الأوراق الفيدرالية

ورقة رقم: 20
جيمس ماديسون والكسندر هاملتون
James Madison & Alexander Hamilton
11 ديسمبر، 1787


إلى أهالي ولاية نيويورك:
الأراضي الواطئة المتحدة كونفدرالية من جمهوريات، بل الأحرى أنها مجموعة ارستقراطيات من نوع متميز جداً، ومع هذا فهي تؤكد الدروس التي استقيناها من الكونفدراليات التي استعرضناها من قبل.
فالاتحاد يتكون من سبع ولايات مستقلة ذات سيادة، ومتساوية، وكل ولاية أو مقاطعة منها مؤلفة من مجموعة مدن متساوية، ومستقلة.
والسيادة في الاتحاد تتمثل في مجلس الولايات العام الذي يتشكل عادةً من حوالي خمسين مندوباً تعيّنهم المقاطعات. وهم يشغلون مقاعدهم، البعض منهم مدى الحياة، والآخرون لست سنوات أو ثلاث، أو سنة واحدة؛ ومن مقاطعتين اثنتين يظل مندوبوهما في وظائف حسب رغبتهم.
وللمجلس العام حق إبرام المعاهدات، والتحالفات، وإعلان الحرب وعقد السلام، كما أن له الحق في حشد الجيوش وتسليح الأسطول؛ وفي تحديد حصص الولايات ومقدار إسهامها في الخزينة. وفي جميع هذه الحالات، على كل حال، يكون الإجماع والإقرار من قبل الولايات (المقاطعات) التي يتشكل منها الاتحاد – أمراً ضرورياً ولازماً. كذلك للمجلس حق تعيين السفراء وتسلّم أوراق اعتمادهم، وتنفيذ المعاهدات والتحالفات التي تم تشكيلها، وعليه أن يوفر الأموال الضرورية لجباية المكوس على الصادرات والواردات، وأن ينظم الميزانية مع مراعاة حقوق المقاطعات، وأن يحكم الممتلكات المستقلة مع ضمان السيادة فيها. والمقاطعة منها ممنوعة، إلا بعد موافقة الجميع، من الدخول في معاهدات أجنبية، ومن إنشاء مواقع عسكرية تلحق ضرراً بالمقطاعات الأخرى، ومن تقاضي مكوس من مواطني جاراتها أعلى مما تتقاضاه من المواطنين فيها. وهنالك مجلس للمقاطعة، وغرفة موازنة فيها خمسة أقسام رئيسية، تساعد الإدارة الفدرالية وتعززها.
والمسئول التنفيذي في الاتحاد هو الذي يشغل منصب الإدارة الأعلى، وهو الآن أمير يتوارث منصبه. وهو يستقي أهميته الرئيسة ونفوذه في الاتحاد من لقبه المستقل، ومن ممتلكاته العقارية الواسعة المتوارثة عن عائلته، من علاقات أسرته مع أقرانها في أوروبا؛ وأكثر من كل ذلك، مما يستقيه من كونه حامل لقب في أكثر من مقاطعة واحدة، ومنصب في الاتحاد؛ وبحكم ذلك يتمتع بحق تعيين الموظفين الإداريين في المدن، ضمن شروط محددة، ويُصدر المراسيم في المقاطعات، ويترأس القضاء فيها حين يرغب في ذلك، ومن ثم يتمتع بحق إصدار العفو فيها.
وبصفته الحاكم، حامل اللقب، في الاتحاد فهو يتمتع بحقوق معتبرة.
فبصفته السياسية يتمتع بصلاحية الفصل في المنازعات بين المقطاعات، حين تخفق الطرق الأخرى، وصلاحية أن يساعد في مداولات المجلس العام، وفي المؤتمرات الخاصة التي يعقدها الأعضاء. وأن يتسلم أوراق اعتماد السفراء المعتمدين الأجانب، ويبقي وكلاء خاصيين لرعاية شؤونه الخاصة في المحاكم الأجنبية.
وبصفته العسكرية يأمر ذلك الحاكم الجيوش الفدرالية، ويوفر لوازم لحامياتها، وبصورة عامة فهو ينظم الشؤون الحربية، ويصدر جميع التعيينات في مختلف المناصب من الضابط الكبير إلى المجنّد، كما يصدر عنه التعيين في وظائف الحكومة وفي مراكز المدن المحصنة.
أما بصفته في مجال البحرية، فهو الأميرال العام، يشرف ويوجه كل شأن يتعلق بالقوات البحرية، وشؤونه البحرية الأخرى، ويرأس اجتماعات وزارة البحرية شخصياً أو بالإنابة عنه؛ ويعين ضباط البحرية (أمار) والضباط الآخرين، وينشئ المجالس الحربية، لكنه لا يتم تنفيذ أحكامها إلا بموافقته.
