي لحق بالسلطات الفرعية آخر الأمر. هذان المثلان هما الأجدر بلفت انتباهنا إليهما بحكم أن الأسباب الخارجية التي ضغطت على الأعضاء الذين شكلوهما كانت أكثر عدداً وأعظم قوة مما هي عليه في حال اتحادنا نحن؛ وبالتالي فهي أقل ترابطاً فيما بينها بحيث تكون كافية لربط الأعضاء بالرأس وربط كل عضو منهما بالآخر.
في نظام الإقطاع رأينا دافعاً مشابهاً يصلح مثلاً. فبصرف النظر عن الحاجة إلى قدر مناسب من التعاطف والود في كل مثل، بين السادة المحليين وبين المواطنين، والود في بعض الحالات بين السيد الأكبر وتابعه السيد الأصغر – فقد حصل عادة أن ينجح السادة المحليون في التنافس على الاعتداء. ولولا أن الأخطار الخارجية أكرهتهم على الانسجام الداخلي والخضوع، ولو كانوا يمتلكون حب مواطنيهم على الخصوص لكانت الممالك الكبيرة في أوروبا في الوقت الحاضر تتألف من عدد من الأمراء المستقلين قدر عدد البارونات الإقطاعية التي كانت في ذلك الحين.
إن حكومات الولايات لدينا ستتمتع بميزة الحكم الفدرالي، سواءً قارناها من حيث الاعتماد المباشر للواحدة منها على الأخرى، أو من حيث وزن النفوذ الخاص لكل منها؛ والسلطات المخولة لها؛ أو من حيث المساندة المحتملة والتقبل من المواطنين؛ أو من حيث التوجه والقدرة على مقاومة وإحباط قوانين الواحدة منها تجاه الأخرى.
ويجوز اعتبار حكومات الولايات بمثابة عناصر ومكونات بل أجزاء أساسية من الحكومة الفدرالية؛ فيما أن الحكومة الفدرالية لا تعتبر عنصراً أساسياً لا في تسيير ولا في تنظيم حكومات الولايات. وبدون تدخل المجالس التشريعية في الولايات لا يمكن انتحاب رئيس الولايات المتحدة على الإطلاق، إذ يتوجب على تلك المجالس وفي جميع الحالات أن تقوم بنصيب وافر من تعيينه، ولربما تقوم في حالات كثيرة بالحسم في أمر انتخابه ذلك. كذلك فإن مجلس شيوخ الحكومة الفدرالية إنما يتم انتخابه بالكلية من طرف المجالس التشريعية في الولايات لا يمكن انتخاب رئيس الولايات المتحدة على الإطلاق، إذ يتوجب على تلك المجالس وفي جميع الحالات أن تقوم بنصيب وافر من تعيينه، ولربما تقوم، في حالات كثيرة بالحسم في أمر انتخابه ذلك. كذلك فإن مجلس شيوخ الحكومة الفدرالية إنما يتم انتخابه بالكلية من طرف المجالس التشريعية في الولايات. بل حتى إن مجلس النواب، وإن كان ينبع بصورة مباشرة من اقتراع المواطنين، فإن انتخابه يتم تحت تأثير تلك الفئة من الناس الذين ييسر لهم نفوذهم على الجمهور أن ينالوا المقاعد في المجلس التشريعي للولاية. وهكذا، فإن كل فرع رئيسي من فروع الحكومة الفدرالية سيكون مديناً بقدر كبير أو صغير إلى حكومات الولايات، ومن ثم فإنه بالتالي يظل يشعر بالاعتماد بقدر ما اعتماداً أدبياً أكثر منه اعتماداً إلزامياً على تلك المجالس. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن العناصر التي تتشكل منها حكومات الولايات لن تكون بأية صورة مدينة في نيل وظيفتها إلى تفويض أو إشراف مباشر من قبل الحكومة الفدرالية، وسيكون أفرادها مدينين إذا كانوا مدينين لشئ أصلاً، إلى النفوذ المحلّي لأعضائها.
