الأوراق الفيدرالية

ورقة رقم: 25
الكسندر هاملتون
Alexander Hamilton
21 ديسمبر، 1787


إلى أهالي ولاية نيويورك:
قد يثار في هذا المقام أن الموضوعات التي تم إيرادها في المقالة السابقة موضوعات يجب أن تقوم بالإعداد لها، حكومات الولايات، وبتوجيه من حكومة الاتحاد. لكن هذا سيكون في الواقع قلباً للمبدأ الرئيس في ارتباطنا السياسي، لأنه في تطبيقه سيكون نقلاً لشئون الدفاع العام من الرأس الفدرالي إلى الأعضاء الفرديين في الفدرالية: وهو مشروع ممقوت لدى بعض الولايات، يشكل خطراً عليها جميعاً، وكريه تماماً للاتحاد ككل.
إن ممتلكات بريطانيا، وأسبانيا، والأمم الهندية، المجاورة لنا لا تشكل حدوداً لبعض ولاياتنا فحسب بل تحيط بالاتحاد ككل، من ولاية مين إلى ولاية جورجيا. نعم إن الخطر يختلف في الدرجة بين ولاية وأخرى، لكنه في حقيقة الأمر مشترك قائم على الجميع. من ثم فإن وسيلة الاحتراس منه بدورها ينبغي أن تكون هدفاً منشوداً لدى جميع المجالس العامة والخزانة العامة في الاتحاد. فقد يحصل أن تتعرض بعض الولايات، بحكم موقعها، أكثر من غيرها لذلك الخطر. وولاية نيويورك واحدة من هذه الفئة. وحسب خطة توفير الموارد من كل ولاية لوحدها، يكون على نيويورك أن تتحمل كامل العبء في إنشاء المؤسسات المتطلبة لضمان سلامتها هي، للحماية غير المباشرة أو الحماية الكاملة لباقي الولايات المجاورة. ولن يكون هذا إنصافاً، فيما يخص نيويورك، ولا أميناً فيما يخص الولايات الأخرى. إن عقبات مختلفة سترافق مثل هذا الترتيب. فالولايات التي يقع من نصيبها أن تقوم بالإنفاق على المؤسسات الضرورية ستكون شبه عاجزة وغير راغبة، ولوقت طويل، في أن تتحمل عبء التكاليف اللازمة، وبالتالي يغدو ضمان وسلامة الجميع خاضعاً للشح، وعدم الحكمة في التصرف من الاتحاد، أو للعجز لدى جزء منه. فإذا كانت موارد مثل ذلك الجزء من الاتحاد ستغدو أكثر وفرة وشمولاً، فإن ما تقدمه تلك الولايات يجب أن يتناسب مع تزايد الوفرة فيها. وعند ذاك تأخذ الولايات الأخرى الحيطة والحذر حين تشهد وقوع جميع القوى الحربية في الاتحاد في يدي ولايتين أو ثلاث من أعضاء الاتحاد، وولايتين أو ثلاث من الولايات الأقوى فيه. وعند ذاك سوف تسعى كل من الولايات الأخرى لأن تخلق توازناً مقابلاً، ويتم التفكير في الذرائع. في مثل هذا الموقف، تغدو المؤسسات العسكرية، التي تمت تغذيتها بعناصر الغيرة والحسد المتبادل – عرضة لأن تكبر إلى أضخم من الحجم الطبيعي أو المناسب لها، ولكونها خاضعة للتصرف الفردي من قبل الولايات الأعضاء، فإن تلك المؤسسات ستغدو ماكينات لتقليص السلطة الوطنية ككل أو إلغائها.