وأما خزينته، وخلاف الدخل الشخصي العائد إليه، فهي تبلغ ثلاثماية ألف فلورين. ويبلغ الجيش الدائم الذي تحت إمرته حوالي 40 ألف رجل.
هذه هي طبيعة الكونفدرالية البلجيكية المشهورة كما يرسم هيكلها التخطيطي على الورق. فما هي الخصائص التي طبعتها بها الممارسة والتطبيق؟ إنها عدم الحزم بل الميوعة في الإدارة، والتنافر بين المقاطعات، وتسرب النفوذ الخارجي والتعرض للمهانة، وقيام وضع لا طائل منه في حال الحرب.
ومنذ عهد طويل لاحظ غروتيوس Grotius أنه لا شئ خلاف الكراهية العامة من المواطنين للأسرة النمساوية الحاكمة هو الذي أبقى الاتحاد قائماً لم يتحطم جرّاء نقائص الدستور فيه.
ويرى كاتب آخر أن اتحاد أوترخت جدير بالاحترام. فهو يبقي السلطة في يدي المجلس العام للمقطاعات، ويبدو ذلك كافياً لضمان الإنسجام فيما بينها. بيد أن غيرة كل من المقطاعات تجاه الأخرى تجعل التطبيق العملي للدستور مغايراً جداً للنظرية التي أقيم على أساسها الاتحاد.
فالآلية نفسها، وأعني الدستور، كما يقول كاتب آخر، تجبر كل مقاطعة أن تقدم اشتراكاً (إسهاماً) معيناً إلى الاتحاد، لكن هذا البند لم يسبق أن تُفذ أبداً، ومن غير المحتمل أن يستطاع تنفيذه في المستقبل، لأن المقطاعات البرية (الداخلية) والتي لها تجارة ضئيلة، لا تستطيع توفير نصيب يساوي نصيب غيرها من الأموال.
وفيما يتعلق بالاشتراكات، فإن العادة المطبقة إن يتم تعديل نصوص الدستور. ذلك إن الخطر من التأخير في الدفع يجبر المقاطعات الموافقة أن تقدم أنصبتها هي دون انتظار المقاطعات الأخرى، ثم يتم تحصيل الأنصبة المتبقية من الأخريات عن طريق التعويض؛ وهذه أمور تتكرر، أو تتقبل المقاطعات الأغنى القدر الذي تستطيع دفعه المقاطعات الأفقر، فالواقع أن ثروة مقاطعة هولندا الوافرة ونفوذ تلك المقاطعة تتيح لها التأثير في جميع هذه الأغراض.
وقد حدث أكثر من مرة واحدة أن تم تحصيل العجوزات في الخزينة العامة وجمعها على سن الحراب، وهو شئ تمت ممارسته وإن كان مفزعاً، في كونفدرالية يتفوق فيها عضو من حيث قوته على جميع الأعضاء الآخرين، وحيث يكون عدة أعضاء أصغر من إبداء المقاومة لذلك العضو. لكن هذا الأمر لا يمكن ممارسته ولا تطبيقه في كونفدرالية تتألف من أعضاء يتساوى عدد كبير منهم في القوة والموارد المالية، كما يتساوون في حيازة دفاع قوي يحتفظ به كل منهم.
إن وزراء الخارجية في المقاطعات، كما يقول السير وليم تمبل، الذي كان هو نفسه وزير خارجية، يحذفون القرارات التي تتخذ بالاستفتاء، عن طريق الاتصال بالمقاطعات وبالمدن ذاتها. ففي سنة 1726 تم تأجيل معاهدة هانوفر بفضل هذه الوسائل طيلة عام كامل. والأمثلة المشابهة لذلك كثيرة وبارزة تماماً.
وفي الحالات الطارئة الحرجة، كثيراً ما تضطر المجالس العامة في المقاطعات إلى تخطي حدودها الدستورية، ففي سنة 1688 عقدت المقاطعات بنفسها معاهدة على كره من رؤسائها. كما عُقدت معاهدة وستفاليا سنة 1648 التي تم فيها وضع الاستقلال رسمياً وتم الاعتراف به أخيراً، دون موافقة مقاطعة زيلند على تلك المعاهدة. وحتى منذ عهد قريب، في المعاهدة المعقودة مع ببريطانيا العظمى، تم التخلّي عن نص الإجماع. ولا مناص في حال الدستور الضعيف من أن ينتهي بهجرانه جرّاء الحاجة الضرورية لصلاحيات مناسبة لأعضائه، أو جراء اغتصاب السلطات التي تفرضها ضرورات السلامة العامة. وفي حال بدأ وضع الاغتصاب هل تراه سيقف عند حد تأدية التحية، أو أنه يتابع سيره إلى الحد الأقصى الخطر..ذلك يعتمد على ملابسات الظروف آنذاك. ولربما برز الطغيان في عدد من المرات بفعل السلطات التي تستدعيها الحاجة، بحكم الملابسات الضاغطة، حال دستور يتسم بالنقص، أكثر مما برز (الطغيان)، بفعل السلطات الدستورية الواسعة.