هذا كما أن عدد الأشخاص الذين يتم توظيفهم بموجب الدستور الاتحادي سيكون أقل بكثير من عدد الأشخاص الذين يتم توظيفهم بموجب دساتير الولايات الخاصة. ومن ثم فإن التأثير الشخصي من جانبهم بالتالي سيكون لصالح الولايات أكثر مما هم للحكومة الفدرالية. وسيكون الأعضاء التشريعيون والتنفيذيون والقضائيون في دوائر الثلاث عشرة ولاية وأكثر، ومعهم القضاة الأعلى فيها، وضباط الميليشيا وموظفو العدلية مع جميع الموظفين المدنيين، لثلاثة ملايين أو أكثر من الناس حين يختلطون بالناس ويكسبون معرفة جميع أوساط الشعب – هم الأكثر عدداً إلى درجة كبيرة والأعظم تأثيراً على جميع الموظفين الآخرين من مختلف الفئات في حكومة النظام الفدرالي. قارن عدد أعضاء الدوائر الثلاث الكبرى في الثلاث عشرة ولاية مستثنياً الدائرة القضائية، وقضاة العدل، مع عدد أعضاء الدوائر المقابلة لذلك في حكومة الاتحاد وحدها وبمفردها؛ وقارن عدد ضباط الميليشيا لثلاثة ملايين شخص من المواطنين مع ضباط الجيش والبحرية لأية مؤسسة يُحتمل أن تقام، بل دعني أضيف ضمن قدرة اتحادنا على إنشائها – وستجد أن الرجحان سيكون بجانب الولايات ولصالحها، وسيكون رجحاناً حاسماً. ولو فرضنا أن للحكومة الفدرالية أن توظف جباة للخزينة العامة فإنه سيكون لحكومات الولايات أن توظف مثلهم أيضاً. صحيح أن الاتحاد سوف يمتلك، ولربما يمارس، سلطة فرض الضرائب الداخلية والخارجية في أرجاء جميع الولايات أيضاً المباشرة ولما كان جباة الخزينة العامة الفدراليون سيتمركزون على الساحل فسيظل عددهم غير كبير، فيما أن جباة الولايات سينتشرون في طول البلاد وعرضها ويكون عددهم كبير جداًً. والرجحان في هذا الجانب سيقع لصالح الولايات أيضاً، لكنه من المحتمل ألا يلجأ إلى هذه السلطة إلا لتثبيت وإسناد الأهداف التي تنشدها الخزينة العامة، وفي تلك الحال يكون الخيار للولايات في أن تقدم حصتها من الجباية عن طريق موظفيها، على أن تتم تحت السلطة المباشرة للاتحاد ويقوم بها الموظفون وفق القواعد والقوانين التي تضعها الولايات. والحقيقة أنه من المحتمل إلى درجة كبيرة في حالات أخرى، وبخاصة في تنظيم السلطة القضائية أن يُضفى على موظفي الولايات صلاحية مماثلة من الاتحاد. ولو حدث بصورة ما أن تم تعيين جباة منفصلين للخزينة في الداخل من طرف الحكومة الفدرالية فإن تأثير عددهم الصغير لن يكون نداً لذلك الحشد الكبير من موظفي الولايات في الكفة المقابلة. ففي كل مقاطعة يخصص لها جانب منهم لن يكون هناك أقل من ثلاثين أو أربعين موظفاً، أو أكثر، من مختلف الأصناف؛ وسيكون الكثير منهم أشخاصاً على خلق، لهم وزنهم ونفوذهم الذي يكون لصالح الولاية التي يخصصون لها.
