الأوراق الفيدرالية

ورقة رقم: 23
الكسندر هاملتون
Alexander Hamilton
18 ديسمبر، 1787


إلى أهالي ولاية نيويورك:
إن الضرورة إلى دستور يكون فعالاً قدر الدستور المقترح على الأقل، للحفاظ على الاتحاد، هي النقطة التي وصلنا الآن إلى تفحصها.
ومن الطبيعي أن تفحصنا هذا سوف يتفرع إلى ثلاثة مجالات: الأهداف التي يجب أن توفرها الحكومة الفدرالية، وقدر السلطة الضروري لإنجاز تلك الأهداف، والأشخاص الذين يجب أن تعمل عليهم تلك السلطة. ولربما استدعى توزيع ذلك الدستور وتنظيمه اهتمامنا تحت البند التالي.
إن الأغراض الرئيسة التي يجب أن يلبيها الاتحاد هي هذه – الدفاع العام عن أعضاء الاتحاد والحفاظ على السلام العام، ضد الأخطار التي قد تبرز من الداخل والهجوم من الخارج، وتنظيم التجارة مع الدول الأجنبية.
والسلطات الأساسية للدفاع العام المشترك هي: حشد الجيوش، بناء وتسليح الأساطيل، وتحديد القواعد لإدارة الجانبين الجيش والأسطول، وتوجيه عملياتهما، وتأمين الإسناد لهما أيضاً. إن هذه السلطات لابد أن تكون مطلقة دون تقييد، لأنه من المستحيل أن يتنبأ المرء سلفاً أو يضع حدوداً لمدى تنوع الوسائل التي قد تكون ضرورية لتلبية الطوارئ الوطنية على الأمة، وإلى المدى المقابل والوسائط التي ربما تكون ضرورية للوفاء بسدّها. فالظروف التي يمكن أن تهدد سلامة الأمم ظروف لا يمكن حصر عددها، ولهذا السبب فإنه ليس من الحكمة فرض أية قيود دستورية على السلطة التي يوكل إليها ذلك. وهذا يوجب أن تكون السلطة شاملة تضم جميع التركيبات التي قد تعرض للظروف، كما يجب أن توضع تحت إشراف وتوجيه المجالس ذاتها التي يتم تعيينها لترئس الدفاع العام.
هذه واحدة من تلك الحقائق التي تحمل للعقل السليم غير ذي الضغينة دليلاً على صدقها، فيها، والتي قد يُغفل عنها، لكنه لا يمكن تبسيطها أكثر عن طريق المناقشة والتعليل. إنها تقوم على بديهيات بسيطة وشاملة معاً، فالوسيلة يجب أن تتناسب مع الغاية، والأشخاص الذين بتفويض منهم يمكن إنجاز هدف ما ينتظر منهم أن يمتلكوا الوسيلة التي يمكن إنجاز ذلك الهدف عن طريقها.
إن قضية ما إذا كان الواجب قيام حكومة فدرالية يُعهد إليها الاهتمام بأمر الدفاع العام لهو سؤال مفتوح للنقاش. ذاك أول الأمر، أما في اللحظة التي يتم فيها الإقرار حوله بالإيجاب، فإنه يترتب على ذلك أن تحلّي تلك الحكومة بجميع السلطات الضرورية التي يتطلبها إنجاز المهمة التي أوكلت إليها. وإلى أن يمكن تبيين الظروف التي تؤثر على السلامة العامة وتوضع تلك الظروف ضمن حدود معينة معلومة؛ وإلى أن يمكن مناقشة نقيض هذا الوضع بإنصاف، وبعقلانية – فإنه يجب القبول بتلك السلطات، باعتبار ذلك نتيجة ضرورية مترتبة. فلا يجوز وضع قيود على تلك السلطة التي تكلف بتوفير السلامة العامة، وحماية المجتمع، في أية مسألة أساسية لفعّاليتها – أي، في أية مسألة أساسية لتشكيل، وتوجيه، وإسناد "القوات الوطنية".
ومهما كان النقص الذي ثبت في الكونفدرالية، حتى الآن، فإنه يبدو أنه قد تم الاعتراف بهذا المبدأ بصورة كاملة، عند من وضعوا أطر تلك الكونفدرالية، وإن لم يضعوا شروطاً دقيقة ومناسبة لإعماله. إن لدى الكونغرس الحكمة غير المحدودة لإصدار الأوامر بطلب الرجال والأموال، ولأن يسيطر على الجيش والأسطول، وإن يوجه عملياتهما. وحيث أن مستلزماتهما ملزمة دستورياً للولايات، فالولايات في الحقيقة مجبرة بكل صرامة لأن توفرها. وكانت النية واضحة تماماً في أن الولايات المتحدة (الاتحاد) يجب أن تسيطر على أية موارد يتطلبها "الدفاع العام والصالح العام". لقد كان مفترضاً أن حساً بمصالحها الحقيقية، واحتراماً لما تمليه الثقة الخيّرة، ستكون مواثيق كافية لأداء الواجب في وقته من قبل الأعضاء للرئيس الفدرالي.