لقد سبق أن تم إيراد الأسباب التي تعزى إلى افتراض أن حكومات الولايات ستكون بصورة طبيعية جداً نزاعة إلى منافسة حكومة الاتحاد، والتي سيكون أساسها الرغبة في السلطة والنفوذ. كما سبقت الإشارة إلى أنه حال قيام أية منافسة بين الرأس الفدرالي ورأس أي من الأعضاء فيه، سيكون الناس أميل إلى الوقوف في جانب حكومتهم المحلية. وإذا ما ساند هذه الميزة العظيمة الأثر وأثارها طموح الولايات الأعضاء إلى حيازة مستقلة ومنفصلة للقوات العسكرية، فسيكون ذلك إغراءً قوياً جداً، وتسهيلاً عظيماً جداً أيضاً لتلك الولايات لأن تقوم بالسيطرة على السلطة الدستورية الخاصة بالاتحاد وأخيراً بقلبها. ذاك من جهة، ومن جهة أخرى فإن حرية الشعب ستكون أقل أماناً في هذه الأوضاع منها فيما إذا تُركت القوات الوطنية خاضعة للحكومة الوطنية للاتحاد. وبالقدر الذي يعتبر فيه الجيش سلاحاً خطيراً على السلطة، يغدو من الأفضل أن توضع السيطرة عليه في يدي السلطة التي يشعر المواطنون تجاهها بالغيرة والتخوف الأكثر، من وضعها في يدي السلطة التي يشعر المواطنون تجاهها بالغيرة والتخوف الأقل. وإنها حقيقة قائمة، رسختها خبرة العصور مفادها أن الشعب يكون في الخطر الأعظم حين تكون وسيلة إلحاق الضرر بحقوق أفراده واقعةً في يدي أولئك الذين تساورهم فيهم شكوك أقل.
لقد كان الذين وضعوا أطر الاتحاد القائم، يدركون تماماً قدر المخاطر التي سيواجهها الاتحاد من السيادة الفردية للولايات على القوات العسكرية، ومن ثم فقد حرّموا على حكومات الولايات بكل صراحة أن تحوز لنفسها سفناً أو قوات برية، إلا بموافقة من الكونغرس. والحق إن، وجود حكومة فدرالية ووجود مؤسسات عسكرية تخضع لسلطة الولاية وإدارتها أمران ليسا أقل تبايناً فيما بينهما من الدعوة على وجود خزينة فدرالية ووجود نظام الحصص والمتطلبات المالية.
وهناك أضواء أخرى إضافة إلى ما سبق ذكره يتضح فيها عدم كفاية القيود المتعلقة بهذا الأمر في التشريعات الوطنية ويتبدى بشكل ساخر. فالواقع أن أساس الاعتراض الذي سبق ذكره وهدفه هو تحاشي وجود الجيوش في أوقات السلم، لكن أصحاب هذا الاعتراض لم يخبرونا عن المدى الذي يودون أن يمتد إليه ذلك الاعتراض؛ هل يبلغ مداه حد إنشاء الجيوش "والحفاظ على إبقائها" في أيام الهدوء أم أنه لا يشمل ذلك. فإذا تم قصره على الأخير فلن يكون لذلك أهمية، وسيكون غير فعال في أن يخدم الغرض المنشود. وحالما يتم إنشاء الجيوش ما الذي سيتم إعلانه!! هل هو إبقاؤها قائمةً خلافاً لروح الدستور؟ ما طول الوقت المطلوب حينذاك لإثبات تلك المخالفة؟ هل سيكون أسبوعاً أم شهراً أم سنة؟ أو ترانا سنقول إنها ستظل قائمة طالما ظل الخطر الذي فرض ضرورة قيامها؟ إن معنى هذا سيكون القبول ببقائها قائمة "في أيام السلم"، ضد الخطر المهدد أو الوشيك، وسيكون مضمونه الانحراف عن المعنى الحرفي لمنع إنشائها، وإدخال أفق واسع جداً لتشكيلها. من الذي سيحكم في أمر استمرار وجود الخطر؟ لا شك أن هذا سيترك إلى الحكومة الوطنية، وسيفضي الأمر إلى النتيجة التالية: إن على الحكومة الوطنية أن تُعد العدة ضد الخطر المتخوف منه ومن أجل هذا ينبغي أن يكون إعداد الجيوش أول ما تفعل، وأن لها إبقاءها قائمةً فيما بعد طالما افترضت أن السلم أو أمان المجتمع لا يزال عرضة للتهديد. ومن السهل أن يدرك المرء أن خياراً واسع المدى بهذا القدر سوف يتيح مجالاً واسعاً لإلغاء مفعول الشرط والسماح.
