الأوراق الفيدرالية

ورقة رقم: 21
الكسندر هاملتون
Alexander Hamilton
12 ديسمبر، 1787


إلى أهالي ولاية نيويورك:
بعد أن عرضت في الثلاث ورقات الأخيرة ملخصاً مقتضباً للظروف الرئيسية والأحداث التي تصور عبقرية ومصائر الحكومات الكونفدرالية، سأنتقل إلى تعداد أهم النقائص التي خيبت آمالنا حتى الآن في النظام الذي أنشأناه نحن. ومن أجل تكوين رأي سليم ومقنع عن العلاج المناسب، يلزمنا بكل تأكيد أن نكون على معرفة بمدى الداء وقدر شروره ومبلغ أذاه.
إن النقيصة المشهَّر بها للنظام الكونفدرالي القائم هي حاجة القوانين التي يشرّعها ذلك النظام إلى "الإقرار". فالولايات المتحدة في الشكل القائم حالياً، لا تملك أية سلطة لأن تفرض إطاعة القرارات التي تتخذها، ولا معاقبة عصيانها؛ لا عن طريق الغرامات النقدية، من خلال تعليق امتيازات العاصي أو إلغائها. ولا عن أي سبيل دستوري آخر. ليس هناك تفويض صريح لها بحق استخدام القوة ضد الأعضاء المنحرفين فيها. وإذا كان مثل هذا الحق يجب أن يخول إلى الرئيس الفدرالي، كما يترتب بصورة طبيعية على الارتباط فيما بين الولايات – فإنه يتوجب أن يتم عن طريق المداخلة وإعادة بناء مضمون الفقرة الثانية التي تنص على أنه يجب أن يتم التصريح علناً بأن لكل ولاية أن تحتفظ لنفسها بكامل السلطات في التشريع، وبالحقوق التي لم يتم تفويضها صراحةً إلى الولايات المتحدة، في مؤتمر يتم عقده لذلك الغرض. إن غياب مثل هذا الحق يتضمن، بلا ريب، قدراً كبيراً من السخف، لكننا مضطرون إلى مواجهة المعضلة، إما عن طريق فرض تلك النقيصة، مهما كانت منافية للمنطق في ظاهرها، أو عن طريق تأويل، وتوضيح شرط، ظهر منذ مدة طويلة إنه موضوع مكرر في مدائح أولئك الذين يعارضون الدستور الجديد؛ مع حذف كل ما هو موضع مؤاخذة صريحة أو انتقاد عنيف في الخطة المقترحة، إذا كنا نريد ألا ننقص قوة هذا الشرط الذي يلقى كل تأييد، فسنكون ملزمين أن نستنتج أن الولايات المتحدة تستطيع تحمل المنظر الشاذ لحكومة لا تملك حتى ظل السلطة الدستورية لتنفيذ القوانين الخاصة بها. وسيبدو من العينات التي تم إيرادها من قبل أن الكونفدرالية الأمريكية، في هذا الخصوص، تقف متميزة ومنفصلة عن كل مؤسسة أخرى من شبيهاتها، وأنها تعرض ظاهرة لا مثيل لها في عالم السياسة.
إن غياب الضمان المتبادل لحكومات الولايات لهو نقيصة كبرى أخرى في الخطة الفدرالية. فليس هناك نص يتطرق إلى ذلك في الفقرات التي تتألف منها الخطة. ومن ثم فإن تحميل مفهوم ضمان ما انطلاقاً من اعتبارات التوحيد – سيكون ابتعاداً عن عبارة الفقرة المشار إليها، بل ابتعاداً أكبر من تضمين النص حق الاعتداء انطلاقاً من اعتبارات مماثلة. ومع إن غياب الضمان قد يترتب عليه تشكيل خطر على الاتحاد، إلا أنه (الغياب) لا يهاجم وجود الاتحاد ذاته بصورة فورية، مثل ما يفعل انعدام الإقرار الدستوري للقوانين، فيه.