وبصرف النظر عن الكوارث التي ولدّها واقع منصب الحاكم العام، فقد افترض كثير من الكتّاب أنه لولا نفوذه لدى المقاطعات وفيها، لأبدت أسباب الفوضى أن الكونفدرالية قد تفككت منذ زمن طويل. في ظل مثل تلك الحكومة، كما يقول أسقف مابلي: ما كان للاتحاد أن يدوم لو لم تكن المقاطعات في ذاتها فيها ينبوع قادر على تسريع تخلّفها، اضطرها إلى سلوك نمط التفكير ذاته. إن هذا الينبوع (هو منصب الحاكم العام). ويلاحظ السير وليام تمبل "أنه في فترات وجود الحاكمية العامة"، فإن هولندا بفضل ثروتها الطائلة وسلطاتها أيضاً هي التي جرت المقاطعات الأخرى إلى نوع من الاعتماد عليها، وعبأت المكان الفارغ".
ليست هذه هي الظروف الوحيدة التي حدّت الاتجاه إلى الفوضى والانحلال. فالدول القوية المحيطة بالاتحاد تفرض الحاجة الماسة إلى اتحاد بدرجة معينة، وفي الوقت نفسه تغذي عن طريق دسائسها الرذائل الدستورية التي تبقي الجمهورية تحت رحمتها إلى درجة ما.
لقد نعى الوطنيون الصادقون منذ زمن طويل ذلك الاتجاه المميت الذي تدفع إليه تلك الرذائل، وذكروا لا أقل من أربع تجارب منتظمة قامت بها أربعة مجالس غير عادية، انعقدت بهدف تقديم العلاج على الخصوص. وفي كثير من الأحيان كان حماس أفرادها المسموع يجد أنه من المستحيل "توحيد المجالس العامة" لإصلاح الشائع المعروف، والمعترف به، أي الشرور القاتلة الموجودة في الدستور القائم حالياً. دعنا نطرق، أيها المواطنون الأعزاء، وللحظة واحدة ونفكر بروية في هذا الدرس المحزن والمتكرر في التاريخ، وبالدمعة التي تسقط أسفاً على النكبات التي جلبها للبشرية بحكم اختلاف الآراء والمشاعر الأنانية المتضاربة، دع امتناننا يمتزج برجاء العناية الربانية طالبين الانسجام الذي تميزت به مشاوراتنا سعياً وراء سعادتنا السياسية.
ولقد تم تصوّر الخطة أيضاً لإنشاء ضريبة عامة تقوم السلطة الفدرالية بفرضها وإدارتها، لكن هذا بدوره، وجد له أعداء فأخفق.
ويبدو أن هذا الشعب غير السعيد يعاني من الانحراف العام، ومن النزاعات بين الولايات فيه، ومن الغزو الفعلي للجيوش الأجنبية لأرضه، ومن الأزمة في مصيره كله. إن جميع الأمم تبقي عيونها منصبة على ذلك المنظر المفزع. والرغبة الأولى التي تحبذها الإنسانية هي أن تجد هذه التجربة العنيفة قد تمخضت عن ثورة في الإدارة والحكم تفضي إلى إنشاء اتحاد لذلك الشعب وتجعله أباً للطمأنينة، والحرية، والسعادة. وبالتالي فإن الملجأ الذي نلوذ به ونثق فيه، والمتع بهذه النعم المبعثرة في البلاد قريباً ما يتم ضمانها ويستفيد منها الشعب وتعزيه عن مصائبه.
ولست أعتذر عن الاستمرار في التفكر في الأمثلة الفدرالية السابقة. فالخبرة والتجربة هي موحى الصدق، وحيث تكون الاستجابات لها غير معلنة بصراحة، يكون من الواجب اعتبارها نهائية ومقدسة. والحقيقة الضمنية التي تبرزها بخصوص هذه الحالة المهمة، هي أن سيادة على سيادات أدنى، وحكومة فوق الحكومات، وتشريع بحكم المجتمعات، ويكون متميزاً ومنفصلاً عن الأفراد، بحكم كونه متفرداً في النظرية، فهو شاذ في التطبيق الواقعي وتدميري للنظام ولغايات الأمن للعموم، عن طريق إحلال العنف في محل الإجبار اللطيف من قبل رجال الإدارة.
بوبليوس

_______________________
- الأوراق الفيدالية/الكسندر هاملتون، جميس ماديسون، وجون جاي؛ ترجمة عمران أبو حجلة، مراجعة أحمد ظاهر- عمان: دار الفارس للنشر والتوزيع، 1996. ص 141-146.

العودة للصفحة الرئيسية