ولقد بيّنت التجربة، على كل حال، أن ذلك التوقع كان مبنياً على أساس خاطئ، كما كانت الملاحظات التي تندرج تحت ذاك العنوان، كما أتصور، كافية تماماً لإقناع غير المتحيزين وذوي البصيرة أن الحاجة ماسّة لإجراء تغيير كلي في المبادئ الأولى من النظام (الفدرالي) وأظهرت، أننا إذا جادين في منح الاتحاد الفعالية والاستمرار فإن علينا أن نتخلى عن المشروع الفارغ الذي يدعو إلى منح الولايات حق التشريع بصفتها الإجماعية، وأن نعمد إلى توسيع نطاق عمل قوانين الحكومة الفدرالية حتى تشمل المواطنين الأفراد في أمريكا، كما يجب أن نرفض المشروع الخطأ، مشروع الأنصبة والمتطلبات باعتباره مشروعاً يتعذر تطبيقه بقدر ما لا يمكن ضمان عدالته. والنتيجة المتحصلة من كل ذلك هي أنه يجب تخويل الاتحاد الحق الكامل في حشد الجيوش، وبناء وتسليح الأساطيل، وجباية الأموال التي يحتاجها إنشاء جيش وبناء أسطول وإسنادهما حسب الأصول العادية والمعتادة التي تطبقها الحكومات الأخرى.
إذا كانت ظروف بلادنا تتطلب حكومة مركبة بدلاً من حكومة بسيطة، وكونفدرالية بدلاً من حكومة واحدة، فإن النقطة الرئيسية التي يبقى علينا تعديلها هي تمييز الأهداف، قدر المستطاع، التي سوف تتعلق بدوائر أو مجالات السلطة، معطين لكل دائرة أو مجال أوفر قدر من السلطة يفي بالغايات المكلف القيام بها. هل سيُعهد إلى الاتحاد دستورياً أن يكون حارس السلامة العامة في البلاد؟ هل الأساطيل والجيوش والأموال العامة ضرورية لهذا الغرض؟ يجب أن تخوّل حكومة الاتحاد حق إقرار القوانين، ووضع جميع التعليمات ذات العلاقة بما سبق. والحالة ذاتها يجب أن تتم فيما يتعلق بالتجارة، وبكل مسالة أخرى يُسمح للتشريع في الاتحاد أن يمتد إلى مجالها، هل إدارة القضاء فيما بين المواطنين في الولاية نفسها هي الدائرة المناسبة للحكومات المحلية؟ إن على هذه أن تمتلك جميع السلطات المرتبطة بهذا الغرض، وبجميع المسائل الأخرى التي يجوز أن تخصص لدرايتها الخاصة وإشرافها. إن عدم نقل درجة من السلطة تكون مكافئة للهدف المطلوب، لهو انتهاك للقواعد الأكثر وضوحاً من غيرها، للحكمة واللياقة، كما أنه من الحمق أن نعهد بمصالح الأمة إلى أيد مكفوفة عن تنظيم تلك المصالح وإدارتها بقوة ونجاح.
تُرى من الأرجح أن يتخذ شروطاً مناسبة للدفاع العام قدر تلك الهيئة التي يُعهد إليها بحراسة الدفاع العام، والتي بصفتها مركز المعلومات المتوفرة سوف تتفهم مدى الأخطار المهددة للأمة ودرجة استعجالها، وبصفتها ممثلة لجميع الولايات، سوف تجد نفسها مهتمة جداً بالحفاظ على كل جزء من الكل، وبحكم المسئولية الملقاة على عاتقها في الواجب المعهود به إليها، سوف تتأثر جداً بكل معقولية، بضرورة الجهود المناسبة، والتي بحكم امتداد سلطاتها على طول وعرض الولايات – بمقدورها وحدها أن تقيم الوحدة والإنسجام في الخطط والإجراءات التي بفضلها يتم تأمين السلامة الوطنية العامة؟ أليس هناك عدم اتساق بيّن في تكليف الحكومة الفدرالية مهمة الدفاع الوطني العام، وإبقاء حكومات الولايات تملك الصلاحيات الفعّالة التي بفضلها يمكن توفير ذلك الدفاع؟ أليس انعدام التعاون هو النتيجة الأكيدة لمثل هذا النظام؟ ألن يكون الضعف والفوضى، وعدم الإنصاف في توزيع أعباء الحرب ونكباتها، والزيادة غير الضرورية ولا المقبولة في النفقات – كل هذه هي الملازم الطبيعي والمحتوم آنذاك؟ أما خبرنا بجلاء نتائج كل ذلك في مجريات الثورة التي تم لنا إنجازها منذ عهد قريب؟
كل رأي نأخذه حول الموضوع، باعتبارنا سعاةً خيرين ننشد الحقيقة، سوف يخدم في إقناعنا أنه من غير الحكمة، بل من الخطر، أن ننكر على الحكومة الفدرالية سلطة غير محددة فيما يتعلق بجميع هذه الأهداف المعهودة إليها إدارتها وتنظيمها.