فبدون الضمان تلتغي المساعدة التي يمكن طلبها من "الاتحاد" لصد الأخطار الداخلية التي ربما هددت وجود دساتير الولايات في بعض الأحيان. بل قد يرفع الاغتصاب رأسه في كل ولاية، ويدوس على حريات الشعب، فيما تظل حكومة الاتحاد عاجزة عن أن تفعل شيئاً أكثر من أن تنظر إلى تلك التعديات باستخذاء، وأن تشعر بالأسف على ذلك. وقد يقيم حزب ناجح طغياناً على حطام النظام والقانون، ولا يكون هناك منقذ مسموح له من قبل الاتحاد أن يهب لمساعدة أصدقاء حكومة تلك الولاية ومؤيديها. والوضع العاصف الذي كان عسيراً على ماساشوستس أن تخرج منه – يشهر أن أخطاراً من هذا القبيل ليست مجرد تصورات وتفكير تأملي من الذي يستطيع أن يجزم ألا يستطيع أن يتزعم نقمة الولاية الأخيرة هذه قيصر أو كرومويل؟ ومن بمقدوره أن يتنبأ عما يترتب عن نظام طغياني يقام في ماساشوستس وعن آثاره على حريات أهل نيوهامبشير، أو رودأيلند، وعلى أهل كونكتكت أو نيويورك؟
إن الإعتزاز المفرط بأهمية الولاية قد دفع بعض الناس إلى معارضة جعل مبدأ الضمان ذاك في يد الحكومة الفدرالية، باعتباره ينطوي على تدخل رسمي في الشؤون المحلية للولايات الأعضاء في الإتحاد. وهراء من هذا النوع سوف يجردنا من تخوف غير محق من طبيعة شرط الضمان ذاته. ولن يكون الضمان عقبة في طريق تعديل دساتير الولايات بفعل الأكثرية من أهاليها بطريقة قانونية وسليمة. إن هذا الحق سيظل غير منقوص. فلا يمكن تفعيل حق الضمان هذا إلا ضد التغيرات التي تتم عن طريق العنف. ومن أجل منع نكبات من هذا القبيل، فإنه يتعذر توفير قيود أكثر مما ينبغي. إن سلام المجتمع واستقرار الحكم فيه يعتمدان بصورة مطلقة على كفاءة الاحتياطات المأخوذة في هذا الأمر. وحيث تكون كامل السلطات في يدي الشعب يغدو هناك إمكان أقل لاستخدام علاج العنف في حال عدم الاعتدال الجزئي أو الكلي بين أهل الولاية. إن العلاج الطبيعي لحكومة سيئة الإدارة، والذي يطبق في دستور، شعبي أو تمثيلي، هو تغيير الرجال في تلك الحكومة. ومن ثم يكون توفير الضمان بفضل سلطة وطنية (اتحادية) إنما يُلجأ إليه ضد اغتصاب الحاكمين بقدر ما يلجأ إليه ضد خمائر وانفجارات التحزّب والانقسام في المجتمع.