إن الفائدة المفترضة لشرط من هذا القبيل إنما تنبني في أساسها على احتمال مفترض، هو إمكان حصول توافق بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية على خطة ما هدفها اغتصاب السلطة. فإذا حدث شئ من ذلك في أي وقت، فما أسهل تلفيق مظاهر خطر يقترب؟ إن إثارة الأعمال العدوانية من قبل الهنود، بتحريض من أسبانيا أو بريطانيا، ستظل على الدوام رهن الإشارة: أما خلق الاستفزازات المرغوب فيها فمن السهل أن تُحال إلى دولة أجنبية تكلّف بها ثم يتم إسترضاؤها بتقديم تنازلات من وقت لآخر. ولو افترضنا بقدر من المعقولية أن توافقاً بين السلطة التنفيذية والتشريعية قد تم، وإن المغامرة المخطط لها تحظى بقدر كاف من النجاح، فإن الجيش، حينما يتم إنشاؤه، لأي سبب كان ذلك الإنشاء، وعلى أية أرضية مسبقة، يمكن استخدامه لتنفيذ ذلك المشروع.
وإذا ما أريد تحاشي هذه النتيجة المترتبة، فمن الواجب تقرير مدّ ذلك المنع على الولايات حتى يشمل الحرمان من جميع الجيوش في أوقات السلم. في تلك الحال تعرض الولايات المتحدة للأمم الأخرى منظراً أكثر شذوذاً من أي منظر رآه العالم حتى الآن إنه منظر أمة يبقيها دستورها عاجزة عن التأهب للدفاع عن نفسها قبل أن يقع الهجوم عليها فعلاً. ولما كان الاحتفال برفض رسمي للحرب قد بات منذ مدة قريبة أمراً لا يستخدم، فإن وجود عدو ضمن ممتلكات اتحادنا يجب النظر إليه كإنذار شرعي للحكومة كي تباشر تجميع الرجال لحماية الدولة. يجب أن نتلقى الضربة حتى قبل أن نبدأ في الاستعداد لردها. إن كل هذا النوع من السياسة التي بفضلها تستبق الأمم الخطر البعيد وتواجه العاصفة الآخذة في التجمع لهي سياسة يجب الابتعاد عنها، بصفتها نقيضاً للبديهيات الأصلية لدى حكومة حرة. يجب أن نعرّض ممتلكاتنا وحريتنا إلى رحمة الغزاة الأجانب، بل أن نستدعيهم، جراء ضعفنا، كي ينقضوا على فريسة عارية من الحماية، لأننا نخشى أن يهدد الحكام الذين اخترناهم بمشيئتنا، والمعتمدين على إرادتنا، نحن حريتنا بإساءة استخدام الوسيلة الضرورية لحماية تلك الحرية!!
هنا أتوقع أن يقال أن الميليشيا للبلد هي الدفاع الطبيعي لها، وأن تلك الميليشيا، وفي جميع الأوقات. تعدل الدفاع الوطني. والواقع أن هذه القاعدة قد كادت تفقدنا استقلالنا. وهي تكلف الولايات المتحدة الملايين التي يمكن توفيرها. كما أن الحقائق التي أثبتت تجاربنا الواقعية رفض الإركان إلى هذا هي وقائع حديثة العهد لا تجيز لنا أن نكون مغفلين فنقبل هذا الرأي. إن العمليات الثابتة للحرب ضد جيش نظامي منضبط عمليات لا يمكن تحاشيها إلا بالنجاح في إنشاء قوات حربية من نوع ذلك الجيش. كما أن الاعتبارات الاقتصادية تؤيد هذا الموقف إلى درجة ليست أقل من اعتبارات الاستقرار، والقوة. نعم، إن المليشيا الأمريكية، بفضل شجاعتها في أحداث الحرب الأخيرة وفي مناسبات عديدة، قد أقامت نصباً تذكارية خالدة لحسن السمعة والصيت، لكن أشجع الشجعان من أفرادها يشعر ويعلم أن حرية بلادهم ما كان يمكن توطيدها بفضل جهدهم وحده، مهما كان ذلك الجهد قيماً وعظيماً. ذلك أن الحرب، شأنها شأن كثير من الأمور، علم يجب اكتسابه وإتقانه عن طريق الجهد، والمثابرة. ومع الأيام وعن طريق الممارسة.