والواقع أن ما يستحق اليقظة والاهتمام العظيمين من لدن الشعب هو أن يرى أن الأمر يجب أن يوضع بحيث يمنح الاتحاد كافة السلطات المتطلبة للعمل. إذا كانت هناك أية خطة تم تقديمها أو سيتم طرحها أمامنا للمداولة، ولا تلقى بعد التحري النزيه عنها، أنها تفي بهذه المواصفات، فالواجب رفضها. ذلك أن حكومة، دستورها يجعلها غير أهل لأن توكل إليها جميع الصلاحيات التي يمنحها أي شعب حر ويفوضها لأي حكومة – ستكون حكومة غير مأمونة ومستقراً غير مناسب لرعاية المصالح الوطنية. وحيثما توكل هذه الصلاحيات بصورة مناسبة فإن السلطات الملازمة لها يجب أن ترافقها. هذه هي الحصيلة الصادقة لجميع المحاكمة العادلة حول الموضوع. وكان على خصوم الخطة التي تم إصدارها في الميثاق أن يقدموا انطباعاً أفضل لصراحتهم لو حصروا أنفسهم في نطاق إظهار أن البنية الداخلية للحكومة المقترحة كانت ستجعلها غير جديرة بثقة الشعب. كان عليهم ألا يجوبوا في أرجاء المزاعم المثيرة للهيجان والاضطراب والسراديب التي لا معنى لها بخصوص مدى الصلاحيات. إن الصلاحيات ليست أوسع مما ينبغي لأهداف الفدرالية، أو، بكلمات أخرى، لتنظيم مصالحنا الوطنية، وليس في مستطاع أي نقاش مقنع أن يبيّن أن تلك الصلاحيات مبالغ فيها. لو كان ذلك صحيحاً، كما ضخّم الأمر بعض الكتاب من ذوي الرأي الآخر.. في أن الصعوبة تنبع من طبيعة الشئ، وأن اتساع البلاد لن يتيح لنا أن نشكل حكومة تستقر فيها بأمان مثل هذه الصلاحيات الكبيرة، فإن ذلك كان سيبين أن علينا أن نقلّص آراءنا، ونلجأ إلى ضرورة قيام عدة كونفدراليات منفصلة يكون عليها أن تتحرك ضمن مجالات يمكن تطبيقها بصورة أكبر. ذلك لأن السخافة لابد أن توصلنا بصورة موصولة إلى مواجهة أن نعهد إلى حكومة ما بتوجيه أهم المصالح الوطنية، دون الجرأة في أن نكل إليها الصلاحيات التي لا يمكن الاستغناء عنها في الإدارة المناسبة والكفوءة لتلك المصالح. دعنا لا نحاول التوفيق بين المتناقضات بل نقبل البديل العقلاني، بكل جزم وثبات.
إنني أعتقد على كل حال، أن زعم عدم القابلية للتطبيق في نظام عام واحد، زعم لا يمكن إثباته والبرهنة عليه، وأراني على خطأ عظيم لو اعتبرت أن أي شئ له وزن قد تم طرحه أمامنا في هذا الاتجاه، بل أجدني أخدع نفسي لو زعمت أن الملاحظات التي أبديت في مجريات هذه الورقات قد خدمت في إلقاء نور كاف على نقيض ذلك الوضع، شأن بقاء أي مسالة لا تزال في رحم الزمن المقبل والممارسة اللاحقة خاضعة للشك. وفي جميع الأحوال، فإنه يجب أن يكون واضحاً أن عقبة اتساع البلاد في حد ذاتها، هي المناقشة الأقوى لصالح حكومة قادرة فعالة؛ لأن أية حكومة أخرى من غير ذلك الصنف، لن تستطيع، على التأكيد، الحفاظ على الوحدة في إمبراطورية بهذه الضخامة. إذا تقبلنا رأي أولئك الذين يعارضون تبنّي الدستور المقترح بصفته أنموذج مذهبنا السياسي فإننا لن نخفق في تأكيد العقائد الظلامية التي تتنبأ بعدم إمكانية تطبيق النظام الوطني الذي يسود كامل نطاقات الكونفدرالية القائمة.
بوبليوس

_______________________
- الأوراق الفيدالية/الكسندر هاملتون، جميس ماديسون، وجون جاي؛ ترجمة عمران أبو حجلة، مراجعة أحمد ظاهر- عمان: دار الفارس للنشر والتوزيع، 1996. ص 165-170.

العودة للصفحة الرئيسية