إن مبدأ تنظيم مساهمة الولايات في الميزانية العامة للاتحاد عن طريق الحصص لهو خطأ رئيسي في اتحادنا الحاضر. وقد سبق أن أشير إلى تنافره مع توفير مورد كاف بعد التجربة التي تمت بهذا الخصوص. وأنا أتحدث عنه الآن فقط من حيث التساوي فيما بين الولايات في هذا الأمر. وعلى أولئك الذين تعودوا التأمل في الظروف التي تنتج الثروة الوطنية في بلادنا وتشكلها، أن يتقبلوا أنه ليس هناك معيار عام أو باروميتر معروف على أساس درجاته يمكن الركون إليه باطمئنان. كما أنه لا قيم الأراضي ولا عدد السكان، اللذان تم اقتراحهما على التتابع كقاعدة وأساس لمساهمات الولايات – يحملان أية دلالة لجعلهما ممثلاً منصفاً. فلو قارنا ثروة الأراضي الواطئة بثروة روسيا أو ألمانيا، بل حتى بثروة فرنسا، وفي نفس الوقت قارنا القيمة الكلية للأراضي ومجموع السكان الكلي للأقاليم الشاسعة في كل من هاتين المملكتين – لاكتشفنا على الفور أنه لا مقارنة هناك بين تناسب أي من الثروة وعدد السكان وبين الثروة النسبية لتلك الدول. ولو تمت المقارنة المماثلة بين عدد من الولايات الأمريكية لجاءت بنتيجة مماثلة. دعنا نجري مقابلة بين فرجينيا وكارولينا الشمالية، وبين بنسلفانيا وكونكتكت أو ماري لاند مع نيوجرزي – وسنقتنع إذ ذاك أن القدرات النسبية لهذه الولايات، فيما يتعلق بالإيرادات – تحمل شبهاً قليلاً أو غير قائم أصلا من حيث موجوداتها النسبية من أراض أو عدد سكان. ويمكن إيضاح ذلك الوضع أيضاً من خلال عقد مقارنة مماثلة فيما بين النواحي في تلك الولايات. فليس هناك شخص يعرف ولاية نيويورك ويرتاب في أن الثروة الفاعلة في ناحية كنغر (الملوك) تحمل نسبة أكبر بكثير من نظيرتها في ناحية مونتغمري، وأكثر مما يبدو أنها تحمله لو أخذنا أياً من القيمة الإجمالية للأراضي أو عدد السكان الكلي كمعيار نقيس على أساسه.
إن ثروة الأمم تعتمد على تنوع غير محدود من الأسباب: فالموقع، والمناخ، وطبيعة المنتوجات، وطبيعة الحكم، وإبداع المواطنين، ومستوى الثقافة الذي يملكونه، وحال التجارة، والفنون والصناعة – كل هذه الظروف وكثيرات غيرها، شديدة التعقيد، ودقيقة، أو ميالة إلى المخاطرة والمغامرة بحيث تسمح بتخصيص متميز، تخلق فروقاً. وكلها بالكاد يمكن إدراكها في الوفرة النسبية وثروات البلدان المختلفة. والحصيلة المترتبة عن ذلك بوضوح هي أنه ليس هناك مقياس عام لقياس الثروة الوطنية، ومن ثم طبعاً، فإنه ليس هنالك قاعدة عامة أو مرتكز راسخ على أساسه يمكن تقرير قدرة ولاية ما على دفع الضرائب. ولذا، فإن محاولة تنظيم مساهمة أعضاء الكونفدرالية بفعل مثل تلك القاعدة لن تفشل في إبراز نور ساطع على عدم المساواة والظلم المتطرف.
ومن شأن عدم المساواة هذا في حد ذاته أن يكون كافياً في أمريكا لخلق الدمار اللاحق للاتحاد إذا ما استنبط أي شكل من أشكال تنفيذ الوفاء بضروراته عن طريق القوة. فالولايات التي تخسر في تلك الحال لن تقبل طويلاً بالبقاء منضمة (إلى الاتحاد) على أساس مبدأ يوزّع الأعباء العامة بيد غير منصفة، مبدأ تم إجراء حسبته لإفقار وظلم المواطنين في بعض الولايات فيما لا يكاد مواطنوا الولايات الأخرى يدركون النسبة الصغيرة من العبء الذي يُطلب منهم تحملّه. وهذا، على كل حال، هو شر ملازم لمبدأ توزيع الأنصبة من العبء المطلوب.