إن كل سياسة العنف، نقيضاً لمسيرة شئون الحياة الأخرى الطبيعية والتي تمت ممارستها، هي سياسة تقضي على نفسها. وتمثل بنسلفانيا في الوقت الحاضر مثلاً على صدق هذه الملاحظة. فلائحة الحقوق في تلك الولاية تعلن صراحة أن الجيوش الدائمة تشكل خطراً على حرية المواطنين، فلا يجوز إبقاؤها في حالة السلم. ومع ذلك فإن بنسلفانيا، وفي حال السلام المستقر، ولوجود اضطرابات جزئية في ناحية واحدة أو اثنتين من الولاية – قد قررت إنشاء قوات لها، من الأرجح أنها ستحتفظ بها طالما ظلت هناك مظاهر تهدد السلام العام لأهلها. ومثل هذا تصرفت ولاية ماساشوستس. وهي تلقننا درساً بخصوص ذلك الموضوع، وإن كان على أرضية مغايرة. فلقد أخطرت تلك الولاية (دون انتظار منها لموافقة الكونغرس، كما تقضي متطلبات الاتحاد) لأن تجمع كتائب الرجال فيها لإخماد ثورة في الولاية. وهي لا تزال تحتفظ بفرقة منهم تدفع رواتب رجالها، لمنع انبعاث روح التمرد فيها. لم يبد دستور الولاية أية عقبة في طريق اتخاذ ذلك الإجراء؛ لكن المثل مازال قائماً يخبرنا أنه يمكن حصول حالات من مثل تلك، في ظل حكومتنا شأن حكومات الدول الأخرى، حالات تفرض وجود قوات حربية في حال السلم تكون ضرورية لسلامة المجتمع، كما يفيدنا أيضاً أن من غير المناسب أن نقيّد الحكمة في التشريع بخصوص ذلك. وهو ينبئنا أيضاً، حال تطبيقها على الولايات المتحدة، على ذلك الاحترام الضئيل الذي تلقاه حقوق حكومة ضعيفة، حتى من جانب الولايات التي تشكلها نفسها. كذلك يعلمنا المثل إضافة إلى الكثير الذي تعلمناه منه عجز الشروط على الورق وعدم كفايتها عند تعارضها مع حاجة ضرورية للجمهور.
لقد كانت مسلّمة أساسية في رابطة لاكديمونيا للخير العام، أنه لا يجوز أن يُمنح منصب الأميرال (أمير البحر) مرتين للشخص نفسه. إلا أن أعضاء رابطة البلوبونيز، بعد أن عانوا هزيمة بحرية نكراء قبالة أسطول أثينا، طلبوا من ملك إسبارطة لايساندر، الذي سبق له أن خدم بنجاح في ذلك المجال، أن يتولى إمرة أساطيلهم المجتمعة. ومن أجل أن يُرضي أهل لاكديمونيا حلفاءهم، وللحفاظ على مظهر التزام لاكديمونيا بقوانينها القديمة، أعادوا النظر في التجاوز في منح لايساندر السلطة الحقيقية لمنصب الأميرال بأن منحوه اللقب الاسمي نائب الأميرال. هذا مثل انتقيته من بين العديد من الأمثلة التي يمكن إيرادها لتأكيد الحقيقة التي سبق ذكرها والتمثيل عليها بأحداث محلية؛ ومُفادها أن الأمم قليلاً ما تحترم القواعد والمُثل التي حُسب حسابها في أصل طبيعتها لمواجهة ضرورات المجتمع. سيكون السياسيون الراجحو العقل حذرين فيما يخص تقييد الحكومة بقيود لا يمكن مراعاتها، لأنهم يدركون أن خرق أي من القوانين الأساسية، وإن فرضته الضرورة، يخرق ذلك التبجيل المقدس الذي يجب الحرص على الاحتفاظ به قائماً في أفئدة الحاكمية تجاه دستور بلادهم، ويشكّل سابقة لخروقات أخرى حيث لا يكون الإدعاء بالضرورة موجوداً أصلاً، أو هو أقل استعجالاً وتقبلاً من المواطنين.
بوبليوس

_______________________
- الأوراق الفيدالية/الكسندر هاملتون، جميس ماديسون، وجون جاي؛ ترجمة عمران أبو حجلة، مراجعة أحمد ظاهر- عمان: دار الفارس للنشر والتوزيع، 1996. ص 177-183.

العودة للصفحة الرئيسية