إن الصلاحيات التي يفوضها الدستور المقترح للحكومة الفدرالية صلاحيات قليلة العدد ومحددة، بخلاف تلك الصلاحيات التي تبقى خاضعة لحكومات الولايات، فهي عديدة وغير محدودة. هذا كما ستتم ممارسة الأولى بصورة رئيسية فيما يتصل بالأهداف الخارجية كالحرب والسلم والتفاوض والتجارة الخارجية التي ستلحق بها وترتبط معها صلاحية فرض الضرائب. أما السلطات التي احتفظ بها للولايات فستشمل جميع الأغراض الأخرى والتي هي، حال سير الأمور بصورة طبيعية – تهم حياة وحريات وممتلكات المواطنين والنظام الداخلي في الولاية وتحسينه وازدهار الولاية ككل.
وستكون أعمال الحكومة الفدرالية شاملة على الأغلب، ومهمة جداً، في فترة الحرب وبروز الخطر؛ كما ستكون أعمال حكومات الولايات في أيام السلم والاطمئنان. ولما كانت فترة الحرب تشكل نسبة ضئيلة من الزمن فإن حكومات الولايات بذلك سوف تتمتع بامتياز آخر على الحكومة الفدرالية. والحق، أنه كلما اقتصرت السلطات الفدرالية على الدفاع الوطني بدقة، وباتت الفترات التي يبرز فيها الخطر، لترجح سيادتها على سيادة حكومات الولايات الخاصة أقل تكراراً.
ولو تم تفحّص الدستور الجديد بدقة وصراحة ونية طيبة لوجد أن التغيير الذي يقترحه ذلك الدستور من حيث إضافة سلطات جديدة لصالح الاتحاد لهو أقل كثيراً من تقوية ما ذكر منها في الدستور الأصلي. نعم إن تنظيم التجارة سلطة جديدة تضاف إلى الدستور، لكن ذلك يبدو إضافة يعترض عليها القليلون ولا تخلق أية مخاوف لديهم. أما السلطات المتعلقة بالحرب والسلم، وبالجيوش والأساطيل وبالمعاهدات والمالية، هي والسلطات المعتبرة الأخرى – فهي كلها مخولة لحكومة الاتحاد بموجب الدستور الحالي وبنود اتفاقية الاتحاد. هذا ولا يوسع التغيير المقترح هذه السلطات؛ بل إنه لا يفعل أكثر من الإتيان بطريقة أكثر فعالية في ممارستها. وأما التغيير المتعلق بفرض الضرائب فيمكن اعتباره التغيير الأهم من غيره؛ ومع هذا فإن الكونغرس الحالي يتمتع بسلطة كاملة لأن يطلب من الولايات قدراً غير محدد من الأموال لغرض الدفاع العام وتوفير الرفاه للمواطنين، كما أن الكونغرس في المستقبل سوف يجد نفسه مضطراً لأن يطلب مثل ذلك من المواطنين الأفراد؛ وسيكون الأخيرون هؤلاء غير ملزمين أكثر من التزام الولايات نفسها بأن تدفع حصصها المفروضة عليها بالتالي. لو التزمت الولايات في وقتها ببنود اتفاقية الاتحاد، أو لو تعزز تمشيها مع ذلك بفضل وسائط سلمية كالتي يمكن استخدامها بنجاح تجاه الأفراد كأفراد، مباشرة لجعلتنا خبرتنا السابقة بعيدة عن مواجهة الرأي القائل بأن حكومات الولايات قد فقدت سلطاتها الدستورية، أو أنها عانت، وبصورة تدريجية، من تصفية كاملة لتلك السلطات. ولو افترضنا أن مثل ذلك قد نشأ لكان معناه أن نقول على الفور بأن وجود حكومات الولايات لا يتفق مع أي نظام يستطيع إنجاز الأهداف الأساسية للاتحاد، أياً كان ذلك النظام.
بوبليوس

_______________________
- الأوراق الفيدالية/الكسندر هاملتون، جميس ماديسون، وجون جاي؛ ترجمة عمران أبو حجلة، مراجعة أحمد ظاهر- عمان: دار الفارس للنشر والتوزيع، 1996. ص 336-342.

العودة للصفحة الرئيسية