وليس هناك طريقة للسير بمنجاة من هذه النقيصة إلا عن طريق تخويل الحكومة الوطنية أن تجبي موارد الخزينة فيها بطريقتها الخاصة بها. فالرسوم، والمكوس، وجميع أنواع الضرائب على أصناف الاستهلاك بصورة عامة، يمكن تشبيهها بدفق مائي سوف يجد لنفسه مستوى معيناً مع الزمن، كما يجد وسيلة لدفع كل مكوناته أيضاً. والكمية التي يتوجب دفعها من كل مواطن سوف تكون إلى درجة ما باختيار منه هو، ومن ثم يمكنه تنظيمها مع مراعاة موارده الخاصة. فالأثرياء قد يميلون إلى التبذير، والفقراء إلى الشح، لكنه يظل يمكن على الدوام تجنّب الوقوع في الإكراه الشخصي، بانتقاء يقوم به التشريع للأشياء التي يناسب أن تكون خاضعة للرسوم. فإذا ما برزت مظالم في بعض الولايات من الضرائب على بعض الحاجيات، فالأغلب احتمالاً أن يتم تعديل ميزانها بمظالم نسبية في ولايات أخرى، عن طريق فرض ضرائب على حاجيات أخرى هناك. ومع مرور الأيام والأشياء فإن اتزاناً، بقدر ما يسمح به مثل هذا الموضوع المعقد – سيستقر في جميع الولايات. أو ستظل المظالم قائمة، لكنها لن تكون على درجة بالغة، وموحدة من حيث العمل، ولا مكروهة في مظهرها، مثل تلك المظالم التي لا بد أن تظهر لو تم تطبيق الحصص على أساس أي معيار يمكن استنباطه في المستقبل.
وإنها لميزة حسنة وفريدة في الضرائب على الحاجات الإستهلاكية أنها تشمل بطبيعتها ضماناً ضد الإفراط والزيادة عن الحاجة. فهي (الضرائب) تحدد مداها، وهو مدى لا يمكن زيادته دون التخلّي عن الغاية التي وُضعت الضرائب من أجلها – وهي زيادة موارد الخزينة. وحين يتم تطبيقها لهذا الهدف، فإن القول المأثور يغدو عادلاً وحكيماً معاً، وهو: "في حساب السياسة لا يشكل مجموع 2+2 أربعة على الدوام". فإذا كانت الضرائب أعلى مما ينبغي، فإنها تخفض الاستهلاك؛ ومن ثم تتناقص الجباية؛ وتكون الحصيلة إلى الخزينة على قدر أدنى مما لو كانت الضرائب محصورة ضمن حدود مناسبة ومعتدلة. وهذا يشكل حاجزاً كافياً للحيلولة دون وقوع أي إكراه مادّي على المواطنين من خلال ضرائب من هذه الفئة، وهو في ذاته تقييد طبيعي على حق فرض تلك الضرائب.
إن الرسوم التي من هذا النوع عادةً ما تقع في خانة الضرائب التي يجب، ولمدة طويلة، أن تشكل الجانب الرئيسي من موارد الخزينة في هذه البلاد. أما تلك التي من نوع الضرائب المباشرة، فهي تسمح بقاعدة للتوزيع. إذ يمكن جعل قيمة الأراضي أو عدد السكان مقياساً موحداً. ذلك أن حال الزراعة وكثافة السكان في البلد يعتبران عاملين لهما ارتباط قريب ببعضهما. وكقاعدة عامة، وللغرض المراد معالجته، يغدو للأرقام – نظراً إلى بساطة التعامل معها، ومصداقيتها – أفضلية في هذا الشأن. وإنه لعمل هرقلي جبار في أي بلد، أن يتم الحصول على تقييم للأراضي فيه؛ فكيف في بلد لما يتم الاستقرار فيه، وهو يتقدم في تحسين أراضيه! هناك سنجد الصعوبات تزيد إلى درجة الاستحالة. إن تكاليف إجراء تقييم دقيق في ذلك الخصوص، تلقى معارضة عنيفة، في جميع المواقف. وفي مجال فرض الضرائب، حيث لا حدود بائنة لتقديرات الحكومة في مثل هذا الشئ – يصبح تقرير قاعدة ثابتة، لا تنسجم مع الغاية من وضعها، أمراً قد يُنظر إليه بمتاعب أقل عدداً مما ينظر إلى ترك ذلك التقدير وصوابيته حراً خالياً من القيود.
بوبليوس

_______________________
- الأوراق الفيدالية/الكسندر هاملتون، جميس ماديسون، وجون جاي؛ ترجمة عمران أبو حجلة، مراجعة أحمد ظاهر- عمان: دار الفارس للنشر والتوزيع، 1996. ص 147-153.

العودة للصفحة الرئيسية